لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة وهي ما يطلق عليها (الجامعة الكبيرة) حيث انشأها الامام علي الهادي(ع) استجابة لطلب احد الاصحاب بان ينشئ كلاماً بليغاً بالنسبة الى زيارة الائمة عليهم السلام وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (من اعتصم بكم فقد اعتصم بالله، انتم الصراط الاقوم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار البقاء، والرحمة الموصولة).
هذا المقطع من الزيارة ينطوي على نكات متنوعة فضلاً عن بلاغته وايقاعاته المتناغمة مع دلالاته وهو امر نبدأ بالقاء الاضاءة عليه.
العبارة الاولى من المقطع هي (من اعتصم بكم فقد اعتصم بالله) ودلالاتها تتضح خاصة عندما نتدبر ما سبقها من التلويح بان من والاهم فقد والى الله تعالى ومن عاداهم فقد عادى الله تعالى ومن احبهم فقد احب الله ومن ابغضهم فقد ابغض الله تعالى، نقول من الطبيعي جداً ان تقود الموالاة لهم ومحبتهم المرتبطة بموالاة الله ومحبته ان تقود الموالاة والمحبة لله تعالى الى نتيجة هي ان من يعتصم بهم فقد اعتصم بالله تعالى فما هو سر ذلك؟
السر هو اذا كانت متابعتهم في ما يأمرون به هو متابعة وموالاة لله تعالى ومن ثم فان نتيجة ذلك هو محبتهم عندئذ يكون الاعتصام بهم وهو التمسك بهم او اللجوء اليهم او التحصن بهم بصفة ان الاعتصام مأخوذ من المنعة او المناعة التي تمنع من وصول الشر الى ساحتهم.
اذن اللجوء اليهم في النجاة من شر الدنيا والآخرة يكون اعتصاماً بالله تعالى وهل ثمة امان اكثر من الاعتصام بالله تعالى.
مزيد من التوضيح لهذه الفقرة اعزاءنا نسعى له من خلال التعرف على بعض مصاديق الاعتصام العملية بهم وذلك في اللقاء الهاتفي الذي اجراه زميلنا مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي:
المحاور: السلام عليكم سماحة الشيخ باقر الصادقي ورحمة الله وبركاته، اهلاً ومرحباً بكم؟
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته واهلاً ومرحباً بكم.
المحاور: سماحة الشيخ في هذه الحلقة من شرح الزيارة الجامعة الحديث عن الاعتصام بأئمة اهل البيت عليهم السلام الذي هو اعتصام بالله كما تنص على ذلك هذه الزيارة المباركة حبذا لو تعرفونا والمستمعين الافاضل ببعض المصاديق العملية لتحقق الاعتصام بهم عليهم السلام؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك النصوص الواردة عن اهل البيت عليهم السلام توجهنا فضلاً عن هذه الزيارة الجامعة الكبيرة هناك نصوص اخرى تؤكد على هذا المطلب وعلى هذا الجانب وهو ان الاعتصام باهل البيت هو نوع من الاعتصام بالله تعالى وان الاعتصام بهم يعني الاعتصام بالله انا اتذكر هناك قولاً او رد عن الامام الحسن العسكري اجاب عن احد اصحابه لعل اسمه محمد بن الحسن هذا محمد بن الحسن يقول مرت بي ظرف ظائقة فكتبت الى الامام الحسن اسأله ثم تذكرت ان الامام الصادق عليه السلام روي عن الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا والموت معنا خير من الحياة مع عدونا، الامام عليه السلام كتب له في الجواب على الكتاب وكان من جملة ما كتب له (نحن نور لمن استبصر بنا وعصمة هذا موضع الشاهد هنا لمن اعتصم بنا ونحن كهف لمن التجئ الينا من احبنا كان معنا في السنام الاعلى ومن انحرف عنا فالى النار)، ثم كتب له الامام سلام الله عليه كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا لان الفقر مع سيرة اهل البيت وان كان الى جانب اهل البيت مع العز ومع حفظ الدين وحفظ المعتقد والكل مع الله عز وجل واولياءه بخلاف الغنى مع الاعداء سيكون انسلاخ من الدين وانسلاخ من القيم والعقائد.
المحاور: هل يمكن القول بان الاعتصام بهم عليهم السلام ينقل المؤمن الى مرتبة من العصمة سواء كانت العصمة من المخاطر التي يكون في حصن يعصمه من المخاطر ومن المعاصي من الذنوب؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك هذه من جملة الامور التي توجد حتى في الادعية (امسيت اللهم واصبحت اللهم معتصماً بزمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول من شر كل غاشم وطارق) الى ان يقول ولاء اهل بيت نبيك يعني هذا الدعاء الذي هو نوع من الاعتصام بالله يعرفه ماهو ولاء اهل بيت نبيك محتجباً من كل قاصدٍ لي باذية بجدار حصين الاخلاص بالاعتراف بحقهم والتمسك بهم فان الاعتراف بحق اهل البيت والتمسك باهل البيت يقي الانسان من المخاوف ومن المخاطر ومن الزلل ومن الانحراف وبلا شك حتى من المخاطر الدنيوية وهناك نص للامام الهادي عليه السلام يقول فيه ان لك بولايتنا نوع من الحرز والامان لو سرت فيها في الصحاري وفي البراري او قطعت بها الجبال لآمنك الله عز وجل، هناك نص بهذا المضمون عن الامام الهادي عليه السلام وهناك نصوص اخرى تفيد هذا الجانب بلا شك كذلك يقي بخطهم بوصاياهم يقي الانسان من الوقوع في الهلكة في الذنب وفي الامور التي تخالف الجادة او الشريعة او الاسلام.
*******
نتابع مستمعينا الاكارم تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان ونتجه الى الفقرة او العبارة الثانية وهي (انتم الصراط الاقوم) هنا نعتزم الاشارة الى ان بعض النسخ من هذه الزيارة ورد فيها (انتم السبيل الاعظم) وهي عبارة سبقت العبارة المتقدمة أي عبارة الصراط الاقوم وهو امر يقتادنا الى الحديث عن العبارتين فنقول ان عبارة السبيل الاعظم هي استعارة تعني الطريق الاعظم ومن ثم فان القارئ للزيارة يستطيع بسهولة ان يستخلص من ذلك بان الاعتصام بالائمة عليهم السلام حيث هو اعتصام بالله تعالى تبعاً لما لاحظناه في العبارة المتقدمة التي حدثناكم عنها قبل قليل، نقول يستطيع قارئ الزيارة ان يستخلص من عبارة انتم السبيل الاعظم معنى هو انتم الطريق الاعظم من سواه بالنسبة الى من اتخذه مسلكاً في حياته فسلكه في دنياه حتى يقتاده في اخراه الى النجاة.
واما عبارة انتم الصراط الاقوم فبدورها استعارة ترمز الى النجاة دنيوياً واخروياً وتتضمن دلالات غنية وطريفة منها ان الصراط من حيث دلالته اللغوية يختلف عن كلمة الطريق بكونه الطريق الواضح والواسع ايضاً فيكون اوسع دلالة من الطريق هذا من جانب ومن جانب آخر فان الصراط من حيث النصوص التفسيرية الواردة حياله يظل غنياً بدلالاته المتنوعة منها انه يرمز الى كتاب الله تعالى ومنها انه يرمز الى الاسلام ومنها انه يرمز الى دين الله تعالى فيما لا يقبل سواه ومنها ان النبي(ص) والائمة عليهم السلام بالاضافة الى انه يتداعى بذهن قارئ الزيارة الى اليوم الاخر من حيث عبور الصراط وهو موكول الى النبي والائمة عليهم السلام كما لاحظناه في فقرات متقدمة من هذه الزيارة وهذا ما يتسق مع ما نلاحظه من فقرات لاحقة ايضاً مثل وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء.
ولسوف نحدثك عن هذه الفقرتين في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى اما الان فحسبنا ان نشير الى هذا الرمز الثري وهو الصراط الاقوم أي الصراط المستقيم او الاكثر استقامة حيث يرمز الى ما هو اشد نجاة في الدنيا والاخرة لمن يتمسك بالنبي(ص) والائمة عليهم السلام. ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا من المتمسكين بهم انه ولي التوفيق.
*******