الحمد لله الذي تحبب لخلقه بنعمائه وهو غني عنهم واكرمهم بمحمد وآله وسائل لنيل فضله وشفعاء لعباده صلوات الله عليهم اجمعين.
السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم ومرحباً في عاشرة حلقات هذا البرنامج.
روى ابن ماجه في سننه وهو احد الكتب الستة المعتبرة عند اهل السنة عن عثمان بن حنيف ان رجلاً ضرير البصر اتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ادع الله ان يعافيني فقال (صلى الله عليه وآله) ان شئت ارت لك وهو خير وان شئت دعوت.
أي مستمعينا الكارم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين خيارين الاول هو الصبر على هذا الابتلاء الالهي أي فقدان البصر وهو خير أي ان عاقبته اجمل وافضل، والخيار الثاني هو ان يدعو الرسول (صلى الله عليه وآله) بان يرفع عنه هذا الابتلاء وقد اختار الرجل الخيار الثاني.
يقول ابن ماجه في تتمة روايته فقال الرجل: ادعه، فأمره، (صلى الله عليه وآله) ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم اني اسألك واتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد اني قد توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه، لتقضى اللهم فشفعه في).
*******
مستمعينا الاكارم الرواية المتقدمة رويت ايضاً في سنن الترمذي وهو ايضاً من الكتب الستة المعتبرة عند الجمهور ويلاحظ في نصها ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) يعلم الرجل الضرير التوسل الى الله جل جلاله من خلال ثلاث مراحل الاولى ان يخاطب الله عز وجل بانه يتوجه اليه بمحمد نبي الرحمة.
والثانية انه يخاطب نبي الرحمة مباشرة ويدعوه الى الشفاعة له الى الله جل جلاله لان التوجه به (صلى الله عليه وآله) هو السبب لقضاء حاجة العبد، اما المرحلة الثالثة ـ مستمعينا الاكارم ـ فهي ان يوجه خطابه الى الله عز وجل يدعوه لان يشفع نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله).
وهذا يعني ان دعوة الوسيلة الى الله لمعونة المتوسل تكون محفوفة بدعوتين الى الله عز وجل أي ان التوسل الى الله جل جلاله بالوسيلة هو من الله بدءاً وانتهاءاً.
مستمعينا الاكارم تعلمون بان كثيراً من الاحاديث الشريفة صرحت بان التمسك بعرى ولاية الله ورسوله واوصيائه هي شرط قبول الاعمال، ومن جهة اخرى نلاحظ ان القرآن الكريم يأمر بابتغاء الوسيلة ويجعل العمل بذلك المرحلة الوسطى بين تقوى الله والجهاد في سبيله الموصل اليه، وهذه هي قاعدة العلاقة بين الولاية وابتغاء الوسيلة ايها الاخوة والاخوات المزيد من البيان لهذه الحقيقة نتابعه في هذا الاتصال الهاتفي الذي اجراه زميلنا مع سماحة الشيخ محمد السند نستمع معاً:
المحاور: سؤالنا في هذه الحلقة هو كيف نفهم ما اكدته الاحاديث الشريفة من اشتراط التولي كشرط اساسي لقبول الأعمال؟
الشيخ محمد السند: بسم اله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. فان من ابرز مظاهر التولي الاستشراع والتوجه بمن امرنا بتوليه حتى ان في جملة من الآيات قد بينت هذا التولي للنبي واهل بيته الذي امرنا به كما في آية المودة وكما في «انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» قد بين في القرآن الكريم بانه عبارة عن التوجه بهم والاستشفاع بهم الى الله عز وجل كما في قوله تعالى: «ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً»، فهنا اشترط الباري تعالى للتوبة، والتوبة هي في الحقيقة اذا امعنّا النظر فيها ليست خصوص التوبة المتبادر في ذهننا عبارة عن مطلق التوبة الى الله ومطلق الرجوع والقربة الى الله ومن ثم هذه شاملة لكل العبادات بل يجب ان تشتمل بادئ ما تشتمل عليه بالتوجه واللجوء على حضرة النبي صلى الله عليه وآله والتوجه بها الى الله فمن ثم هنا العناية في الآية الكريمة حيث اشترطت لحصول التوبة من الله على العباد اولاً بان نلجأ الى النبي ونتوجه به الى اللهولو انهم اذ ظلموا انفسهم لم تعبر الآية ان استغفر الله بل اشترطت اولاً جاءوك والمجيء في اللغة العربية واضح في كناية عن اللجوء والالتجاء والاستشفاع واللواذ.
المحاور: يعني اذا قلنا التوسل به الى الله ما في مشكلة؟
الشيخ محمد السند: نعم هذا المقصود لانه عندما يقول اذهب الى فلان عند صاحب المشكلة عند تلم بالانسان مشكلة تلم بالانسان مصيبة تلم بالانسان ورطة يقال له اذهب الى فلان ادخل على فلان يعني توجه به التجئ اليه اعتبر نفسك دخيلاً في حرمه لتحتمي، حين اذن مما قد يلمك من دواهي الغضب الالهي والنقمات الالهية فبالتالي هذا تعليم وأدب اللهي لجميع البشر بل لجميع المخلوقات حتى من ملائكته وهم منزهون عن المعصية ولكن لكي يلتجؤا الى الله عز وجل ويتوجهوا اليه عليهم بالدخول في حرم النبي عليهم بالتوجه والاستشفاع بحرم النبي ومن ثم الحقيقة تعكس هذا المطلب بصراحة بعد ايضاً الآية الكريمة الاخرى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول يعني القبلة في الاستقبال لبيت المقدس جعل الباري تعالى الغاية منها معرفة من يطيع ويتبع وينقاد الى النبي صلى الله عليه وآله، مع انه قبلة واستقبال هي امر عبادي لله تعالى ولكن مع ذلك هذا الامر العبادي الذي غاية غاياته هو الله عز وجل جعل الباب وسيلة اليه هو اتباع النبي لانقياد النبي ونحو التوجه بالنبي الى الله عز وجل.
*******
ايها الاخوة والاخوات لاحظنا في مقدمة الحلقة ان النبي الاعظم الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى قد علم امته ان يبتغوه وسيلة الى الله جل جلاله ويقرنون دعوة الله جل جلاله بالتوسل به اليه. وهذا التعليم النبوي اهتم به ائمة العترة الطاهرة عليهم السلام وتجلى في سيرتهم العملية وفي حرصهم على دعوة المؤمنين للعمل به.
نختم هذا اللقاء من برنامج التوسل الى الله جل جلاله برواية في هذا المجال نقلتها المصادر المعتبرة عن الامام الصادق عليه السلام ان ابا بصير سأله يوماً ما كان دعاء يوسف في الجب فانا قد اختلفنا فيه؟
اجاب عليه السلام: ان يوسف عليه السلام لما صار في الجب وآيس من الحياة قال: (اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتاً، ولن تستجيب لي دعوة، فاني اسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته عليَّ وشوقه الية).
قال ابو بصير: ثم بكى ابو عبد الله "الامام الصادق" عليه السلام ثم قال: وانا اقول: "اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتاً ولن تستجيب دعوة فاني أسألك بك فليس كمثلك شيء واتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله".
قال ابو بصير: ثم قال ابو عبد الله عليه السلام: قولوا هذا واكثروا منه فاني كثيراً ما اقوله عند الكرب العظام. ختاماً نستودعكم الله بكل خير احباءنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******