لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة ونعني بها ما يطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة وهي الزيارة التي انشأها الامام علي الهادي(ع)استجابة لطلب احدهم بصياغة زيارة للائمة عليهم السلام، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة من الزيارة المذكورة في لقاءات سابقة، وانتهينا من ذلك الى قسم يعرض عشرات السمات المرتبطة بواقع الائمة عليهم السلام وبجهادهم وبموقعهم دنيوياً وآخروياً مثل قوله(ع) (واياب الخلق اليكم، وحسابهم عليكم) ثم يقول: (وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم، وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وامره اليكم). هذه الشريحة من الزيارة نبدأ بالقاء الانارة عليها بعد ان نستمع للحوار التالي الذي اجراه زميلنا مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي عن علاقة الائمة عليهم السلام بالقرآن الكريم:
المحاور: سماحة الشيخ بالنسبة لقضية علاقة ائمة اهل البيت عليهم السلام بالثقلين وما يعبر عنه فيما يرتبط بمقاماتهم خاصة وان موضوع هذه الحلقة له ارتباط بهذا الجانب من مقامات ائمة اهل البيت عليهم السلام؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، المتتبع لسيرة اهل البيت عليهم السلام يجد ان هذه النقطة وهي التزام اهل البيت عليهم السلام بكتاب الله يعني من ناحية السلوك ومن ناحية الاقوال تأكيد اهل البيت عليهم السلام على الالتزام حتى ان الاجوبة التي حينما يجيبون على اسئلة في الغالب تكون منتزعة من القرآن الكريم وليس ذلك الا لانهم فعلاً عدل القرآن هذا كتاب الله الصامت وهم القرآن الناطق سألت امرأة عن خلق النبي قالت خلقهم القرآن وهكذا بالنسبة الى الائمة المعصومين عليهم السلام بل لهم علاقة قوية مع القرآن الكريم، حيث كان امامنا الرضا عليه السلام على سبيل المثال يأوي الى فراشه وهو يتلوا القرآن وكان يختمه في كل ثلاث ايام مرة وكان يكون لو كنت ان اختمه في اقل لختمته وهذا بالنسبة الى امير المؤمنين صلوات الله عليه، الله الله في القرآن لا يسبقكم الى العمل به غيركم.
امامنا الحسين عليه السلام في آخر ليلة من عمره حينما استمهل القوم قال استمهلهم سواد هذه الليلة فاني احب الصلاة وتلاوة القرآن، فأذن من خلال السلوك العملي لاهل البيت من خلال الاجوبة حينما يسألون تكون منتزعة من القرآن ووصاياهم وصايا القرآن الكريم في التقوى وفي فعل الخير بالاحسان والى ما شئت فعبر، في الحقيقة هذا كله يدل على انهم نسيج مترابط لا يمكن ان ينفك احدهما عن الاخر يعني حتى ان الامام الحسين وهو على الرمح رأس مقطوع لكن لم يفارق القرآن كان يتلو القرآن «ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً»، فاذن لذلك امرنا بالتمسك بالكتاب والعترة.
المحاور: يعني ملازمة فهل تتحقق الملازمة بالتمسك باحدهما فقط؟
الشيخ باقر الصادقي: لا يكفي يعني حسبنا كتاب الله كما نقل عن البعض هذا في الحقيقة هذا انحراف وانما النبي(ص) خلف قالاني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما، ولذلك نحن عملاً في ليلة القدر هي من اشرف الليالي في السنة نعم نضع القرآن على رؤوسنا ونلهج باسماء اهل البيت وهذا كأنما نوع من التربية والتعليم العملي على ان نحن نعمل بوصية النبي(ص) وهو الالتزام بالقرآن والتمسك بالعترة الطاهرة.
المحاور: سماحة الشيخ في البداية اشرتم في الحديث الى اهتمام قضية اهل البيت عليهم السلام بالحث على التمسك بالقرآن وسيرتهم العملية شاهدة على ذلك، طيب هذا بالنسبة من هذا الجانب بالنسبة للقرآن الكريم هل حثنا على التمسك باهل البيت عليهم السلام؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم في موارد كثيرة اشار الى اهل البيت من جملة الموارد هذه مثلاً فأسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون، فامرنا بالرجوع الى اهل البيت والذكر كما في رواية الامام الرضا عليه السلام حينما سئل عن هذه الآية قال الذكر رسول الله ونحن اهله ولا يعني ذلك انه القرآن، انه عبر القرآن بالذكر انا نحن نزلنا الذكر لكن حقيقة النبي وخلق النبي هو القرآن فكان ممكن ان نعبر كذلك بان نرى القرآن يدعونا الى اهل البيت انما يريد ويشير الى اهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً. فالقرآن يشير الى طهارة اهل البيت ويشير الى مقام اهل البيت ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران وآل ابراهيم هنا بالحقيقة هم آل محمد كما في النصوص.
المحاور: عموم الآيات التي يبحثها العلماء في مباحث الامامة هي في الحقيقة تعبر سماحة الشيخ عن دعوة قرآنية للتمسك بأهل البيت.
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك والسلام الوحيد على آل ياسين.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان بالاشارة الى ان من الحقائق الواضحة في ميدان النصوص الاسلامية سواءاً كانت نصوصاً قرآنية كريمة ام نصوصاً للمعصومين عليهم السلام فان قسماً منها يتسم بما هو واضح ومباشر وظهر من العبارة وحيناً آخر نجد ان قسماً منها يطفح بما هو باطن ومجازي بحيث يرشح بتعدد الدلالات وهو تعدد قد يتفضل المعصومين عليهم السلام بالانابة عن رموزه وقد يتركون ذلك الى متلقى النص يستخلص منها ويستلهم منها ما يتوافق مع الحقائق العامة او الحقائق المعرفية لدى المتلقى وفي ضوء هذه الحقيقة البلاغية يمكننا ان نشير الى ان الفقرات المتقدمة ترشح بما ذكرناه من امكانية ان يفيد متلقي النص بما يستخلصه من امكانات الدلالة وهذا ما نحاول الاشارة اليه الان.
تواجهنا فقرة وفصل الخطاب عندكم وهذه العبارة وردت في النص القرآني الكريم حيث اشار المعنيون بالتفسير الى ان المقصود او المستخلص من الفقرة المذكورة فصل الخطاب هو العلم بحيثيات القضاء بين الخصوم مثلاً او مطلق ما يتطلبه موقف ما من قضية ما ونعتقد ان هذا الاستخلاص وسواه يظل مؤشراً الى ان الائمة عليهم السلام قد عهد النبي(ص) اليهم معرفة هذه الشؤون في مختلف المواقف.
واذ نتجه الى الفقرة بعدها وهي: (وآيات الله لديكم) نجد ان هذه الفقرة ترشح بجملة استخلاصات قابلة للتسليم بها من نحو الاشارة الى البراهين مثلاً او الى ما يحملونه من المعرفة العبادية العامة التي خص الله تعالى بها الاصفياء من خلقه سواء كانوا انبياء او ائمة حيث يحيطون بها علماً.
ونواجه فقرة جديدة هي: (وعزائمه فيكم) ولعل هذه العبارة تظل مرشحة بجملة دلالات تفرضها طبيعة ما يستخلصه قارئ الزيارة من لفظة العزائم انها عبارة اشارت النصوص مثلاً من خلالها الى انبياء متميزين بطابع اولي العزم واشارت اخرى الى ما يتصل بالاحكام من حيث تقيمها الى ما هو عزيمة او رخصة واشارت الى دلالتها اللغوية التي تعني العزم بمعنى الحجة او التصميم او الحكم على ما تتطلبه مهمات التبليغ لمبادئ الله تعالى الى الاخرين وهكذا.
ثم نواجه عبارة (ونوره وبرهانه عندكم) وهذه العبارة مزدوجة أي تتضمن الاشارة الى ظاهرتين في آن واحد هما: النور والبرهان ولعل قارئ الزيارة يستطيع الاستلهام من ذلك الى ان كلاً من ظاهرتي النور والبرهان يصب في معنى متجانس فالنور هو رمز ورد في القرآن وفي الحديث بحيث يستخلص منه الايمان والخير والاسلام والمعرفة فالنور من الله تعالى من حيث معرفته به وتجسيده دلالاته الرمزية من ايمان وخير فتحقق في شخصيات الائمة عليهم السلام او هو عندهم من حيث المعرفة به والتجسيد له.
والامر كذلك بالنسبة الى كلمة البرهان حيث ان البرهان يعني الدليل الى الله تعالى فمادام الله تعالى قد اودع فيهم المعرفة للنور معرفة الله تعالى حينئذ اودع ايضاً الدليل الى ذلك بواسطتهم كما هو واضح.
اخيراً نواجه عبارة وامره اليكم وهي عبارة تلخص نتائج ما سبقها من امور تتصل بفصل الخطاب والآيات والعزائم والنور والبرهان حيث ان المعرفة الحقة لعظمة الله تعالى وممارسة المهمة العبادية بنحوها المطلوب، تظل موكولة اليهم بصفة ان الله تعالى اوكل هذه الامور الى النبي(ص) والنبي(ص) بدوره اوصل المهمة المذكورة اليهم ليمارسوا الدور العبادي أي توصيل مبادئ الله تعالى الى الاخرين من خلالهم كما هو واضح.
اذن امكننا ولو عابراً ان نقف بهذا المقطع المذكور سائلين الله تعالى ان يلهمنا معرفة مبادئه والتمسك بكتابه وبعزمه انه ولي التوفيق.
*******