لا نزال نحدثك عن زيارة الجامعة، وهي ما يطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة تمييزاً لها عن الزيارات الاخرى، حيث تختص جميعاً بزيارة الائمة عليهم السلام وقد حدثناك في لقاءات سابقة عن الزيارة الكبيرة، وانتهينا من ذلك الى مقطع يقدم مجموعة سمات متتابعة يبلغ عددها العشرات من السمات المحددة لعلاقة الائمة عليهم السلام بالله تعالى وبتبليغهم مبادئ الله تعالى ومن ذلك هذه الفقرات وبذلتم انفسكم في مرضاته وصبرتم على ما اصابكم في جنبه واقمتم الصلاة واتيتم الزكاة، هذه الفقرات من الزيارة تتحدث اولاها عن جهاد الائمة عليهم السلام فتقول وبذلتم انفسكم في مرضاته هنا يحسن بنا ان نحدثك عن هذه الفقرة مع وضوحها ولكن بعد ان نستوضح من ضيف البرنامج حديث ما منا الا مسموم او مقتول، المروي عنهم سلام الله عليهم نستمع معاً لهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ حسان سويدان ...
المحاور: السلام عليكم سماحة الشيخ حسان سويدان ورحمة الله وبركاته؟
الشيخ حسان سويدان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ وبذلتم انفسكم في مرضات الله وهذه من العبارات الاساسية في الزيارة الجامعة وفي كثير من زيارات ائمة اهل البيت سلام الله عليهم وكذلك سيدهم وهو سيد الخلائق اجمعين النبي الاعظم(ص) ما هي دلالات هذه العبارة واحاديث اخرى من قبيل ما منّا الا مسموم او مقتول؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين لا شك ولا ريب ان ائمة اهل البيت عليهم السلام قد بذلوا لمرضات الله سبحانه وتعالى طبعاً بذل النفس اول ما يتبادر منه هو القتل الاستشهاد في المعنى القتل في سبيل الله لكن لاتظهر على الاقل من هذه العبارة هذا المعنى بمجرده بل المقصود هو انهم عليهم السلام في كل حياتهم في كل حركاتهم وسكناتهم استعملوا هذه النفس التي اعطاهم الله سبحانه وتعالى اليهم في مرضات الله سبحانه وتعالى طبعاً الانسان المبلغ الحقيقي لله سبحانه وتعالى ليكون مستعداً في كل لحظة لكي يضحي كما حصل مع الامام الحسين عليه السلام او كما حصل مع امير المؤمنين فكان يقذف نفسه في لهواتها دائماً عندما ينزل الى الساحة والى الميدان في الحروب الكثيرة لكن لو فهمنا هذه العبارة في ظل انهم بذلوا انفسهم حين الاستشهاد هذا يعني ان بذل النفس كان في وقت واحد وهو ما كان حين خاتمة حياتهم عليهم السلام والحال ان ظاهر هذه العبارة انهم في كل حياتهم كانوا باذلين لانفسهم في مرضات الله سبحانه وتعالى يعني في وعظهم في ارشادهم في قيامهم في جلوسهم في حركاتهم في سكناتهم يعني هم نذروا كما يقال الان فلان نذر نفسه لله سبحانه وتعالى كان حقاً يوجد مصداق للانسان الذي نذر نفسه لله سبحانه وتعالى ويوجد جزماً فهم عليهم السلام هم الذين يصدق عليهم انهم بذلوا انفسهم بالمعنى الصحيح للكلمة من اول يوم في حياتهم الى آخر يوم عندما ارتحلوا عن دار الفناء بذلوا انفسهم في مرضات الله سبحانه وتعالى من المصاديق لهذا البذل للنفس في مرضات الله سبحانه وتعالى ان يكون الانسان مستعداً ليقدم جسده في سبيل الله وهذا اعلى درجات التضحية لان اغلى ما يملكه الانسان في هذه الحياة الدنيا هو هذا سيرة ائتمنا عليهم السلام من اولهم الى آخرهم تدلل بوضوح انهم كانوا دائماً حاضرين لافناء الغالي والنفيس فضلاً عن غيره في سبيل الله سبحانه وتعالى سيرة امير المؤمنين علي عليه السلام سيرة الامام الحسن سيرة الامام الحسين الى بقيتهم هنا ينفتح مع شرط اليه في ذيل السؤال الحديث عن ما منّا الا مسموم او مقتول هذه الرواية وردت في بعض المصادر لعل اقدم رواية مروية في ما يرتبط في هذا المجال حديث طويل نسبياً موجود في كفاية الاثر للشيخ الخزاز القمي في النصوص عن الائمة عليهم السلام عن الامام الحسن عليه السلام عندما صعد المنبر بعد استشهاد ابيه حديث طويل ينته الى قوله لقد حدثني حبيبي جدي رسول الله(ص) ان الامر يملكه اثنى عشر اماماً من اهل بيته وصفوته ما منا الا مقتول او مسموم، طبعاً الى اخر الحديث هذا محل الشاهد في الرواية يعتقد اكثر علمائنا والرؤية المعروفة ان شيعة اهل البيت علهيم السلام ان جميع الائمة عليهم السلام طبعاً باستثناء الحجة(عج) ارتحلوا عن هذه الدنيا بالاستشهاد بمعنى القتل في سبيل الله اما في ساحة الوغى او بالاغتيال كما حصل مع علي عليه السلام واما بالغيلة عبر السم كما هو مسلم فيما يرتبط بالامام الرضا والامام الحسن والامام الكاظم بقية ائمتنا لم يثبت بشكل قطعي هذا الامر بالنسبة لهم الا انه توجد بعض الشواهد تثبت على انهم ارتحلوا عن هذه الدنيا على هذا الاساس يستأنس لهذا بارتحالهم وهم صغار السن مع عدم معروفية ان احداً منهم عليهم السلام كان يعاني من مرض خاص مع مؤشرات من الاقامة الجبرية كما في الامامين الهادي والعسكري عليهم السلام واسباب اخرى لا يسع المجال للتعرض لها مفصلاً.
*******
نعود لنتابع معكم هذا البرنامج، ان بذل الائمة عليهم السلام انفسهم في مرضاته تعالى يظل من الوضوح بمكان فالامام علي(ع)والامام الحسين(ع) قد استشهدا بالسيف كما هو واضح والامام الحسن(ع) استشهد مسموماً وهكذا سائر الائمة عليهم السلام حيث ورد حديثاً عنهم عليهم السلام انه ما من واحد منهم الا مقتول او مسموم كما ان بعضهم شهد السجن كالامام الكاظم(ع) ومن البين ان استشهادهم لم يكن الا من اجل توصيلهم لمبادئ الله تعالى الى الاخرين وتجيء شهادة الامام الحسين عليه السلام دليلاً بيناً على هذا المفهوم حيث انه(ع) صرح بان استشهاده هو في سبيل الله ومرضاته وهي الدفاع عن الاسلام الحق.
ونواجه فقرة جديدة من الزيارة تقول: (وصبرتم على ما اصابكم في جنبه) طبيعياً هذه العبارة تعبر عن دلالة اخرى من جهادهم عليهم السلام فالاستشهاد هو احد مصاديق جهادهم والصبر بدوره احد مصاديق ذلك، حيث نعرف جميعاً ان الارهاب الذي كان يمارسه الامويون والعباسيون والجواسيس الذين يرسلون لمراقبتهم ومراقبة المنتسبين اليهم، فضلاً عن استدعائهم من مدنهم الى مدن اخرى كالاستدعاء من المدينة المنورة الى العراق او الى ايران، وفضلاً عن السجن ـ كما اشرنا ـ والاقامة الجبرية اولئك جميعاً تجسيداً دلالات صابرة حيث ان الصبر نفسه يجسد اذىً نفسياً كبيراً حتى ان الامام علياً(ع) خاطب مرة من يتعامل واياهم بانهم ملئوا صدره قيحاً وهكذا. وثمة نكتة هنا نعتزم لفت النظر اليها وهي تتصل ببلاغة الزيارة في انتخابها للمفردات وللعبارات وللصور من حيث التوظيف الدلالي حيث لا حظنا في هذه الفقرة عبارة في جنبه أي انهم عليهم السلام صبروا على ما اصابهم في جنب الله تعالى بينما قالت الزيارة في الفقرة التي سبقتها انهم عليهم السلام بذلوا انفسهم في مرضاته وهنا نتساءل ما هو الفارق بين العبارة القائلة بان الائمة عليهم السلام استشهدوا في سبيل مرضاته والعبارة القائلة بانهم صبروا في جنبه، أي من جهته وناحيته هنا تكمن نكتة بلاغية يجدر بقارئ الزيارة ان ينتبه عليها وهي ان بذل النفس او الاستشهاد يتناسب تماماً وكسب رضاه تعالى انه ارضاء لله تعالى ولكن الصبر بدوره هو ارضاء لله تعالى ولكن الزيارة انتخبت دلالة خاصة تختلف عن سابقتها وهي انهم عليهم السلام صبروا في جنبه أي من ناحيته وجهته فما هي النكتة وراء ذلك؟ في تصورنا ان الفارق بين بذل النفس وبين الصبر هو ان بذل النفس يفضي الى الاستشهاد والرحيل من الدنيا ولكن الصبر يقترن بالبقاء في الساحة ولذلك انتخبت الزيارة عبارة جنبه للتعبير عن المكان عن الديمومة عن الاستمرارية في الحياة، حيث ان البقاء والاستمرارية ونحو ذلك تتناسب مع وجود المكان وهو الجهة او الناحية اللتان تعنيان معنى او دلالة الجنب ولهذا تتضح نكتة العبارة المذكورة حيث تفصح لنا عن مدى المعاناة التي يكابدها الائمة في استمرارية بقائهم في الحياة الدنيا لمواصلة جهادهم.
بعد ذلك نواجه عبارة تقول (واقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة)، وهذه العبارة التي تتضمن ظاهرتي الصلاة والزكاة تظل في الواقع رمزاً لما هو اهم المبادئ الاسلامية الكاشفة عن علاقة العبد بالله تعالى وعلاقته بالاخرين فاوضح علاقة بالله تعالى هي الصلاة لانها المواجهة المباشرة مع الله تعالى واوضح علاقة بالاخرين وتفقد شؤونهم وحاجاتهم هي انفاق المال او الطعام ونحوهما على الاخرين وبهذين الواجبين او الممارستين تتجلى العلاقة باعلى صورها مع الله تعالى ومع الاخرين.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات الكامنة وراء السمات المذكورة للائمة عليهم السلام سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى زيارتهم والى ممارسة الطاعة بعامة انه ولي التوفيق.
*******