سلام من الله عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة منه وبركات..
أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نستهدي فيه بطائفة مباركة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحذر من عواقب نسيان الله عزوجل..
فنبدأ بالإنصات خاشعين للآيتين الثامنة عشر والتاسعة عشر من سورة الحشر حيث يقول الله عز من قائل:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{۱۸} وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{۱۹}"
واضح من هذا النص الكريم أن تقوى الله لا تجتمع مع نسيانه عزوجل ولذلك يحذرنا الله من نسيانه الذي يوقع في الفسق والنفاق وبالتالي أسوأ العاقبة والشقاء في الدنيا والآخرة، قال عزوجل في الآية السابعة والستين من سورة التوبة:
"الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
والآية الصريحة في أن نسيان الله يوقع في النفاق والبخل والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، أي السير خلاف مشيئة الرحمة الإلهية.
وهنا نتوجه معاً الى الأحاديث الشريفة لكي تبين لنا معنى نسيان الله عزوجل لمن نساه، فنقرأ في كتاب (التوحيد) للشيخ الصدوق عن أمير المؤمنين – عليه السلام – في حديث طويل يقول فيه عليه السلام: وقد سأله رجل عمل اشتبه عليه من آيات الكتاب: أما قوله "نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ" إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة، أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من الخير.
أيها الإخوة والأخوات، إذن نسيان الله لمن نساه يعني حرمانه من الرعاية الخاصة لعدم إستعداده لها بسبب غفلته عنها وعن المنعم بها تبارك وتعالى، وهذا فهم للقرآن على أساس معرفة الله، وهو ما نلمحه بمزيد من التفصيل فيما رواه الشيخ الصدوق في كتاب معاني الأخبار عبد العزيز بن مسلم، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل "نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ" فقال إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو وإنما ينسى ويسهو المخلوق ألا تسمعه عزوجل يقول "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً" وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم كما قال عزوجل: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"وقوله عزوجل "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" أي نتركهم كما تركوا الإستعداد للقاء يومهم هذا.
وتلاحظون أيها الأفاضل أن الإمام الرضا – عليه السلام – يقدم لنا في هذا الحديث نموذجاً لتفسير القرآن بالقرآن، وهو مما علمنا إياه أهل البيت – عليهم السلام – لفهم الآيات المتشابهة إستناداً الى الآيات المحكمة ونماذجه كثيرة في أحاديثهم – عليهم السلام – منها ما نقله العالم الشافعي محمد بن طلحة في كتاب (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) عن العلامة الواحدي في تفسيره المسمى بالوسيط بسنده أن رجلاً قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا أنا برجل يحدث عن رسول الله (ص) والناس حوله فقلت: أخبرني عن (شاهد ومشهود) فقال: نعم.. أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته الى آخر يحدث عن رسول الله (ص).. فقلت: أخبرني عن (شاهد ومشهود).. فقال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم النحر، فجزتهما الى غلام آخر كأن وجهه الدينار – يعني شديد الجمال والصباحة – وهو يحدث عن رسول الله (ص) فقلت: أخبرني عن (شاهد ومشهود) فقال: نعم، أما الشاهد فمحمد (ص) وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته عزوجل يقول: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً" وقال تعالى: "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" قال صاحب الرواية: فسألت عن الرجل الأول فقالوا: إبن عباس؛ وسألت عن الثاني فقالوا: إبن عمر؛ وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان قول الحسن أحسن.
وبهذا نصل أيها الإخوة والأخوات الى ختام حلقة أخرى من برنامج (آيات وأحاديث) إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم بألف خير.