عندما نتحدث عن الطاقة النووية، سرعان ما تتبادر إلى أذهان الكثيرين محطات الطاقة الكبيرة، تخصيب اليورانيوم، أو القنابل الذرية، لكن واقع التكنولوجيا النووية في العالم اليوم يتجاوز هذه التصورات بكثير.
تلعب التكنولوجيا النووية، وخاصةً في بعدها السلمي، دورًا رئيسيًا في التنمية المستدامة للدول. من زيادة الإنتاجية الزراعية إلى علاج الأمراض المستعصية، ومن مكافحة الآفات دون استخدام المبيدات الحشرية إلى تحسين سلامة الغذاء، فجميعها إنجازات ملموسة لهذا العلم المعقد والعملي في آنٍ واحد.
وفيما يخص الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضًا، سعت منظمة الطاقة الذرية في السنوات الأخيرة إلى تطوير تطبيقات نووية غير قائمة على الطاقة وربطها بالحياة اليومية للناس. كما أن استخدام الإشعاع، إنتاج الأدوية المشعة، البذور المقاومة للإجهاد البيئي، وتقنيات التشخيص في صناعة الألبان فكلها تقدم صورة واضحة عن هذه الجهود المبذولة بهذا الصدد.
"كيان" أرز يُنتج في ظل ندرة المياه
وفي هذا السياق، سنناقش إنجازا هاما آخر في مجال التقنيات النووية السلمية:
الأرز المتحور المقاوم للإجهاد المائي "كيان"، والذي سُجِّل رسميًا وأُدخل من قِبل وزارة الجهاد الزراعي في يوليو/تموز 2021.
تم الحصول على هذا الصنف من الأرز بطرق الطفرات الموجهة، وهو مشتق من صنف "طاروم" المحلي الشهير. ومن أهم مميزاته مقاومة عالية للجفاف، الحفاظ على جودة الطهي، رائحة ونكهة ممتازة، وإنتاجية عالية.
وعلى عكس العديد من الأصناف المعدلة عالية الإنتاج التي تُضحي بالجودة مقابل الكمية، فقد حقق صنف "كيان" توازنًا جيدًا بين الكمية والجودة.
مقارنة الأداء
-يتميز هذا الصنف بإنتاجية عالية في مختلف الظروف.
-في ظروف الجفاف: حوالي 3 أطنان من الأرز للهكتار الواحد.
-في ظروف الري العادية: حوالي 6 أطنان للهكتار الواحد.
بالمقارنة، يُنتج صنف "طاروم" المحلي ما بين 3.5 و4 أطنان للهكتار الواحد في أفضل الأحوال، و600 كجم فقط للهكتار الواحد في ظروف الجفاف، مما يعني أنه في أسوأ الأحوال، يُنتج "كيان" غلة أكبر بخمس مرات من "طاروم" المحلي في ظروف الجفاف.
آفاق الإنتاج الضخم
في عام 2022م، تم زرع هذا الصنف في 60 هكتارًا من حقول الأرز في محافظتي "جيلان" و"مازندران" من قِبل مزارعي الأرز تحت إشراف وزارة الجهاد الزراعي. ومن المقرر توفير بذور هذا الصنف المُعتمدة على نطاق واسع للمزارعين والتعاونيات الزراعية لتسريع عملية الإكثار واستبدال الأصناف التقليدية.
التربية الطفرية ( Mutation Breeding ) هي طريقة علمية في تربية النباتات تستخدم أشعة جاما لإحداث تغييرات مفيدة في التركيب الجيني للنباتات. وبخلاف الهندسة الوراثية، لا تتلاعب هذه الطريقة مباشرةً بالجينوم، وهي مُعترف بها كطريقة طبيعية وآمنة وفقًا للأنظمة الدولية.
وباستخدام هذه التقنية، تُنتج مجموعة واسعة من الصفات المرغوبة، مثل مقاومة الآفات، تحمّل الملوحة والجفاف، زيادة الغلة، وتحسين جودة الطهي، في أصناف المحاصيل.
فيما يخص جمهورية إيران الإسلامية، أُنتجت بذور عديدة من القمح والشعير والقطن، والآن أرز "كيان"، باستخدام هذه الطريقة.
"الطاقة النووية" ليست بعيدة عن حياتنا!
إن قصة صنف أرز "كيان" ليست سوى مثال واحد على أن التكنولوجيا النووية لم تعد تقتصر على المختبرات ومحطات الطاقة؛ بل دخلت منازلنا، وأطباقنا الغذائية، وعلاج أمراضنا.
وتعد في عالم اليوم، التطبيقات السلمية للطاقة النووية من أهم الأدوات للتعامل مع الأزمات، مثل الأمن الغذائي، ندرة المياه، والأمراض التي يصعب علاجها، وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة.
ورغم كل الضغوط والقيود الدولية على ايران الإسلامية، فإن تطوير التقنيات النووية في مجالات الزراعة، الطب، وصناعة الأغذية فتح طريقا واعدا للنمو العلمي والاقتصادي في البلاد.