نحن الان مع زيارة الجامعة للأئمة عليهم السلام ونعني بها الجامعة الكبيرة تمييزاً لها عن زيارات خاصة اخرى بالائمة عليهم السلام، وقد حدثناك مستمعنا الكريم في لقاء سابق عن احد مقاطع الزيارة ونعني به المقطع الذي يرسم لنا معطيات التمسك بهم عليهم السلام ومن ذلك هذه العبارات: (أمن من لجأ اليكم، وسلم من صدقكم، وهدى من اعتصم بكم)، ان هذه العبارات الثلاث هي امتداد لعبارات متقدمة مثل (سعد من والاكم وهلك من عاداكم، وخاب من جحدكم) . ثم تواجهنا العبارات التي لاحظناها الان وهي أمن من لجأ اليكم، ويعنينا الان ان نلاحظ العبارات الثلاث المتقدمة وهي (أمن من لجأ اليكم - سلم من صدقكم - هدى من اعتصم بكم)، هنا نواجه عبارت متجانسة وقد تبدو متماثلة في دلالتها الذاهبة الى ان من التحق بموكب الائمة عليهم السلام فانه يأمن ويسلم ويهتدي، والسؤال الان هو ما هي النكات الكامنة وراء العبارات المتقدمة وهي ان من لجأ الى الائمة عليهم السلام يأمن مما يخافه ويسلم من ذلك، ويهدى الى ما يطمح اليه، هذا ما نتناوله بعد الاستماع الى ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي وهو يتحدث عن مراتب الامن الذي يهبونه عليهم السلام لمن يلجأ اليهم، لنستمع لهذا الاتصال الهاتفي الذي اجراه معه زميلنا:
المحاور: سماحة الشيخ فيما يرتبط بالامن الذي يهبه أئمة العترة النبوية الطاهرة اوصياء النبي الاكرم صلى الله عليه وعليهم للناس هل هو في مرتبة واحدة او من نوع واحد ام له مراتب واقسام تفضل؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك هناك مرتبة عامة تشمل الجميع البار والفاجر والكافر وغير الكافر وهو انه وجود اهل البيت أمن، وأن اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء.
المحاور: المعنى الذي تتضمنه الاحاديث لولا الحجة لساخت الارض باهلها؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم هو هذا المعنى وهكذا بالنسبة حينما تعبر بشكل خاص عن الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، هناك نص عنه: (اني امان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء) يعني هذا تعبير صادر من الناحية المقدسة، كما كان النبي(ص) هم الامتداد الطبيعي لرسول الله وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم هذا من جانب، الجانب الاخر حينما يقصد الانسان ويتوجه الى اهل البيت مرة يقصدهم في حياتهم الظاهرية وهم احياء ينزل في كنفهم بلا شك يأمن، اولاً يأمن الظلال لانهم يرشدونه الى الطريق المستقيم وهم اولاد النبي وذرية النبي وهم اعرف الناس بالقرآن هذا جانب والجانب الاخر حتى بعد حياتهم الظاهرية يعني بعد شهادتهم حينما يقصد قبورهم بلا شك كما هو واضح في زيارة الجامعة الكبيرة وأمن من لجأ اليكم، يعني الانسان الذي يلجأ الى اهل البيت من المخاوف والمخاطر ومن اي شيء هو يحمله في نفسه فأهل البيت عليهم السلام يأمنون هذا الانسان ما دام هو لم يخرج عن الجادة وعن الطاعة وعن الاشياء التي في الحقيقة نهو عنها اهل البيت، فنفس اللجوء الى اهل البيت وهذا لا يختص بالبشر فقط وانما حتى بالنسبة للبهائم لماذا لانه منكهف الورى "كهف الورى بمعنى كالكهف الحصين" كما ورد في الصلوات عن الامام زين العابدين في زوال كل يوم من شهر شعبان (اللهم صلى على محمد وآل محمد الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين)، فاذن الانسان الذي يلجأ لأهل البيت يكون آمن.
المحاور: اذا وسعنا المعنى قلنا مثلاً يأمن فكرياً اذا رجع الى علومهم يأمن روحياً الى رجع الى ادعيتهم.
الشيخ باقر الصادقي: اذا وسعنا المعنى فهو الامن بمختلف ابعاده ما يأتي معنى الامن من الناحية الروحية والفكرية والاجتماعية من اي ناحية يكون في الحقيقة انهم هم الامن وهم السلام.
المحاور: التأريخ يحدثنا بان الامام زين العابدين سلام الله عليه الذي ذكرتم قبل قليل اشرتم الى صلوات مروية لشهر شعبان المعظم في الواقع آوى مروان بن الحكم ومروان معروف بمواقفه تجاه اهل البيت عليهم السلام، ثلاثة اشهر آواه وامن بعد ثورة اهل المدينة؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم هو يفسره من خلال اكثر من معنى المعنى الاول اهل البيت عليهم السلام في الحقيقة مروتهم العفو عن من ظلمهم، ثانياً، ان اهل البيت عادتهم الاحسان للمسيء وحيف هذا التجأ الى الامام، الامام حينما التجأ اليه في الحقيقة الامام آواه وعكس اخلاقية الاسلام واخلاقية النبي صلى الله عليه وآله، واخلاق الله تبارك وتعالى عادتك الاحسان الى المسيئين وسبيلكم الابقاء وهكذا يقول الشاعر ملكنا فكان العفو منا سجية ولما ملكتم سال بالدم ابطع، الى آخر هذه المقطوعة التي تشير الى الاناء الذي ينضح لكل حسب محتواه اهل البيت مروءتهم العفو عمن ظلمهم حينما التجأ اليه آواه واكرمه واحسن اليه واعترفت عائلة مروان قالت لم نجد الاكرام في بيوتنا كالذي وجدناه في بيت الامام زين العابدين.
ان البشر اياً كان نم ثقافته او وعيه يتطلع الى اشباع حاجاته في مختلف ميادينها عبر تحقيق التوازن داخلياً أي الاطمئنان واليقين النفسي من جانب او عبر تحقيق المصير اخروياً، فاننا سنرى كيف ان الزيارة التي نحدثكم عنها تضطلع في هذا المقطع وما بعده بتيين ما اشرنا اليه من تحقيق للتوازن الداخلي وتبشير بالمصير الاخروي.
اذن لنلاحظ هذه الظواهر ان العبارة الاولى من المقطع ونعني بها عبارة (أمن من لجأ اليكم) تجسد لنا دلالة هي ان الشخصية البشرية تتطلع الى تحقيق اهم حاجاتها وهي (الامن) او ما يطلق عليه في مصطلح علم النفس "الحاجة الامنية" لان الشخصية لو اضطربت حياتها وهو ما يفقدها الاستقرار حينئذ لا تحس حتى بالحاجة الى الحياة نظراً لان الحياة اذا لم يتحقق الامن فيها فانها تفقد دلالتها كما هو واضح من هنا فان الزيارة حينما تقول بان من يلجأ الى الائمة عليهم السلام يبقى "آمناً" انما تبشر الشخصية بتحقق الحاجة الامنية لديها يستوي ذلك ان يكون الامن دنيوياً او اخروياً.
واذا تركنا الحاجة الامنية بعامة واتجهنا الى مصاديقها الكثيرة، لاحظنا ان السلامة من الاذى دنيوياً كان الاذى اخروياً تظل واحدة من اهم الحاجات البشرية بطبيعة الحال، ولذلك جاءت العبارة القائلة: (وسلم من صدقكم) بصفة ان التصديق هو الايمان بالمبادئ التي رسمها الائمة عليهم السلام وهي مبادئ رسمها النبي(ص) وامرنا ان نتمسك بها من خلال الائمة عليهم السلام وهذا يعني ان تسلم الشخصية من التبعات المترتبة على خلاف ذلك أي الابتعاد عن الخط المذكور.
ونتجه بعد ذلك الى العبارة الثالثة وهي "وهدى من اعتصم بكم" وهذه العبارة هي تتويج لما تقدم حيث ان المطلوب اولاً واخيراً هو ان تهتدي الشخصية الى ما امر الله تعالى بذلك، وهذا يتحقق بالايمان بالائمة عليهم السلام من خلال الاعتصام بهم وهنا يجدر بنا ان نشير الى ان عبارة "هدي من اعتصم بكم" تتضمن استعارة هي ان الاعتصام معناه، المنعة فيكون المعنى ان من التجأ الى حصن يمتنع وصول الاذى اليه انما يتحقق ذلك من خلال اعتصام الشخصية بالائمة عليهم السلام فتصبح الشخصية مهتدية والعكس هو الصحيح ايضاً أي ان من لم يعتصم بهم عليهم السلام لا يهتدي الى طريق الحق الذي اوصانا الله تعالى به.
اذن ادركنا دلالة ما تضمنته العبارات المتقدمة من النكات وهذا ما يقتادنا الى التوسل بالله تعالى، بان يوفقنا للتمسك بالائمة عليهم السلام انه ولي التوفيق.
*******