السلام عليكم مستمعينا الأعزاء ورحمة الله وبركاته، أطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستضيء فيها بطائفة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تنعش قلوبنا بصدق الإعتقاد برحمة الله ولطفه عز وجل بعباده وهو يأمرهم بالطاعات والتكاليف الشرعية مقرونة بالتيسير منه ونفي الحرج والضيق ومشروطة بالإستطاعة.
لنتدبر معاً أيها الأفاضل في النصوص القرآنية التالية وهي بالترتيب من الآية السادسة من سورة المائدة، والآية ۷۸ من سورة الحج، والآية ۱۸٥ من سورة البقرة:
"مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
"وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ"
"يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
وكما تلاحظون أيها الأعزاء فإن هذه المقاطع القرآنية وقد جاءت ضمن آيات تتحدث عن أحكام الغسل والوضوء والجهاد والصوم، تصرح بكل وضوح بأن الهدف من كل التشريعات الإلهية هو تطهير العباد من كل ضعف وأذىً إعداداً لهم للفوز بالنعم الإلهية الكاملة في الدنيا والآخرة إتماماً لنعم الله عليهم.
وقد كتب الله بلطفه أن أمر عباده بالقيام بالفرائض مع الإستطاعة فهو لم يكلفهم بما لا يستطيعون بدءً، وإذا شق على أحدهم لعارض القيام بأحد هذه التكاليف أسقطه الله عنه وأبرأ ذمته منه وآتاه بركته وآثاره على صدق نيته في القيام به ولو كان مستطيعاً.
وقد اهتمت الأحاديث الشريفة بتربية المؤمنين على عدم التضييق والتشديد على أنفسهم في أداء التكاليف إنطلاقاً من القاعدة القرآنية المتقدمة، قال الشريف المرتضى – رضوان الله عليه – في الجزء الثاني من كتاب (الرسائل): روي عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أنه قال: (يسروا ولا تعسروا وأسكنوا ولا تنفروا، خير دينكم اليسر، وبذلك آتاكم الله؛ قال الله "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقال:"ويريد الله أن يخفف عنكم" واعلموا رحمكم الله أن الله لو كان كلف خلقه ما لا يستطيعون كان غير مريد بهم اليسر، وغير مريد للتخفيف عنهم، لأنه لا يكون اليسر والتخفيف في تكليف ما لا يطاق).
والأخذ بهذا التيسير الإلهي في أداء التكاليف هو أحب الدين الى الله عزوجل، جاء في كتاب (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق (سئل علي عليه السلام: أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال عليه السلام: لا؛ بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة).
وفي هذا الكلام العلوي إشارة الى الحديث النبوي الشهير: (بعثت بالحنيفية السمحة السهلة البيضاء).
وهذا ما يؤكده الإمام جعفر الصادق – عليه السلام في حديث آخر وهو يطرد الوساوس والشكوك بنجاسة ماء بقربه نجاسة فيأمر السائل بالإستفادة منه ما لم يعلم بنجاسة ثم يقول: "إن الدين ليس بمضيق فإن الله عزوجل يقول "ما جعل عليكم في الدين من حرج".
وتحذر النصوص الشريفة من أن التضييق والتشدد في أداء التكاليف هو من مصاديق المروق عن الدين الإلهي الحق نتيجة للجهل كما هو حال الخوارج.
روي في كتاب الوسائل أن سليمان بن جعفر الجعفري سأل العبد الصالح موسى بن جعفر عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية – أي من جلد طاهر هي - أم غير ذكية أيصلي فيها؟ فقال عليه السلام: نعم ليس عليكم المسألة إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك.
وروي في الكافي وغيره من مصادرنا المعتبرة كما في كتاب القواعد الفقهية أن رجلاً قال للإمام الصادق: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال (ع): يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل، قال الله عزوجل "ما جعل الله عليكم في الدين من حرج" إمسح عليه.
ومسك الختام – أيها الأفاضل – رواية شريفة تهدينا الى أن التمسك بولاية أئمة الحق – عليهم السلام – هي المصداق الأسمى للعمل بهذا الأدب القرآني لأن تصون الإنسان من كل مروق وخروج عن الدين الحق.
روي في كتاب (المحاسن) عن مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – أنه قال: في قول الله عزوجل "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" قال: اليسر الولاية والعسر الخلاف وموالاة أعداء الله.
وبهذا ننهي – أيها الأكارم – حلقة اليوم من برنامجكم (آيات وأحاديث) شكراً لكم ودمتم بألف خير.