تقبل الله أعمالكم وأهلاً بكم في لقاءٍ أخر من هذا البرنامج نتدبر فيه بكلام الله المجيد لنعرف ما تهدينا إليه آياته الكريمة من خصائص فريضة الصوم لكي نؤديها بالصورة الفضلي التي يحبها الله لعباده الصالحين ولنا في هذه الحلقة وقفة عند قوله تعالي في آيات الصوم: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».
والحديث في هذه الآية الكريمة عن موسم فريضة الصوم وخصوصياته وفيها دعوة قرآنية للمؤمنين لتعظيمه فهو شهر الله الأكبر.
إن شَهْرُ رَمَضَانَ هو الشهر الوحيد الذي ذكره القرآن بالإسم تعظيماً له وهذه الآية ذكرته لكي تفسر بذلك مصداق الأيام المعدودات التي أوجب الله فيها الصوم في الأية السابقة لهذه الآية أي أن الله تبارك وتعالي إختار لفريضة الصوم أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍتمتاز بخصوصيات تجعل هذه الفريضة تحقق أهدافها المطلوبة بأسمي مراتبها إذا أقامها الإنسان بشروطها.
والسبب الأول لعظمة شَهْرُ رَمَضَانَ هو كونه شهر الله الأكبر، بمعني أن الله جل جلاله جعل هذا الشهر موسماً خاصاً للتوجه إليه والدخول في ضيافته الخاصة كما ورد في خطبة النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) ولذلك نسبه الي ذاته المقدسة مباشرةً.
روي في تفسير كنز الدقائق مسنداً عن هشام بن سالم أنه كان مع ثمانية من أصحاب الإمام الباقر في محضره (عليه السلام) قال هشام: فذكرنا رمضان.
فقال (عليه السلام): لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان، فإن رمضان من أسماء الله عزوجل ولا يجيء ولا يذهب وإنما يجيء ويذهب الزائل ولكن قولوا شَهْرُ رَمَضَانَ، فالشهر مضاف الي الإسم والإسم إسم الله عز ذكره وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله مثلاً وعيداً.
ويبدو من مراجعة الجذور اللغوية لكلمة «رَمَضَانَ» أن معني هذا الإسم من أسماء الله تعالي هو المذيب للذنوب والمعاصي بمعني المطهر للإنسان منها، أي أن هذا الشهر هو شهر الله الذي ينقي فيه عباده من الذنوب، كما تشير لذلك كثيرٌ من الأحاديث الشريفة نظير قوله (صلي الله عليه وآله): إن شهر رمضان شهر كتب الله صيامه علي المسلمين وسنّ قيامه فمن صامه إيماناً وإحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكقول الإمام (عليه السلام): وعن ذلك [أي عن المعاصي وآثارها] حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذليلاً لنفوسهم وتخضيعاً لقلوبهم.
*******