البث المباشر

قواعد العلاقات الإنسانية في القرآن المجيد

الإثنين 27 فبراير 2023 - 12:32 بتوقيت طهران
قواعد العلاقات الإنسانية في القرآن المجيد

بما أن ظاهرة الإختلاف والتنوع بين البشرية صارت أمراً واقعاً، فإن القرآن المجيد أوجد مجموعة من القواعد التي على أساسها يلزم على البشرية السير على وفقها من أجل تأمين قدر متيقن من السلام العالمي ونبذ الحروب والنزاعات والإبتعاد عن المشاكل.

ويقول الله المتعال في القرآن المجيد: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
 
والآية تحدثت عن أن الناس جميعاً كانوا من أهل التوحيد على الفطرة التي خلقهم الله المتعارف عليها، إذ أن هذه الفطرة إذا تم تحريرها من الملوثات التلقينية العارضة فهي تتجه نحو الله الواحد الأحد.

وإن هذه الآية تحدثنا عن أحد أسباب إرسال الحجج الالهيين أي الرسل بالبشارة والنذارة  وهذا السبب الذي هو من جملة الأسباب إنما هو إعادة الناس إلى الفطرة التوحيدية التي جبلوا وخلقوا عليها في حال التلبس بها، وهذا معنى كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) في سبب بعثة الانبياء "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته".

وبما أن ظاهرة الإختلاف والتنوع بين البشرية صارت أمراً واقعاً لإسباب وأسباب، منها ما ذكرنا أي الإبتعاد عن الفطرة الإلهية، فإن القرآن المجيد أوجد مجموعة من القواعد التي على أساسها يلزم على البشرية السير على وفقها من أجل تأمين قدر متيقن من السلام العالمي ونبذ الحروب والنزاعات والإبتعاد عن المشاكل، وهذا من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تبادل الخبرات وتأمين المصالح المشتركة، وتحويل العالم الدنيوي إلى قرية عالمية نموذجية عامرة بالسلام والوئام والعيش الكريم.

وهذه القواعد المشتركة هي بحسب التجمعات البشرية على مجموعة من الأفكار التي يتحد عليها كل تجمع:

١ - القاعدة الأولى: الوحدة الإنسانية التعارفية: وهي لكل إنسان، فالتعارف هو القاعدة المشتركة بين الناس، فتتحد الإنسانية على مبدأ التعارف والمعرفة، وبديهي فإن التعارف يؤدي الى المعرفة، وهذا التعارف يكون مشحوناً ومجبولاً بالإحترام المتبادل، وبفهم الآخر، وإرادة الخير للآخر، ونشوء العلاقات، وتبادل الخبرات، وما أشبه، وهذه العملية التعارفية تبعد شبح الحروب والقتال والنزاعات وما أشبه، وهذا ما يسمى الأن بحوار الحضارات في قبال المنطق العدواني الذي يسمى بصدام الحضارات، ولذلك فإن من متطلبات منطق التعارف القرآني الدخول في واحة  السلام العالمي حيث قال الله المتعال: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ"  ولعل حديث: اطلب العلم ولو في الصين. يحري في هذا المجرى، ومن هنا قال الله المتعال في القرآن المجيد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }.

2 ـ  القاعدة الثانية: الوحدة الدينية على الكلمة السواء: وهي للمعتقدين بالأديان، فالذين يعتقدون بالأديان يجمعهم مشترك وهو الإعتقاد بمجموعة من المشتركات منها أن للكون الهاً وخالقاً بمعزل عن  طبيعة هذا الإله وهذا الخالق والخصوصيات، ومنها وجود رسل، ومنها وجود شرائع، ومنها وجود مجموعة من القيم، ومنها وجود معاد. فهذه القاعدة المشتركة بين الأديان تقول لكل الاديان: فلنعمل على أقل تقدير بما نتفق عليه من مبادئ مشتركة، إذ لا يمكن لأي دين أن يدعو إلى قتل الآخر ونبذ الآخر والعدوان على الآخر، واذا كان هذا الدين هكذا فليس بدين،  واذا ظهر انه ليس بدين فيرجع الى النقطة المشتركة التي هي الإنسانية والنظارة في الخلق كما في حديث الامام علي (عليه السلام) أي إلى التعارف وتحصيل المعرفة وإحلال السلام وتبادل المصالح وما أشبه. فالوحدة بين الاديان لها قاعدة قرآنية مشتركة هي الكلمة السواء المنصوصة في القرآن المجيد بقول الله المتعال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }.

طبعاً أنا أعتقد أن هذه الآية إنما هي تدعو الجميع للانضواء تحت راية التوحيد العظمى بقيادة محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام، وهذا ما سيتحقق ان شاء الله، وليست هي على نحو أن يبقى للشرك مشروعية، لأن الشرك ليس حقيقة وإنما هو أكذوبة، وإعطاء مشروعية الوجود للاكذوبة أمر محال، فلا حوار مع الاكذوبة وإنما الحوار من أجل دحض الاكذوبة ومحوها.

3 ـ القاعدة الثالثة: الوحدة الإسلامية: المعبر عنها في القرآن المجيد بالامة الواحدة، فالمسلمون هم أمة واحدة، فهم يعتقدون بالله الواحد الاحد، ويعتقدون بدين الاسلام،  ويعتقدون بالقرآن المجيد المصان عن التحريف بكله من الجلدة الى الجلدة، ويعتقدون برسول واحد هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعتقدون بالقبلة الواحدة، ويعتقدون بالملائكة والمعاد.

وفي سورة الانعام الله المتعال تحدث عن مجموعة وصايا بدأها بكلمة التوحيد وانهاها بتوحيد الكلمة، حيث قال الله تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢)وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. فهذه وصايا متعددة في سورة الأنعام بدأها الله المتعال بكلمة التوحيد: "الا تشركوا به شيئاً" وانهاها الله المتعال بتوحيد الكلمة "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، وتحدث عن مجموعة من المبادئ العملية المشتركة بين المسلمين والتي هي الإحسان إلى الوالدين، وعدم القتل ، وهجر الفواحش ، وحفظ أموال الايتام، والوفاء بالكيل والميزان، والعمل بالقسط، والعدل في القول من قبيل الشهادة الصادقة والحكم بالحق حتى ولو على حساب القريب، والوفاء بالعهود وما اشبه.

وعلى أي حال، فالقاعدة المشتركة بين المسلمين هي الوحدة الاسلامية المعبر عنها بالامة الواحدة، حيث قال الله المتعال:"إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" وفي آية أخرى "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ".

٤ - القاعدة الرابعة: الاخوة الايمانية الولائية: وهي خاصة بكل من يستجمع شروط الايمان التي تتمثل بخمسة أمور: المعرفة القلبية أولاً، الحب ثانياً، ابراز ذلك ثالثاً، البراءة من الشرك وأعداء محمد وآل محمد رابعاً، والعمل على وفق ذلك من خلال القيام بالوظائف الشرعية والتكاليف المحددة خامساً.

فالمعرفة القلبية تتحقق من خلال الاعتقاد الراسخ بالأصول الاسلامية الاعتقادية الحقة التي نطق عنها أهل البيت (عليهم السلام) أي التوحيد والنبوة والعدل والامامة والمعاد، فيرتبط بها القلب ارتباطاً وثيقاً بحيث ان الجبال تزول وهذه العقائد لا تزول، والحب يتمثل في حب الله المتعال وحب محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام، وحب كل من امر الله المتعال بحبه، والابراز اللساني والجوارحي يتمثل بنطق الشهادتين واظهار الشعائر الاسلامية والولائية، والبراءة تتمثل في البراءة من الشرك وكل من عادى أولياء الله المتعال وحججه الطاهرين لاسيما من عادى أهل البيت عليهم السلام الذين أمر الله المتعال بمعرفتهم ومودتهم والصلاة عليهم وطاعتهم وعموم ولايتهم، والعمل يتمثل بالقيام بكل الواجبات وترك كل المحرمات، من قبيل القيام بواجبات الصلاة والصوم والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن قبيل ترك الكذب والغيبة والنميمة والزنا والخمر وما أشبهه.

وهذه القاعدة بين المؤمنين والولائيين الذين يعيشون الاسلام الحقيقي والولاء الحقيقي لمحمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام هي الاخوة الايمانية المنصوص عليها بالقرآن المجيد بقوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" وهذه الاخوة لها مجموعة من الحقوق أثبتها القرآن المجيد والروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام كما لا يستراب، وهي بعمومها تتحدث عن انزال الآخر بمنزلة النفس بل تقديم الآخر على النفس من خلال مفهوم رائع جداً هو الإيثار.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة