نحن الان مع زيارة الجامعة، وهي الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، ويطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة تمييزاً لها عن الزيارات الجامعة الاخرى، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول عن الائمة عليهم السلام: (فمعكم معكم لا مع غيركم) الى ان يقول: (برئت الى الله عز وجل من اعدائكم، ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم)، وهذا المقطع ـ كما تلاحظ ـ خاص بالبراءة من اعداء الائمة عليهم السلام ولكن النكات الفنية والدلالية تظل مشحونة في هذا المقطع بحيث يقف قارئ الزيارة مبهوراً من جانب، وملفعاً بشيء من الضبابية الشفافة من جانب آخر.
ويعنينا الآن ان نلقي الاضاءة على هذه الجوانب، ان اول ما يستوقف قارئ الزيارة هو تعدد اعداء الائمة عليهم السلام، حيث نواجه مصطلحات هي: الاعداء، الجبت، الطاغوت، الشياطين، حزب الشياطين، ولنتحدث بشكل عابر عن استخدام هذه المصطلحات في النصوص الشرعية، وفي مقدمتها النص القرآني الكريم:
لقد ورد اسم الطاغوت وحده في النص القرآني القائل «وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ».
كما وردت الكلمة المذكورة على كلمة (الجبت) في نص آخر هو «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ».
واما استخدام كلمة (الشياطين) و (حزبهم) و (الاعداء)، بنحو عام فانها من الغزارة بمكان.
بيد ان السؤال هو هل ثمة دلالة محددة بخاصة لعبارتي الطاغوت والجبت؟
ثمة نصوص تفسيرية بعضها يشير الى قوى محددة في حقل الاصنام والشخصيات والمفهومات، وبعضها يشير الى اسماء محددة معادية لاهل البيت عليهم السلام من حيث المصاديق وهو ما يطلق عليه في مصطلح المفسرين والتفسير بالجري.
والمهم هو ان ثمة قوى متنوعة معادية للائمة عليهم السلام لاسباب لا مجال لذكرها الآن ... لذلك ننتقل الى المصطلحات الثلاثة الاخرى وهي الاعداء، الشياطين، حزبهم، فماذا نستخلص؟
اما بالنسبة الى "الاعداء" فان المصطلح المذكور يتسم بعمومية كما هو واضح، حيث ان العدو ينسحب على كل من يعادي الله تعالى ورسوله والعترة الطاهرة ...
لذلك فان من البلاغة ان يستخدم مصطلح الاعداء في اول الفاتحة ليشير الى معنى عام ثم تجيء المصاديق المتنوعة.
لكن اذا كان الجبت والطاغوت مثلاً من مصاديق الاعداء، فكيف نواجه كلمتي الشياطين، وحزبهم؟ هنا ايضاً ثمة نكات يتعين علينا استهلالها فما هي؟
ثمة نصوص تشير الى ان "الشياطين" لا ينفردون في اجناسهم التي ينتسبون اليها، وهي جنس النار، بل تشاركهم اجناس اخرى ومنهم الجنس البشري كما ان لهم اعواناً من الجنسين الشيطاني والبشري، وهذا يعني ان ثمة ادواراً متنوعة للشيطان الرئيس ولجنده، ثم لجنده من الجنس البشري، الم يقل الله تعالى مثلاً «الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ»، اذن الجن وايضاً البشر يمارسان الوسوسة فِي صُدُورِ النَّاسِ.
ولعل النكتة الاشد ظهوراً هي العبارة الاخيرة التي ختم بها المقطع وهي الظالمين لكم، اي ان القوى المتنوعة في اجناسها وادوارها واعوانها بجمعها ما صرح به النص وهو الظالمون للائمة عليهم السلام، حيث نستخلص من ذلك مدى ما لحق اهل البيت عليهم السلام من الظلم، ثم مدى ما لدى الائمة عليهم السلام من المنزلة التي رسمها الله تعالى لهم، وما يترتب عليها من التسليم باحقيتهم كما هو واضح.
*******
وتبقى قضية مهمة هي اهمية البراءة في اكتمال ايمان وتدين المسلم نستمع لبيانها من ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في الحوار الهاتفي الذي اجراه زميلنا:
المحاور:بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا اهلاً بكم ومرحباً في هذه الفقرة من فقرات برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة المروية عن مولانا الامام الهادي عليه السلام، معنا مشكوراً في هذه الحلقة سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ ما هي أهمية البراءة من اعداء الله تبارك وتعالى في كمال الانسان واكتمال الولاية؟ هذا السؤال من الاسئلة المهمة التي تطرح من خلال ما تشير اليه عبارات ونصوص الزيارة الجامعة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان البراءة هي فرع من فروع الدين كما ان الولاية فرع من فروع الدين البراءة كذلك، واذا رجعنا الى كتاب الله القرآن الكريم نجد في موارد كثيرة يقدم البراءة لاهميتها على الايمان وكأنما الارض قبل الزراعة ينبغي ان تهيأ وان تكون مستعدة لبذر البذور الصالحة للزراعة، هكذا بالنسبة الى البراءة من اعداء الله، وفي سورة البقرةفَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فاذن اول شيء الكفر بالطاغوت البراءة من الطواغيت جميعاً للتهيئة الايمان وحلول الايمان في قلب الانسان المؤمن ولهذا نلاحظ حتى كلمة التوحيد التي دعا اليها النبي صلى الله عليه وآله قولوا لا اله الا الله تفلحوا اذا تأملنا في هذه الكلمة نراها تتكون من اول الرفض لا اله بعد ذلك اثبات الا الله فاذن لابد من البراءة من اعداء الله وان البراءة من جملة موجبات ومن مظاهر الايمان في يوم من الايمان، اقبل رجل على امير المؤمنين عليه السلام وقال: يا امير المؤمنين انا احبك واحب عدوك.
قال له الامام: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه انت الان اعور اما ان تعمى واما ان تبصر فلا يمكن ان تكون تحب اولياء الله وتحب اعداء الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فاذن لابد للانسان الذي يوالي اولياء الله ويحب اولياءه ينبغي ان يكون في قلبه مقدار الولاية البراءة من اعداء الله، لذلك الزيارات الواردة عن اهل البيت عليهم السلام من جملة الزيارات زيارة عاشوراء المروية والتي يؤكد عليها كثير من علمائنا نلاحظ انها تركز على قضية البراءة ربما كررت هذا المعنى اكثر من اربع او خمس مرات تأكيداً على هذا المطلب فاذن المؤمن ينبغي ان يراقب نفسه ويجد في قلبه فعلاً بالمقدار ما يكون ولاية لاهل البيت عليهم السلام هناك براءة من اعدائهم اذا لم تكن بنفس المستوى فينبغي ان يحاسب نفسه ويراقب نفسه ويجد الخلل اين في ذلك لان لها دور في ثبات الايمان ونلاحظ ان الكثير من اصحاب امير المؤمنين عليه السلام كانوا يحرصون على اظهار البراءة من الاعداء بالشكل الواضح والجلي وربما اذا تدبرنا نجد ان البراءة كانت من مميزاتهم من العلامات الواضحة لاولئك اصحاب امير المؤمنين عليهم السلام.
المحاور:رزقنا الله واياكم سماحة الشيخ ذلك وشكراً لكم، وشكراً لكم احباءنا وتفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا للتمسك بالله تعالى وبالنبي(ص) وبالمعصومين جميعاً انه ولي التوفيق.
*******