لا نزال مع الزيارة المتسمة بالاهمية الكبيرة، ونعني بها زيارة الجامعة للأئمة عليهم السلام بصفتها صياغة خاصة بعد ان طلب من الامام علي الهادي(ع) بان يقدم كلاماً بليغاً يزار به الأئمة عليهم السلام وقد مر بك ان الزيارة بدأت بهذه العبارة (السلام عليكم أهل بيت النبوة...)، ثم تبعتها عبارات متسلسلة من الاوصاف او السمات التي خلعها الامام(ع) على أهل البيت المذكورين من نحو انهم عليهم السلام (مهبط الوحي، معدن الرحمة، ساسة العباد ...)، الى ان يقول عنهم (ذوي النهى واولي الحجى وكهف الورى ...)، ان هذه السمات وسواها تتطلب مزيداً من التوضيح لها، حيث انها لم تكن عبارات مادحة جزافاً كما هو طابع البشر العاديين، بل عبارات واقعية تتناسب تماماً مع عصمتهم عليهم السلام.
المهم نبدأ فنحدثك عن سمتين متماثلتين في الظاهر ولكنهما في الآن ذاته متفاوتتان في الدلالة وهاتان السمتان هما: (ذوو النهى) و(اولو الحجى) ... فماذا تعنيان؟
تقول المصادر اللغوية ان "النهى" و"الحجى" وسواهما تعني معنى واحداً هو "العقل" أي انها كلمات مترادفة بنحو عام، ولكن لكل كلمة منها شعاع خاص تنفرد به دون الاخرى فمثلاً ورد في المصادر اللغوية ان كلمة "النهى" هي جمع لكلمة "النهية" فقالوا ان النهية هي "العقل" ولكن من خلال دلالة تختص بها وهي انها تنهى وعن القبيح وهذا يعني ان صفة ذوي النهوى تعني ذوي العقول التي تنهى عن ممارسة ما هو قبيح من السلوك.
وهذا فيما يصل بمفدرة "النهى" ولكن ماذا بالنسبة الى مفردة "الحجى"؟
قلنا النهى والحجى بمعنى واحد هو "العقل" ولكن كلمة "النهى" تعني العقل الذي ينهى عن ممارسة القبيح وليس مطلق العقل.
واما بالنسبة الى الحجى فان المصادر اللغوية تشير الى ان "الحجى" هو العقل ولكن ليس مطلق العقل بل العقل المتسم بـ"الفطنة" ولذلك يقال "حاجاه" أي: غالبه وانتصر عليه في فطنته...
اذن الحجى هو العقل ايضاً ولكن في جانب "الفطنة" واما النهى فهو العقل ايضاً ولكن من جانب يمنعها عن القبيح.
والسؤال الآن ماذا يستخلص قارئ الزيارة من هاتين الصفتين للأئمة عليهم السلام من انهم ذوو النهى، واولو الحجى؟ هذا ما نحاول القاء الانارة عليه ...
من البين ان الجوانب العقلية للشخصية او المهارات العقلية لها تضطلع بمختلف المعاملة الذهنية مع الظواهر فالفطنة او الذكاء مثلاً له اهميته الكبيرة من حيث رصده للعلاقات بين الاشياء المتضادة او رصده للعلاقات بين الاشياء المتماثلة فبواسطة هذا الادراك للعلاقات يستطيع العقل الوصول الى حقائق عميقة لم تتح لمن لا يملك ذكاء او فطنة ولذلك عرف علماء النفس الذكاء بانه القدرة على التجريد من جانب وادراك العلاقات المتضادة والمتماثلة من جانب آخر.
واما اذا انتقلنا الى الصفة الاخرى للعقل، وهي العقل من خلال عدم ممارسته لما هو قبيح من الاشياء حينئذ نجد ان هذه الصفة لها اهميتها ايضاً ولكن من زاوية اخرى فالانسان قد يخبر ما هو ايجابي من حقائق الحياة دون ان يدرك ما هو سلبي منها ... فمثلاً قد يدرك بان المساعدة للاخرين هو عمل ايجابي ولكنه لا يدرك بان الكذب او الغيبة او الغناء بانها ممارسات سلبية بل يخيل اليه بان الغناء مثلاً يحقق هدوءاً للاعصاب بينما العكس هو الصحيح كما اثبت ذلك الطب النفسي ...
اذن العقل من زاوية كونه ناهياً عن ممارسة القبيح يظل سمة لها اهميتها ايضاً ...
من هنا فان النص الذي نتحدث عنه أي الزيارة تخلع على الأئمة عليهم السلام ذوو النهى واولو الحجى تعني استقطابهم للعقل بجميع جوانبه ومنها العقل بمعنى الفطنة والعقل بمعنى النهي عن القبيح.
والسؤال الآن: ما هي النكات المستخلصة من هذا؟
واضح، ان الزيارة ترمي الى التوضيح بان الائمة عليهم السلام هم المالكون للفطنة وهم الناهون عن القبيح، او هم المجسدون لمبادئ الفطنة والمجسدون لما هو بعد ونهي عما هو قبيح فلو لم يكونوا كذلك فان الاختلال في السلوك يظل هو الطابع للمجتمعات.
اذن عندما يجسد الائمة عليهم السلام مبادئ الخير ويجسدون النهي عن الشر انما يستجمعون الفضيلة باعلى درجاتها وهذا هو المطلوب ما داموا عليهم السلام الانموذج الذي امرنا الله تعالى وامرنا النبي(ص) بان نتبعهم في سلوكنا العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ حسان سويدان اهلاً ومرحباً بكم:
الشيخ حسان سويدان: عليكم السلام ورحمة الله.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي تثار في قضية التعامل مع ائمة اهل البيت(ع) والتوسل بهم الى الله تعالى قضية بعض النصوص التي تذكر ان المتوسل يقسم على الله سبحانه وتعالى بحقهم عليه فما المقصود بذلك؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، في الحقيقة المطالع لنصوص الادعية المنسوبة لائمة اهل البيت(ع) يلاحظ انه ورد فيها نمطان من ذكر حقهم في مقام الدعاء النمط الاول هو ان نسأل الله سبحانه وتعالى بحقهم مطلقاً لا نقول بحقهم عليك هذا نمط، هذا النمط في تقديري يمكن ان يقال في حقه ان الله سبحانه وتعالى جعل لهؤلاء حقوقاً من حقهم ومن ابرز حقهم هو المنصب الالهي الذي شهد لهم الامامة مثلاً للامام علي(ع) حق له جعله الله سبحانه وتعالى حق له على الناس على البشرية وهذا ليس فقط في الادعية هذا النمط وارد ايضاً في الزيارات وفي الحث على الزيارة من زاره عارفاً بحقه حق الموالاة حق المودة قل لا اسئلكم عليه اجراً الا المودة في القربىهذا النمط وارد وبشكل معتد به في الادعية والزيارات فيكون المعنى او احد المعاني وابرزها عندما نقول اللهم اني اسئلك بحق محمد وآل محمد يعني بالحق الذي جعلته لهم على البشرية النمط الآخر وفي تقديري هو بيت القصيد في سوالكم وهو مظنة الشبهة عند بعض الناس الذين يثيرون الشبهات في وجه اتباع مذهب اهل البيت(ع) قضية بحقهم عليك...
المحاور: بأعتبار كيف يكون للمخلوق حق على الخالق؟
الشيخ حسان سويدان: هنا لابد ان نقول بداية انه اولاً وبالذات الحق كله لله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء هو رب كل شيء حدوثاً وبقاءً حدوثاً واستدامة هو صاحب الحق جميعاً فلا يصير لاحد حق على الاطلاق الا اذا جعل الله سبحانه وتعالى له الحق الحق طولي في الحقيقة الله عزوجل جعل لبعض الذوات المقدسة منهم الانبياء، الائمة المعصومين، الاوصياء الصلحاء جعل لهم حقاً على البشرية ان تطيع وجعل لهم حق التكريم على نفسه هو جعل على نفسه وهذا شيء مأنوس حتى من العالي اذا اراد ان نقرب الفكرة من العالي الى الداني شيء مأنوس انا اجعل لولدي حقاً على اذا اخذ النمرة الفلانية في الامتحان ان اسافر به لزيارة الامام الرضا(ع) او ان اسافر به لاداء فريضة الحج ونحن بقرب ايام الحج على هذا الاساس عندما نقول اللهم اني اسئلك بحق محمد و آل محمد يعني بحق محمد وآل محمد الذي جعلته لهم حقاً عليك الذي جعلته لهم حقاً عليك يعني اخذ الله على نفسه اموراً لاغلبن انا ورسلي، اخذ الله على نفسه العدل، اخذ الله على نفسه، مما اخذه الله على نفسه ان هناك اناساً جعل لهم حق على نفسه مثلاً ان يجعلهم شفعاء يوم القيامة.
المحاور: هذا هو مصداق الحق يعني...
الشيخ حسان سويدان: احسنت.
المحاور: ان يكونوا وسيلة للعباد؟
حسان سويدان: ان تكون لهم الشفاعة اخذ الله على نفسه ان من يقتل في سبيله يشفع في مثل ربيعة ومضر في بعض الروايات.
المحاور: اذن هذا الشق ليس مختص بأهل البيت(ع)؟
الشيخ حسان سويدان: نعم كل مؤمن في الحقيقة له مستوى من مستويات الحق نستطيع ان نقول ان هناك حق مشكك كل انسان بقدر ايمانه وبقدر ارتباطه بالحق المطلق جعل الله سبحانه وتعالى له حقاً، المؤمن المطيع لله سبحانه وتعالى جعل الله له حقاً ان يدخله الجنة الله اقسم على نفسه ان فلاناً اذا فعل كذا يدخل المكان الكذائي يدخل جنة عدن فلان يدخل الغرفات الى ما هنالك.
المحاور: شكراً جزيلاً لسماحة السيد حسان سويدان على ما تفضل به.
*******