سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
أطيب تحية نحييكم بها في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج، فأهلاً بكم ومرحباً.
أيها الأطائب، هدتنا النصوص الشريفة التي استضئنا بها في الحلقة السابقة الى أن (عبادة الله) هي الغاية التي جعلها الله لخلقة الجن والإنس رحمة بهم لأنها وسيلة فوزهم بأعلى مراتب الرزق الإلهي الدائم؛ ولكن ما هو نوع العبادة التي تحقق للإنسان ذلك؟ هذا السؤال هو ما نتناوله في لقاء اليوم ونتلمس الإجابة عنه أولاً من القرآن الكريم فنتدبر في قوله عزوجل في الآيات ٥ الى ۸ من سورة البينة حيث يقول عز من قائل:
"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{٥} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{٦} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ{۷} جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ{۸}"
واضح من الآيات الكريمة المتقدمة أن الإخلاص لله في التدين والعبادة هو الذي يجعلها وسيلة الفوز بالرضوان والرزق الإلهي بأعلى مرتبة، ولكن كيف يتحقق هذا الإخلاص؟
نتوجه الى الأحاديث الشريفة سعياً للحصول على الإجابة، فنقرأ في كتاب (علل الشرائع) ما روي عن الإمام الصادق – عليه السلام – أنه قال: "خرج الحسين بن علي – عليه السلام – على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله عزوجل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله – صلى الله عليه وآله – بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته".
إذن فمعرفة الله التي يحصل عليها الإنسان من معرفة الإمام المعصوم والخليفة الكامل المنصوب من قبل الله عزوجل هي التي تجعل المؤمن يتنزه عن كل شرك إستغناء بالله الذي يجد فيه كل ما يتطلع إليه من كمال وجمال ورأفة ورحمة وأنس، فإذا حصلت هذه المعرفة النقية حصل الإخلاص لله؛ قال الإمام الصادق – عليه السلام – في الحديث المروي عنه في كتاب الكافي: "لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عزوجل ما مدوا أعينهم الى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطوونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله عزوجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله، إن معرفة الله عزوجل أنس من كل وحشة، وصاحب من كل وحدة، ونور من كل ظلمة، وقوة من كل ضعف وشفاء من كل سقم".
أيها الأحبة والذي يوصل الى هذه المعرفة والإخلاص لله الذي تستبعه هو موالاة الإمام الحق الذي يجسد الإخلاص لله في العبادة بأعلى صوره ومراتبه وهو ما نجده في سيرة أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – يهدينا إليه قول أميرالمؤمنين – عليه السلام – في دعائه: "إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلاً للعبادة وعبادتك".
ومثله قول الإمام الصادق المروي في كتاب علل الشرائع أنه قال: "إن الناس يعبدون الله عزوجل على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد وهي رهبة، ولكني أعبده حباً له عزوجل فتلك عبادة الكرام وهو الآمن لقوله عزوجل "وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ" وقوله "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" فمن أحب الله عزوجل أحبه الله، ومن أحبه الله عزوجل كان من الآمنين".
نعم – أعزاءنا – ومن والى هؤلاء الأئمة المحمديين صار من خير البرية المشار إليهم في آيات سورة البينة المتقدمة وقد ذكر المفسرون من الفريقين نزولها في علي – عليه السلام – وشيعته؛ فمثلاً روى السيوطي في تفسير الدر المنثور بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي فقال النبي (ص): والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية" فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية.
وها نحن نصل أحباءنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (آيات وأحاديث) إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. دمتم في أمان الله.