فقد بقيت في الأدب الفارسي روايات رحلات كتبتها نساء كثيرات، وخاصة بعد العصر القاجاري. وتختلف هذه الروايات عن غيرها من روايات الرحلات المكتوبة عن الحج من حيث وجهة نظر كاتباتها، ولعل من أهمها رواية "على تلال مكة" لبنت الهدى الصدر.
يعد كتاب "على تلال مكة" مزيجا من رحلات وكتابات ومقالات مستوحاة من رحلة بنت الهدى الصدر إلى مكة المكرمة. ويتضمن الكتاب أقسامًا تتضمن رحلة، وخطبًا وإرشادات للنساء، ونقاشات حول حقوق المرأة في الإسلام، مكانة المرأة، ودورها في واقعة عاشوراء.
وعلى وجه الاختصار يعتبر كتاب "على تلال مكة" مزيجا من رحلات وخطب وإرشادات، تشارك فيه بنت الهدى الصدر تجاربها في رحلتها إلى مك المكرمة، بالإضافة إلى آرائها حول قضايا المرأة.
يشمل الجزء الأول من الكتاب، بعنوان "على تلال مكة"، رحلة بنت الهدى الصدر وملاحظاتها حول رحلتها إلى مكة المكرمة وأدائها فريضة الحج. وتناولت الشهيد الصدر في هذه الرحلة، عادات ومناسك الحج من منظور امرأة ما.
إن من إحدى إبداعات الشهيدة بنت الهدى الصدر تتمثل في حضورها رحلات الحج، بصفة عالمة خاصة بالنساء. فكانت تحضر هذه الرحلات كلما سنحت لها الفرصة، وإلى جانب تعليمها الأحكام والإجابة على أسئلة النساء، كانت تغتنم فرصة الحج الفريدة لتثقيف وتدريب وإرشاد النساء المسلمات.
كانت الشهيدة بنت الهدى على دراية تامة بفتاوى كبار المراجع في ذلك العصر، وكان وجودها يُمكّن النساء الحاجيات من معرفة مسائل الحج بسهولة وثقة أكبر. فإذا طرأ أي أمر لم تكن الشهيدة بنت الهدى متأكدة منه، كانت تتصل بأخيها الشهيدة السيد محمد باقر الصدر، كلما سنحت لها الفرصة، وتسأل عن حكم المسألة لتكون إجاباتها دقيقة وواثقة.
استغلت الشهيدة الصدر فرصة الحج الفريدة لرفع مستوى الوعي الديني لدى النساء المسلمات، وتعريفهن بجوانب الدين المهمة والمهملة، ومن ناحية أخرى، تحييد الآثار الضارة للدعاية المغلوطة. وكان لهذا العمل أهمية خاصة في ذلك الوقت؛ إذ وطأت النساء الحاجيات أرض الوحي دون أي دعم فكري أو ثقافي.
لذلك رأت بنت الهدى الصدر في الحج أساسًا للتربية الدينية للنساء، فاستغلته على أكمل وجه. وتُظهر الذكريات التي بقيت من رفيقاتها في رحلات الحج عمق تأثيرها على التربية الإسلامية للنساء اللواتي حالفن الحظ بمرافقتها.
إذن تقوم الشهيدة بنت الهدى الصدر في مذكراتها بتقديم الحج، شعائره، ومقاصده للنساء الحاجيات، حتى يستطعن من فهم تجليات فلسفة الحج، ويغرسن فيهم الشغف بتذوق ملذاته الروحية.
وكانت تعتبر الحج مؤتمرا فريدًا وفرصة ثمينة للتعرف على المسلمين من مختلف الأقطار. وتسعى خلال هذه الرحلة، إلى التعرّف عن كثب على أوضاع المسلمين في أنحاء العالم الأخرى، دون التأثر بالضجيج الإعلامي حيث لم تقتصر أنشطتها الثقافية والتعليمية على رفاقها، بل تواصلت، قدر الإمكان، مع نساء مسلمات أخريات.