وقد سمع العالم بكل أطيافه ومكوناته، شرقاً وغرباً، أمماً وشعوباً، علماء دين واجتماع وسياسة، كلهم سمعوا مقالة فراعنة العصر من كفار من بني إسرائيل، أنهم يقاتلون في فلسطين حيوانات بشرية، ويدعون إلى استخدام القنابل النووية للقضاء على شعب فلسطين! فهم لم يكتفوا بقتل الأطفال والنساء وحسب، بل يجاهرون علناً بالإبادة الجماعية لكل من يناوؤهم من الشعوب الأخرى!؟.
إن مقالة هؤلاء ليست جديدة عليهم، وقد سبق للقرآن الكريم أن لعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم (ع)،كما قال تعالى:"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ"، ثم قال تعالى:"لبئس ما كانوا يفعلون"، فالله تعالى لم ينسب لهم العمل، وإنما نسب لهم الفعل لما يعنيه ذلك من تلبد عقلي ومعرفي وإنساني،كما قال تعالى:"هل ثوِّب الكفار ما كانوا يفعلون."
فالفعل إما أن ينسب لمن تميز بتمام عقله، وإما أن يؤتى به لسلب العقل عن من تميز بتلبد عقله واستحالت عليه السلامة في قلبه! وهكذا هو حال الذين كفروا من بني إسرائيل فيما عرف عنهم من عدوانية وصلف وكبرياء! وكلنا يعلم حقيقة معاناة النبي (ص) مع هؤلاء القوم لجهة ما زعموه لأنفسهم من خيرية وأفضلية على سائر الشعوب. فالقرآن الكريم يظهر لنا صورة فرعون ومنطقه، ويبين لنا حقيقة ما يدّعيه لنفسه من صلف وكبرياء وقاهرية!
العالم اليوم ليس في بدعة من أقوال الصهاينة وأفعالهم
فالعالم اليوم ليس في بدعة من أقوال الصهاينة وأفعالهم؛ فالتاريخ مليء بالفرعونية اليهودية والمسيحية والإسلامية ولم تخلْ أمة من أن تظهر فيها هذه الأوبئة في الاعتقاد والعمل معًا! وما نشهده اليوم من فرعونية هو امتداد لفراعنة التاريخ بكل ما نطقوا به من دين وسياسة وإفساد في العباد والبلاد!
إن عالمنا اليوم يستجمع كل التشكلات الفرعونية في تاريخها من خلال ما يتظهّر لنا في فلسطين اليوم من قتل وإجرام وعدوانية على كل القيم والمباديء الإنسانية! ولعله من أسوأ ما تعبر به هذه الفرعونية عن نفسها، هو أنها تنسب قولها وفعلها إلى دين السماء، كما قال فرعون في لحظة حاسمة من صراعه مع النبي موسى (ع):"إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد…".
لذا، فإن عالمنا اليوم يقف على شفا جرف هارٍ بما يحدثه هذا الفرعون من عقائد فاسدة، وتنظيرات بالية حول عرقه وتفوقه على سائر بني البشر، وهو يتقوى بعقيدته ومنطقه بما يتوفر له من فرعونيات مماثلة له، وتتخذ من الأديان مسوغاً لها.
وقد بيّن القرآن الكريم أن هذه الفرعونية لاتختلف في ما تنطوي عليه من عقيدة بين أن تكون دينية أو غير دينية، فضلاً عن أن تكون لها اختلافات في الرؤية والأهداف! فالفرعون، الطاغوت يبقى فرعوناً في منطقه وأسلوب عمله بمعزل عما يكون له من تمايزات في الهوية أو في العرق أو في اللغة لكونه يستثمر في الدين ليقتل الإنسانية!
وما تتعرض له أمتنا اليوم من عدوانية، فهو خير دليل على ما آلت إليه مجتمعاتنا اليوم من طاغوتية وفرعونية تحت عناوين شتى من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان! ولسنا نعجب إطلاقًا مما يجري في فلسطين من قتل وإجرام وعدوانية بعد أن بيّن القرآن الكريم معنى أن يكون الناس في ظل حكم الفرعونية شيعاً وأحزاباً أو أن يقتل الرجال وتستحيَ النساء، إرضاءً لشهوة الطاغوت وامتثالاً لأمره!.
فالويل لأمة تصنع فرعونها بيدها وبمليء إرادتها، وتستهين بمقومات وجودها، مادياً ومعنوياً، إمعاناً في سلب ذاتها وهجرة دينها! فهل يبقى لهذه الأمة غير أن تعيش بفتات رزقها أو أن تموت بسيوف ذلها، كما هو حال أهل الأديان قاطبة بعد أن غربوا عن الدين والرحمة، وماتوا عن المعنوية والإنسانية!.
فلم يبق لدى أمتنا اليوم إلا أن تدين وتستنكر الإجرام بحق ذاتها، متلّبسة بما تظنه فرجاً وأملًا من الغرب أو الشرق، ساهية عن أنها صانعة الفرعون وقاتلة لروح الحياة فيهابما وفرّته من صهيونية في دينها ودنياها!
إن عالمنا اليوم هو مظهر من مظاهر الطاغوتية التي أمرنا القرآن الكريم بالكفر بها،كما قال تعالى: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى…".والسلام.
بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية
"د. فرح موسى"