لا نزال نحدثك عن زيارة الجامعة وهي ما يطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة حيث خصصت لزيارة الائمة عليهم السلام ببلاغة فائقة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (من اتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه) الى ان يقول: (اشهد ان هذا سابق لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقى، واشهد ان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت)، هذا المقطع من الزيارة يعقب لما تلاحظ على الموالين للائمة عليهم السلام قبالة المعادين لهم، حيث يستمد مقطع سابق من الزيارة للمواقع الاخروية للموالين والمعادين وعقب قائلاً: (اشهد ان هذا سابق لكم فيما مضى، وجار لكم فيما بقى)، والسؤال الان هو ماذا نستلهم من العبارات السابقة؟
ان قارئ الزيارة يستلهم لما تقدم جملة دلالات منها ان مسألة الموالاة للائمة عليهم السلام والمعاداة لهم وما يترتب على الاثر الاخروي من هذا أي الجنة او النار هذه المسألة من الاهمية بمكان كبير والمقطع يشير الى ان هذا الترتيب على اثر الموالاة او المعاداة يظل مبدأ لا محيد عنه سواءاً كان الامر متصلاً بزمن ظهور المعصومين عليهم السلام او بزمن الغيبة، او ماضي العصور او حاضرها او مستقبلها فان المبدأ الذي رسمه الله تعالى للموالين والمعادين لا ترديد فيه ولعل السؤال الجديد هو لماذا هذا التأكيد على المبدأ المذكور؟
لا نحتاج الى تأمل كبير حتى ندرك سريعاً بان مسألة موالاة الائمة ومعاداتهم ليست مجرد ممارسة مندوبة او مكروهة بقدر ما هي مرتبطة بخلافة البشر في الارض ان الله تعالى عندما اوكل الى البشر مهمة الخلافة في الارض انما رسم لهم مبادئ الخلافة متمثلة في رسالات الانبياء واخيراً في رسالة النبي(ص) خاتم الانبياء ورسالاتهم لذلك فان الالتزام برسالة الاسلام تفرض على الشخصية تطبيق ما يقوله الله تعالى ورسوله(ص) وهذا يتمثل في التوصيات الواردة عن الله تعالى ورسوله بخلافة الائمة عليهم السلام، من هنا فان الائمة عليهم السلام هم الامتداد للنبي(ص) وحينئذ فان الموالي والملتزم بمبادئهم يعتبر ملتزماً بالله تعالى ورسوله والعكس هو الصحيح.
*******
اذن الموقف خطير كل الخطورة لانه يرتبط اساساً بخلافة البشر في الارض وانعكاساتها على حياة الاخرة اما عن ابعاد خلافتهم عليهم السلام لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذا ما يبينه ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه زميلنا.
المحاور: سماحة الشيخ سؤالنا لهذه الحلقة هو عن خلافة ائمة العترة النبوية الطاهرة للنبي الاكرم(ص) في اي شيء استخلفهم صلوات الله عليه وآله؟
الشيخ باقر الصادقي: من ناحية خلافة الائمة الى الرسول(ص) في المقام الذي كان هو فيه كما ان النبي كان اولى بالمؤمنين من انفسهم فهم ورثوا هذا المكان يعني مقام الولاية وهذه الولاية بما تحتوي من مضامينها من تصرف في اموال الناس في حقوق الفقراء في امور الدولة وقيامها وكل شيء ما يرتبط برعاية الناس وتدبير شؤونهم من قبل الله عز وجل، كما ان النبي خليفة الله فالامام المعصوم هو خليفة الله فمن ناحية العلم ومن ناحية الفضائل من ناحية الكرامات التي كان يتمتع بها النبي(ص) فورثوا وراثة كاملة وخلافة كاملة، يقول الامام الصادق عليه السلام في حديث: قد ورثنا رسول الله صلى الله عليه وآله في كل شيء ما خلا النبوة والازواج باعتبار ان النبوة ختمت به وكذلك من ناحية حكم الازواج هو حكم خاص، فالامور الاخرى التي كان يتمتع فيها النبي صلى الله عليه وآله بلا شك هي مقام طبيعي وحق جعله الله لاهل البيت عليهم السلام وكذلك وهم اولو الامر كما في روايات كثيرة في تطبيق هذه الآية «يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم».
المحاور: عدم استلام ائمة اهل البيت عليهم السلام لمقاليد حكم المسلمين هل يؤثر ذلك على خلافتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله؟
الشيخ باقر الصادقي: يؤثر عدم اسلامهم بالقهر والغلبة وبحكم الجور والطواغيت لا يزعزعهم عن المكان الذي جعلهم الله فيه والمراتب التي رتبهم الله فيها.
المحاور: يعني هناك ابعاد اخرى من خلافتهم للرسول الاكرم صلى الله عليه وآله تبقى على حالها وعلى قوتها رغم عدم استلامهم لمقاليد الحكم للخلافة السياسية ان صح التعبير؟
الشيخ باقر الصادقي: بالواقع الحقيقي الخلافة السياسية هي لهم صلوات الله وسلامه عليهم وان كان نحو عن هذا المقام او الامة تخلفت عن دورها الاساسي في الرجوع الى اهل البيت عليهم السلام اما من ناحية التقية او ظلم الطغاة كما مر الظرف بامير المؤمنين فترة من الزمن خمس وعشرين عاماً وهو جليس داره وهو يعرف ان الحق له.
المحاور: خلال هذه الفترة هل كان امير المؤمنين سلام الله عليه يمارس بعض ابعاد خلافة الرسول الاكرم(ص)؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم كانوا يرجعون اليه في كثير من الامور في الفتاوى في القضاء في بعض الامور كما انه في زمن الامام زين العابدين مثلاً الامام الباقر عليه السلام كل امام بعض الاحيان تمر ظروف صعبة على الخليفة الاموي او الخليفة العباسي فكان يلجأ الى الامام آنذاك في وقته، مثلاً قضية ملك الروم حينما اراد ان يقهر المسلمين والخليفة آنذاك الاموي احتار ماذا يصنع فكتب للامام والامام اعطاه الحل.
المحاور: لو لا الحجة لساخت الارض باهلها امثال هذه الاحاديث التي تفيد بان هنالك ادوار اللهية خاصة للائمة سلام الله عليهم اوسع من الخلافة السياسية؟
الشيخ باقر الصادقي: من الناحية الجوهرية نحن نؤمن ان الارض لو خليت من الحجة لا يمكن ان تبقى لساخت، هذه من الناحية العقائدية والفكرية انه لابد من ممثل لله عز وجل خليفة لله عز وجل يعني بتعبير آخر الانسان الكامل الذي هو الانسان المعصوم الذي اصطفاه الله واختاره لابد ان يكون موجود في عالم التكوين والا امور كثيرة تترتب على هذه القضية.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان الى الشطر الاخر من مقطع الزيارة حيث كان الاول من ما حدثناك عنه الان وهو ان خلافة الانسان عبر رسالة محمد(ص) تفرض على البشر الالتزام بمبادئ الله تعالى ورسوله(ص) والائمة عليهم السلام واما الشطر الاخر فيمثل في العبارة الاتية (واشهد ان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة)، هذه العبارات بدورها تحتاج الى القاء الانارة عليها حيث انها في الواقع تفسير للتعقيب الذي لاحظناه قبل قليل وذلك لان الامر بالالتزام بمبادئ الائمة عليهم السلام ليس امراً عادياً لان النبي(ص) وخلفاءه عليهم السلام اهل للاضطلاع بمسؤولية التبليغ لمبادئ الله تعالى وهم لابد وان يكونوا النخبة او الصفوة البشرية وهذا ما عبر عنه النص المتقدم ونعني به ان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، بمعنى ان اصطفاء الله تعالى للنبي وخلفائه ينبع من الحقيقة الواحدة او الثابتة وهي اهلية المعصومين عليهم السلام لاداء المهمة وهو امر حدثتنا النصوص المتنوعة عنه حتى ثبت لنا الاسباب الكامنة وراء اصطفاء الله تعالى للنبي(ص) والائمة عليهم السلام للمهمة المشار اليها كيف ذلك؟
النص يقول ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة ترى ماذا نستلهم من ذلك؟ نعتقد ان الاجابة عن السؤال المتقدم تحتاج الى تفصيل نحدثكم عن ذلك ان شاء الله تعالى في لقاء لاحق وحتى ذلك الحين نستودعكم الله تعالى ونسأله التوفيق لموالاة النبي(ص) والائمة عليهم السلام انه ولي التوفيق.
*******