إنَّ الله سبحانه يحمّل المسؤوليَّة لكلّ إنسان يملك علماً، سواء كان عالِماً معمَّماً أو غير معمَّم، لأنَّ العلم ليس بالعمامة، قد تكون العمامة على رأس يملك علماً، وقد تكون على رأس فارغ من العلم.
والمهمّ من يعلم، من يكون عنده علم وفكر ومعرفة بالشَّريعة. وفي الحديث: "إذا ظهرت البدع في أمّتي - الَّتي تعني كلَّ الانحرافات الفكريَّة والأخلاقيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة – فليُظهِر العالم علمه"، لا يستطيع أن يقول أنا لا أملك الوقت للتَّعليم والتبليغ. إنَّ عليه أن ينطلق، ليبثَّ علمه في الناس حتّى لو شُتم، عليه أن يقول كلمة الحقّ للنَّاس حتّى لو رجمه الناس بالحجارة وشوَّهوا صورته وموقفه، لأنّك عندما تحارب البِدَع، وتحارِب المبدعين والمنحرفين، فلا بدَّ أن يهاجموك.
ولهذا، لا بدَّ للإنسان الرسالي ـــ في أيّ موقع كان ـــ دائماً أن يكون ذا "جلد سميك"، أي لا يتأثّر بالسبّ والشّتائم، بل أن يكون صاحب إرادة صلبة لا يؤثّر فيها شيء.. "إذا ظهرت البدع في أُمّتي، فليظهر العالِم علمه، وإلَّا فعليه لعنةُ الله"1.
والنبيّ استفاد من الآية القرآنيَّة التي تقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].
وهناك بعض الناس يحاولون أن يحرِّفوا الكلام عن مواضعه، يتكلَّمون في الدّين ولكن بطريقة منحرفة، كما هي حال اليهود الَّذين قال الله عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}، يعني يبيعون ما يحملون من كتاب الله، ويبيعون ما يحملون من ثقافة، يبيعونها لأُناس معيَّنين حتّى يوظِّفوها لخدمة أهوائهم وانحرافاتهم، هؤلاء يبيعون أنفسهم للظَّالم، يبيعون أنفسهم للمنحرف، ويبيعون أنفسهم للسلطة الغاشمة، {أُوْلَـئِكَ لا خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران: 77].
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
السيد محمد حسين فضل الله
---------------------------
[1]البحار، ج:57، ص:234.