لقد بدأت إسرائيل عمليات القتل الجماعي للفلسطينيين في قطاع غزة منذ سبعة عقود، وقد استمرت هذه التصرفات بشكل ثابت ومنتظم، وفي كل مرة كانت تحظى بدعم الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة.
وقد دعمت هذه الدول مرارا وتكرارا حروب إسرائيل الإجرامية ضد الفلسطينيين من خلال تكرار العبارة المبتذلة "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، وفي الوقت نفسه، أدى هذا الدفاع عن النفس إلى مقتل مدنيين وانتهاك واضح لحقوق الإنسان.
حدثت إحدى هذه الحالات في أغسطس 2022، وقتلت إسرائيل 49 فلسطينيا، من بينهم 17 طفلا، خلال ثلاثة أيام من الغارات الجوية على غزة. وكان رد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على هذه الفظائع، كما هو الحال دائماً، هو دعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" مع الإدانة لفترة وجيزة لقتل المدنيين الفلسطينيين، والتجاهل الفعلي لجرائم إسرائيل، لقد كانت هذه آخر مذبحة إسرائيلية كبرى في غزة قبل الحرب الحالية، لكنها بالتأكيد لم تكن الأولى.
لكي نفهم أعمال العنف هذه بشكل أفضل، يجب أن نعود إلى عام 1951؛ عندما شنت إسرائيل هجماتها الأولى على غزة. ومنذ نهاية عام 1947 وحتى صيف عام 1950، قامت إسرائيل بطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم في مناطق مختلفة من فلسطين، بما في ذلك غزة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1951، غزت إسرائيل غزة، وقتلت العشرات من الفلسطينيين والمصريين، ودمرت المنازل وفجرت الآبار لمنع محاولات الفلسطينيين العودة إلى ديارهم. وفي ذلك الوقت، بدلاً من دعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وصف المراقبون الدوليون عملية القتل بأنها "حالة مروعة من المذبحة المتعمدة".
ولم تقتصر هذه الجرائم على غزة، ففي أغسطس 1949، اعتقل الجنود الإسرائيليون لاجئين فلسطينيين؛ قتلوا الرجل، ثم تناوب 22 جنديًا على اغتصاب المرأة الفلسطينية وقتلوها في النهاية.
وفي مارس/ آذار 1950، اختطف جنود إسرائيليون فتاتين فلسطينيتين وصبيا من غزة؛ قتلوا الصبي واغتصبوا البنات ثم قتلوهن. واستمر العنف لسنوات وأدى إلى حالات اغتصاب عديدة لنساء فلسطينيات حاولن العودة إلى بيوتهن.
واستمراراً لهذه الجرائم، قتلت قوات الوحدة 101 من جيش الاحتلال عام 1953 ما لا يقل عن 20 فلسطينياً، بينهم نساء وأطفال، وذلك بإلقاء القنابل على أكواخ اللاجئين الفلسطينيين في مخيم البريج. وفي العام نفسه، قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي 70 مدنيًا فلسطينيًا في قرية القبيعة بالضفة الغربية. وحتى المنشورات المؤيدة لإسرائيل مثل صحيفة "ناشيونال جويش بوست" قارنت المذبحة بالفظائع النازية.
وفي عام 1955، هاجمت إسرائيل قاعدة عسكرية مصرية في غزة، مما أسفر عن مقتل 36 جنديًا مصريًا ومدنيين فلسطينيين. وبعد هذا الهجوم، انتفض سكان غزة ضد السلطات المصرية وطالبوا بالسلاح للدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الإسرائيلية، وأدت هذه المظالم في النهاية إلى تشكيل جماعات فلسطينية موالية قامت بعمليات عسكرية ضد إسرائيل في العام نفسه.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، قصفت إسرائيل مدينة خان يونس، مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص، ثم دخلت القوات البرية الإسرائيلية المدينة وأعدمت المقاومين. وفي مخيمات اللاجئين أيضاً، قاموا بجمع الرجال والصبيان الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً وقتلوهم بالرشاشات؛ واستشهد في هذه المجزرة ما بين 300 إلى 500 شخص، معظمهم من المدنيين ولاجئي عام 1948.
استمرت هذه العملية الإجرامية لعقود. وفي عام 1967، احتلت إسرائيل غزة مرة أخرى وطردت 75 ألف فلسطيني من المنطقة. وعلى مدى السنوات التالية، استولت إسرائيل على أكثر من 60% من الأراضي الفلسطينية وجميع موارد المياه لصالح المستوطنين اليهود، وأبقت غزة تحت احتلال عسكري عنصري حتى عام 2005. وبعد ذلك، أصبح قطاع غزة "معسكر اعتقال كبير"، ومنذ ذلك الحين، شنت إسرائيل غارات جوية مستمرة ضد المنطقة، مما أسفر عن استشهاد آلاف المدنيين.
واعتبارًا من 7 أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل مرة أخرى عمليات القتل الجماعي في غزة. حتى الآن، كان "النصر" الوحيد الذي حققته إسرائيل في هذه الحرب هو قتل عشرات الآلاف من المدنيين وتشريد أكثر من مليوني شخص. وبينما يواصل الفلسطينيون المقاومة على الرغم من نقص الأسلحة، لم ينجح الجيش الإسرائيلي إلا في تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس وغيرها من البنية التحتية الحيوية.
وفي هذه الأثناء، يستمر دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية الذي لا جدال فيه لإسرائيل. بل إن "جيك سوليفان"، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ذهب إلى أبعد من ذلك ووصف المقاومة الفلسطينية بأنها "عدو" الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يواصل جزء من المجتمع الدولي المتأثر بالغرب دعم إسرائيل والمطالبة بـ"الحق في الدفاع عن النفس"، بينما تتزايد جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني يوما بعد يوم.
المصدر : Parstoday