ووفقاً للقائمين على المشروع، فإن هذا الإنجاز لا يقتصر على تقليص الاعتماد على الاستيراد، بل يمهّد أيضاً لتشكيل سلسلة إمداد مستدامة تعزز القدرة التنافسية العالمية في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
يحمل المشروع عنوان «تطوير تقنية إنتاج فحم الكوك الإبري من الأسفلتين والمخلفات النفطية لصناعة الأقطاب الجرافيتية النانوية»، ويجري تنفيذه تحت إشراف الدكتور بابك مختاري وفريقه البحثي في جامعة الشهيد جمران بالأهواز.
ويُعدّ هذا المشروع جزءاً من البرامج التطبيقية لهيئة تطوير تقنيات النانو والميكرو، ويهدف إلى إنتاج فحم كوك إِبري عالي الجودة بوسائل وتقنيات محلية.
يُستخدم فحم الكوك الإبري كأحد المواد الأساسية في صناعة الأقطاب الجرافيتية النانوية، التي تُعدّ عنصراً حيوياً في صناعات الفولاذ والألمنيوم. ومع التوسع المتسارع في إنتاج الفولاذ في إيران وارتفاع الطلب على الأقطاب عالية الكفاءة، أصبحت إمدادات فحم الكوك الإبري أحد أهم تحديات سلسلة الإنتاج، إذ يتم استيراد معظم الكميات من الخارج، ما يسبب تبعية اقتصادية وهشاشة في استقرار الإنتاج.
وتُعدّ الموارد النفطية المحلية مثل الأسفلتين والمخلفات الثقيلة للمصافي بدائل قيّمة للمواد الأولية المستوردة، غير أن التعقيد الكيميائي لهذه المواد وتغير خصائصها أثناء المعالجة الحرارية يجعل استخدامها المباشر أمرا صعبًا. لذا، يعمل الفريق البحثي على تحسين ظروف المعالجة والتنقية وتعديل البنية الكيميائية للأسفلتين والمخلفات النفطية، بما يتيح الحصول على فحم كوك إبري يتمتع بخصائص فيزيائية وبنيوية مثالية.
ولا تقتصر أهمية المشروع على جانبه التقني فحسب، بل تمتد إلى أبعاده الاقتصادية والاستراتيجية، إذ يُتوقع أن يؤدي الإنتاج المحلي لفحم الكوك الإبري إلى توفير ملايين الدولارات من النقد الأجنبي سنويًا وتقليل الاعتماد على الاستيراد في قطاعي الفولاذ والألمنيوم. كما أن استخدام المخلفات النفطية كمادة أولية يساهم في خفض كلفة الإنتاج وتقليل الأثر البيئي للنفايات الهيدروكربونية.
ومن منظور تكنولوجيا النانو، يركّز المشروع على تطوير أقطاب جرافيتية نانوية البنية تمتاز بترتيب منتظم لطبقات الجرافين، مما يمنحها موصلية كهربائية وحرارية عالية وثباتًا هيكليًا في درجات الحرارة المرتفعة. ويساهم استخدام هذه الأقطاب في عمليات صهر وتنقية المعادن في رفع كفاءة الطاقة وتقليل استهلاك المواد الخام وتحسين جودة المنتجات النهائية من الفولاذ والألمنيوم.
ويؤكد الباحثون أن استكمال المراحل التجريبية والتصنيعية سيتيح إنشاء سلسلة توريد محلية متكاملة للأقطاب الجرافيتية، ما سيعزز الاكتفاء الذاتي ويزيد من القدرة التصديرية لإيران في مجال المواد المتقدمة.
ويُعدّ هذا المشروع نموذجًا بارزًا للتكامل بين البحث الأكاديمي وتقنيات النانو وصناعة النفط، ويمكن أن يشكّل نموذجًا يُحتذى به في المشاريع التطبيقية الأخرى. فاستثمار القدرات العلمية الجامعية في مواجهة التحديات الوطنية ضمن سلسلة الطاقة والمواد المتقدمة يمثل خطوة جوهرية نحو ترسيخ الاقتصاد القائم على المعرفة وتعزيز الاستقلال الصناعي للبلاد.