وذلك بما أن ضيوف الرحمن يجتمعون على مائدة رحمة رب العالمين الذي قال في كتابه الكريم: “شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن” (البقرة/ 185)، كما قال الإمام الباقر(ع): “لِكُلِّ شَيءٍ رَبِيعٌ وَرَبِيعُ الْقُرْآنِ شَهْرُ رَمَضَان”.
وما أجمل ربيع شهر رمضان هذا العام عند اقترانه بربيع الطبيعة، حيث يحتفل الكثير في مختلف أنحاء العالم برمضان الكريم وبعد أيام بمجيء الربيع وبداية السنة الإيرانية الجديدة، ونشهد الإحتفال بهما بالأدب والشعر، ونقدّم هنا أنموذج لكل منهما.
شهر رمضان ومظاهره في مرآة الشعر
لم تخلُ صفحات الأدب القديمة من النماذج الأدبية الكثيرة التي ارتبطت بشهر رمضان والذي يعد صيامه فريضة على المسلم، سواء تكاسل عن أدائها، أو تغلب على الصيام بالنوم، أو عرف ثواب الشهر فصامه إيمانا واحتسابا.
ونبضت قيثارة الشعر العربي في عصوره المختلفة بنفحات شهر رمضان المبارك وآلائه التي لا تنفد، وتملأ النفس صفاء وروحانية، وتزيد صلة ببارئها، فتغنم من هذا الشهر أي زاد يكون لها شفيعاً يوم المعاد.
وحرص شعراء العربية عبر العصور على تعظيم شهر رمضان والحفاوة به وحسن استقباله والتغني بمطلع هلاله والشوق لرؤيته، كما امتلأت قصائدهم ودواوين أشعارهم بروائعه وأنواره ومعانيه الروحية.
والشعراء أيضا لم يختلفوا عن عامة الناس في اختلاف رؤيتهم وتقديرهم لهذا الشهر، منهم من يراه ضيفاً محبوباً يُستقبل بشتى مظاهر المحبة والإبتهاج، ويُودّع بالحزن على انقضائه، ومنهم من لم يمتنع عن الغزل فكتب الكثير من الغزل في الأطعمة والأشربة خاصة المرتبطة منها بشهر رمضان.
ولم تخلُ صفحة الشعر العربي من المديح والهجاء للشهر الكريم، فكان ابن الرومي، وهو من شعراء العصر العباسي، يرهقه الصيام ولا يقدر عليه خصوصا عندما أتى رمضان متزامنا مع شهر أغسطس/آب المعروف بطقسه الحار، فقال ابن الرومي وقتها بيتين شهيرين:
شهـر الصيـام مبــاركٌ
ما لم يكـن فـي شهر آب
خفت العذاب فصمته
فوقعت في نفس العذاب
ويحيى الشاعر مصطفى صادق الرافعي يقول في هلال شهر رمضان:
فديتك زائراً كل عام
تحيي بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حيناً
ويبقى بعده أثر الغمام
وارتبطت أيام وليالي رمضان بالشعائر الروحانية والعادات والتقاليد باختلاف أشكالها من بلد لآخر، والتي طالما كان من الجميل الحفاظ عليها وإحياؤها.
وقد سجلت أمهات الكتب الكثير من مظاهر شهر رمضان وتقاليده، منها الكلمات التي يتم تبادلها فرحة بمجيء رمضان مثل: “رمضان كريم”، وهي العبارة التي كانت تقال طوال أيام الشهر الكريم، إما اعتذارا عن تقديم واجب الضيافة لزائر طارئ، وإما دعوة مقدمة لضيف للإفطار باعتبار وفرة الخير والطعام في رمضان.
ولم يغفل غيرهم من الشعراء دفع الناس لنوائب الخير في رمضان باعتباره شهر بر وإنفاق كان فيه النبي (ص) أجود من الريح المرسلة، وهناك كثير من الأشخاص الذين يتخذون رمضان ذريعة للتفضل على المحتاجين وتقديم الهبات لذوي القربى.
النوروز يوم للتراث الثقافي
يعتبر عيد النوروز يوماً للتراث الثقافي، ضمّته منظمة الأمم المتحدة، اليونسكو، في عام 2009 إلى قوائمها الممثلة للتراث الثقافي باعتباره عيداً وتقليداً ثقافياً للعديد من الشعوب، ويحتفل به جمهور كبير في مختلف أنحاء العالم باعتباره بداية لعام جديد، ويوماً للإعتدال الربيعي.
وتعود أصل كلمة نوروز إلى اللغة الفارسية؛ حيث تتكوّن الكلمة من لفظين هما: “نو” وتعني الجديد، و”روز” التي تعني اليوم، فهي بذلك تعني اليوم الجديد، أي أوّل أيام فصل الربيع.
ونوروز هو للعالم أجمع ولا يعرف حدوداً بل يتخطى الحدود ويُقام الاحتفال به في كثير من الدول، أي هذا التجديد ليس في بلادنا فقط، ومن آسيا الوسطى إلى شبه القارة الهندية، يحتفلون بعيد النوروز ويقيمون طقوسهم واحتفالاتهم الرائعة، أما السينات السبع في مائدة نوروز التي تُعرف بـ “سفره هفت سين” كل من هذه السينات هي نموذج لمفهوم من الحياة في هذا التقليد القديم للبشر.
وعلينا عولمة نوروز بحيث يصبح من الركائز الأساسية للنظام الدبلوماسي، لكي يخلق تحالفا ثقافيا بمفهوم يسمى دبلوماسية النوروز.
وعلق أستاذ الدراسات الإقليمية بجامعة طهران الدكتور بهرام امير احمديان، فيما يتعلق باستخدام كلمة “نوروز” بقوله:
من تركيا إلى “سين كيانغ” في الصين، الجميع يقولون عيد النوروز، وتعني دبلوماسية النوروز الإستخدام الأمثل لهذه القدرة الخاصة على جمع الأمم معاً.
إن نوروز لديه كل الإمكانيات ليصبح دبلوماسية لتحفيز الإقتصاد والثقافة والسياسة، وجذور النوروز موجودة في بلادنا، ومرتبط بمعتقداتنا الدينية والمذهبية بالإضافة إلى الإندماج الثقافي، ومن الناحية الثقافية، تعتبر طقوس النوروز جزءاً من موضوع الدين، وتدخل التعاليم الدينية والمذهبية بشكل كامل في عيد النوروز، مثل صلة الرحم، وزيارة الأقرباء في العيد، واحترام الكبير وإكرام الصغير بإعطاء العيدية، هو نوع من العطاء وممارسة الإيثار وإنفاق المال.
وفي مائدة السينات السبعة نضيف عناصر لإبراز الشكر من الله تعالى على النعم التي أنعم بها علينا من أرض وماء وحيوان وطعام ودفء وغيرها، وهذه المائدة تذكرنا بالقيامة من حيث التعاليم الدينية.
وحتى تقليد تنظيف البيت قبل بداية العام الجديد، والإهتمام بجمال الطبيعة والمظهر، لبس الملابس الجديدة قبل السنة الجديدة، والاحتفالات قبل النوروز، في كل منها تعاليم ثقافية ومحترمة.
“نوروز” هو طقس قديم ودائم له تاريخ عظيم ينتشر عبر النطاق الجغرافي للعالم الإيراني من غرب الصين إلى الأناضول، ومن شبه القارة الهندية وأفغانستان شرقاً إلى بلاد ما بين النهرين غرباً، ومن “سين كيانغ” وآسيا الوسطى في الشمال الشرقي إلى المنحدرات الشمالية لمنطقة القوقاز الكبرى في شمالها وآسيا الصغرى في الشمال الغربي، والتي تغطي الأراضي المحيطة بإيران باعتبارها أصل الحضارة الإيرانية.
إن لعيد النوروز أهمية عالمية، وبالإضافة إلى الموسوعات الفارسية، هناك مدخل عن عيد النوروز في معظم موسوعات العالم، كما أن “نوروز راست” مذكور أيضاً في الموسيقى العربية، بالإضافة إلى ذلك، فقد تم ذكر مصطلح “نوروزيه” الذي أطلقه الملوك على الشيوخ في سياق عيد النوروز، وكذلك الأشعار التي يتغنى بها الشعراء باسم “نوروزيه”.
وإقامة المهرجانات ونشر ثقافة النوروز من خلال إعداد الأفلام الوثائقية التلفزيونية وعرضها على القنوات الفضائية، وخاصة عاداته وطقوسه الجميلة بين مناطق إيران المختلفة وبين المجموعات العرقية الإيرانية، بما في ذلك الناطقين بالفارسية، والبلوش، والأكراد والقبائل الإيرانية الأخرى، والعديد من عوامل الجذب لإظهار التضامن بين القبائل الإيرانية وهو نموذج قابل للتعميم والتطوير، وهو نموذج لدول المنطقة.
نوروز في مرآة الشعر
اقترن اسم النوروز بالربيع في التاريخ عند الشعوب التي تحتفل بذاكرة في أدبيات الشعراء العرب وتغنّى كثيرٌ من الشعراء بعيد النوروز، فكان أثرُه واضحاً في أشعارهم مثل: المتنبي، والبحتري، وابن المعتز، وابن الرومي وغيرهم، وأشار المتنبي إلى عيد النيروز في شعره؛ حيث هنّأ سيف الدولة به قائلاً:
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ
وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَكَ بَعدَهُ
تُسَلِّمُ مَخروقاً وَتُعطى مُجَدَّدا
وكذلك الشاعر الوليد البحتري فقد أعجب بالطبيعة الباسمة فقال:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا
من الحُسن حتى كاد أن يتكلّما
وقد نبه النوروز في غسق الدجى
أوائل ورد كُن بالأمس نوما
يُفتقها برد الندى فكأنه
يبُث حديثا كان قبلُ مُكتما
ومن شجر ردّ الربيع لباسه
عليه كما نشرت وشياً منمنما
أحلّ فأبدى للعيون بشاشة
وكان قذى في العين او كان مُجرما
ورق نسيم الريح حتى حسبته
يجيء بأنفاس الأحبة نُعما
مما يحبسُ الراح التي انت خلّها
وما يمنع الأوتار ان تترنما..
فالشاعر يقرن النوروز بالربيع وبالورد والجمال والفرح والأنس.
وما أجمل اقتران الربيعين والأيام والأجواء الجميلة التي تمر بنا ونحن على أعتاب عيد النوروز ونشهد البهجة والسرور والنشاط عند الجمهور، رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.