الحمد لله الذي شاء ان يجعل مودة احبائه وسيلة الى قربه ومرضاته، والصلاة والسلام على احب خلقه اليه وشفعاء عباده اليه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في سادسة حلقات هذا البرنامج نستهلها بشهادة اخرى من شهادات علماء اهل السنة بشأن التوسل الى الله باهل بيت العصمة عليهم السلام وآثارها فقد قال احمد بن يوسف القرماني الدمشقي في كتابه "اخبار الدول" وضمن ترجمته للامام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: وهو المعروف عند اهل العراق بباب الحوائج لانه ما خاب المتوسل به "الى الله" في قضاء حاجة قط.
مستمعينا الاكارم في الحلقات السابقة تعرفنا على الامر القرآني بابتغاء الوسيلة وعرفنا المراد من الوسيلة وفي هذه الحلقة نقف عند مدح القرآن الكريم للذين يبتغون الى ربهم الوسيلة حيث قال الله عز من قائل في الآيتين السادسة والسابعة والخمسين من سورة الاسراء: «قل ادعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً / اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذوراً»، الآية الاولى اعزاءنا تذم الذين يتخذون وسائط ووسائل لكي يقربوهم الى الله عز وجل زلفى او هكذا يزعمون، ومشكلتهم ليس في اصل التوسل الذي عرفنا انه سنة طبيعية ومن سنن الله جلت حكمته في ادارة شؤون خلقه وتربية عباده، فأين تكمن المشكلة ولماذا ذمهم الله جل جلاله؟ الجواب نجده في عبارة "من دونه" التي تذكر في كثير من الآيات الكريمة الواردة في باب ذم المشركين فهؤلاء اتخذوا وسائل ووسائط من دون الله لم ينزل الله بها سلطاناً، ولم يأمرهم الله عز وجل بذلك حتى لو كان الذين يزعمون انهم يتوسلون بهم من الملائكة الكرام.
*******
اذن المعيار والميزان هو في ابتغاء الوسيلة التي امر الله عز وجل بها وجعلها سبباً متصلاً بينه وبين عباده وهذا ما تنبه له الآية الكريمة الثانية في قوله عز من قائل فيها: «يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب»، والمزيد من التوضيح نستمع له في حوار زميلنا عبر الهاتف مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ محمد السند.
المحاور: سماحة الشيخ الآية الثانية التي تتحدث عن موضوع ابتغاء الوسيلة في القرآن الكريم هي الآية السابعة والخمسون من سورة الاسراء فيها هذه العبارة: «اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب، ويرجون رحمته ويخافون عذابه»سؤالنا عن النكتة الكامنة في تعبير ايهما اقرب ما هي؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة آيات التوسل في القرآن عديدة جداً ولكن التي اشتملت على لفضة مادة الوسيلة فان مضمون التوسل موجود في عشرات الآيات في القرآن الكريم واللازم بحثها والتمعن والتدبر فيها واما هذه الآية الكريمة ففي جملة من المفسرين ربما راقة لهم ان يفسروا الآية الكريمة بان هذا تنديد التوسل بالوسائل وبالتالي اشتباه المشركين والوثنيين في انهم يتوسلون بوسائل ليقربهم الى الله عز وجل زلفى وما شابه ذلك والحال انه هذه وسائل مدحوظة مثلاً من قبل الساحة الالهية طبعاً هذا التفسير ان لم نخطئه من رأس لكنه لم يتناول حقيقة في تمام مطافئه وانما هو ناقص وطبعاً استندوا في هذا التفسير الى الآية السابقة «قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً / اولئك الذين يدعون» ربما يشار الى الوثنيين هكذا سياق حاولوا ان يفسروه ولكن في الحقيقة نستطيع ان نقول ان كانت هناك آية سابقة حول المشركين فهناك آية اسبق من السابقة متصلة بها حول النبيين «وربك اعلم بمن في السماوات والارض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبوراً»، فهناك اذا نماذج من الوسائل الالهية وهناك نماذج من وسائل المجعولة المزعومة بشرياً «اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان»، وفي الحقيقة الكثير ممن يريد ان يهاجم او يحارب التوسل يستشهد بنكير القرآن الكريم على المشركين العرب والوثنية باعتبار انهم جعلوا آلهتهم لكي يتوسلوا بهم الى الله عز وجل والحال انه قد رفضت هذه الدعوة.
المحاور: سماحة الشيخ ان شاء الله لدينا اسئلة فيما يرتبط بهذه الشبهات في الحلقة المقبلة ولكن في الدقيقتين المتبقيتين ممكن الاجمال الاجابة عن السؤال هذا التعبير ايهما اقرب؟
الشيخ محمد السند: نعم في هذه الآية في الحقيقة القرآن لا يخطأ اصل التوسل بل اصل التوسل يفرضه القرآن ضرورة وانه منشأ ومكمل ضرورة التوسل هو ضرورة التقرب الى الله عز وجل وان هناك مسافة ومساحة وبعد بين العبد وباريه من طرف العبد لا من طرف الله، والا الله قريب مجيب، فبالتالي غاية الامر ان التوسل يجب ان يعرف انه الوسيلة هي المنصوبة من قبله تعالى كي تكون هي اقرب ومقربة للعبد اتجاه ربه لا ان تكون مبعدة ان كانت مزعومة ومن ثم ليس للانسان ان ينصب ائمة من نفسه يعتد بهم قدوات في الدين بل الامامة والامام مثلاً كباب ووسيلة ويجب ان يكون منصوباً من قبله تعالى الذي يقتدي به الانسان الى القربى الالهية.
*******
نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج "التوسل الى الله" بالاشارة الى ان الآيتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين من سورة الاسراء المباركة انما تعرض لنمطين من التوسل الى الله عز وجل فتذم الاول لانه عين الشرك وتمدح الثاني لانه عين التوحيد الخالص.
تذم الاول لانه اتباع للهوى وللشيطان باتخاذ وسائل الى الله لم يأمر بها الله عز وجل حتى لو كانت من ملائكته او من الصالحين من عباده فالله عز وجل هو العالم بمن يصلح ان يكون هادياً اليه بامره ووسيلة الى قربه تعين المتوسلين اليه على التقرب منه، ولذلك لا يجوز اتخاذ أي وسيلة حتى لو تصورها الانسان صالحة ما لم يأذن الله وينزل سلطاناً باتخاذها وسيلة للتقرب منه عز وجل.
والقرآن الكريم اعزاءنا يمدح النمط الثاني من التوسل لان اصحابه يرجون الله ويخافون فهو عز وجل هدفهم الاعلى من التوسل ولذلك فهم يبتغون اقرب الوسائل اليه عز وجل واشدهم التصاقاً واتصالاً به تبارك وتعالى.
ومن اقرب اليه جل جلاله من محمد وآل محمد صلوات الله عليهم اجمعين؟ جاء في نهاية الزيارة المعروفة بالزيارة الجامعة: «اللهم اني لو وجدت شفعاء اقرب اليك من محمد وأهل بيته الاخيار الائمة الابرار لجعلتهم شفعائي».
من هنا كان التوسل بهم صلوات الله عليهم هو عين التوحيد الخالص لانه توسل باحب الخلق الى الله واقربهم اليه جل جلاله، ولانهم الذين امر الله بالتوسل اليه بهم، رزقنا الله واياكم اعزاءنا صدق ودوام التوسل بهم اليه، والى لقاء مقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******