السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم بكل خير وهدى ورحمة.
معكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستهدي فيها بطائفة من النصوص الشريفة تعرفنا بأخطر الأوثان والآلهة المزيفة وأبغضها الى الله عزوجل.
هذا الوثن حذرت منه كثير من الآيات الكريمة نختار منها الآية الثالثة والعشرين من سورة (الجاثية) ننصت خاشعين الى قوله عزوجل فيها:
"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"
أيها الأفاضل، المراد من اتخاذ الإنسان هواه إلهاً له هو إتباعه لما تهوى النفس دون حدود وخلاف ما يأمر به الله والعقل السليم وتقديم الإنسان شهواته على مشيئة ربه الحكيم، فيسخر كل مجهوده لتحقيق ما يريده هواه، وهذا يعني وقوعه في ظلم نفسه لأنه يسوقها الى ظلمات الشهوات والظلم، وظلم الآخرين أيضاً لأن أطماع النفس وشهواتها لا حدود لها كما هو ثابت بالوجدان؛ فيفسد الإنسان بذلك نفسه ويثير الفساد في الأرض بظلمه للآخرين.
ولأن الله عزوجل هو الرحيم بعباده لا يحب الفساد والأذى لأي من خلقه، لذلك كان (الهوى) أبغض إله يعبد من دونه تبارك وتعالى.
قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: "في الدر المنثور في قوله تعالى "أرأيت الذي اتخذ إله هواه" أخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع".
وورد في رواية أخرى بتعبير: ما من إله يعبد من دون الله أبغض عند الله من هوى متبع.
روى الشيخ البرقي في كتاب المحاسن مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، قالوا: يا رسول الله ما المنجيات؟ قال صلى الله عليه وآله: خوف الله في السر كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والعدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، قالوا: يا رسول الله فما المهلكات؟ قال صلى الله عليه وآله: هوى متبع، وشح مطاع وعجب المرء بنفسه.
أيها الأكارم، واتباع الهوى واتخاذه إلهاً من دون الله سبب لحرمان الإنسان من الهداية الإلهية، وهذا ما يصرح به الحديث المروي في كتاب (عدة الداعي) عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله عزوجل: وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتت أمره، ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أوته منها إلا ما قدرت له، وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي وكفلت السموات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة).
وعبودية الإنسان لهواه من دون الله تعني في الواقع عبوديته للشيطان ووقوعه في شباكه وتحوله الى آلة شيطانية لنشر الفساد، كما ينبه لذلك الإمام أمير المؤمنين – عليه السلام – قائلاً في إحدى خطب نهج البلاغة: "أيها الناس! إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالاً، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجي الذين سبقت لهم من الله الحسنى".
والذين سبقت لهم من الله الحسنى هم الذين يتجنبون عبادة هذا الإله ولا يتخذون الهوى إلهاً من دون الناس، ويطلبون من الله دوماً أن يجنبهم ذلك ويريهم الحق، قال السيد ابن طاووس في كتاب فلاح السائل: "من المهمات أيضاً بعد صلاة العشاء الآخرة الدعاء المختص بهذه الفريضة من أدعية مولانا الصادق عليه السلام الذي رواه معاوية بن عمار في تعقيب الصلوات وهو: "بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة تبلغنا بها رضوانك والجنة، وتنجينا بها من سخطك والنار، اللهم صل على محمد وآل محمد وأرني الحق حقاً حتى أتبعه، وأرني الباطل باطلاً حتى أجتنبه، واجعل هواي تبعا لرضاك وطاعتك، وخذ لنفسك رضاها من نفسي، واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم".
شكراً لمستمعينا الأكارم على كرم الإستماع لحلقة اليوم من برنامج (آيات وأحاديث) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته وهداه سالمين غانمين.