من اصدق ما يقال في الحياة الادبية الحديثة ان النقاد الذين تصدوا لدراسة الادب العربي قد تأثروا لحد كبير بمناهج الاداب الغربية واقحموها على هذا الادب في ضمن حركة التغريب والغزو الفكري التي اشتدت بعد الحرب العالمية الاولى، ولم يقف الخطر الذي واجه الادب العربي عند حد المذاهب الادبية المجلوبة التي كانت غريبة على هذا الادب مغذية في مجال التطبيق عليه بل تجاوزت ذلك الى اخطار كبرى ترتبط بالفكر الاسلامي نفسه الذي كان الادب العربي وعاءاً من اوعيته، وكان لهذا الغزو الثقافي للادب العربي اثره في قضايا عديدة كبرى اهمها:
اولاً: تقديس الادب اليوناني والتركيز عليه والاعلاء من شأنه والدعوة الى معرفته وفرض تدريس اللغتين اليونانية والرومانية في الجامعات.
ثانياً: كان هذا مفضياً الى الغلو في تقويم الادب الغربي في مختلف فنونه واتهام الادب العربي بالفقر والنقص في مجالات القصة والمسرحية والادب الملحمي.
الاثر الثالث: هو الاستهانة باللغة العربية ومحاكمتها على نحو محاكمة اللغة اللاتينية والتنويه بشأن اللهجات العامية والدعوةالى التحرر من البلاغة العربية وامتد اثر المذاهب الادبية الغربية.
رابعاً: الى اخطاء كبيرة في كتابة التاريخ الاسلامي وفي كتابة السيرة وكتابة تراجم الاعلام من ادباء وغيرهم.
خامساً: تفشي الدعوة الى انفلات الادب العربي من القيم الاخلاقية وتعالي صيحات الفن للفن ودفع الباب واسعاً امام الكتابات الاباحية.
الاثر السادس: للتغريب الادبي هو مهاجمة التراث وتحقيره وسخريته واعلاء شأن المؤلفات التي تثير الخلاف والفتنة.
وسابعاً: اغراق الادب العربي في الترجمات من الاداب الاوروبية وهي ترجمات روعي فيها ان تحمل كل مذاهب الاباحة والانحلال والالحاد والفساد الى الادب العربي وخاصة القصة المكشوفة.
وقد اغرقت مدرسة التغريب الادب العربي من مذاهب متعددة في النقد الادبي هي الرمزية والواقعية والرومانسية والكلاسيكية، كما عرضت لمناهج متعددة في النقد منها النقد التأثري والنقد التقريري والنقد التاريخي ثم توسعت هذه المناهج ووصفت بأنها مدارس النقد الادبي وهي المدرسة التاريخية والمدرسة الاجتماعية والمدرسة الفنية والمدرسة اللغوية البلاغية والمدرسة النفسية، وقد جرت دراسات الادباء والنقاد خلال هذه الفترة التي بدأت بعد الحرب العالمية الاولى من خلال هذه المذاهب والمدارس وانحاز كل اديب وناقد الى مدرسة او مذهب اتخذ منها اسلوبه في النظر والدرس والبحث وبذلك واجه الادب العربي الحديث اخطر مرحلة في تاريخه من حيث كان تطلع حركة اليقظة الى ان اتسع الادب العربي ليكون سلاحاً قوياً في سبيل انماء هذه الحركة ودفعها الى الامام لكن يبدو ان حركة اليقظة رأت ان الادب العربي قد غرق في بحار من التغريب وتركت الادب في قبضة خصومه، ولم يقف اثر الاضطراب الذي اصاب الادب الحديث بآثاره وانتاجه وحده بل كان عميق الاثر في مجال اخطر هو محاولة اعادة النظر في الادب العربي منذ صدر الاسلام في ضوء هذه المناهج الواحدة التي هي غير مؤهلة لالقاء نظرة على هذا التراث او دراسة الادب العربي من داخل بوتقة المستشرقين وادباء الغرب ومناهجهم من حيث انها تختلف اختلافاً واضحاً بالنسبة الى الادب العربي وذاتيته ومزاجه الخاص المستمد من عناصر اخرى، هذا اذا حسنت النية في النظر اما وهذه النظريات ترتبط بالتغريب والغزو الثقافي فأن النظرة ذاتها ستكون معادية له ومليئة بالتعصب وهذا هو ما اثمرته الدراسات المختلفة التي قدمت على الادب العربي والتاريخ الاسلامي والتراجم الادبية والتاريخية وفي مجال السيرة واللغة العربية فضلاً عن مفاهيم الترجمة والنقل من الادب الغربي وما اتصل بها من اهواء ورغبات.
ويمكن القول ان هذه المذاهب الادبية جميعاً قد اعتمدت اساساً على منهج ارسطو في الادب وما يتصل به من مفاهيم في النقد والشعر والمنطق وانها شأن الادب الاوروبي نفسه المرتبط بالادب الاغريقي اصلاً، قد امتدت الى مدرستي النفس والاجتماع الحديثتين المدرسة النفسية والتي وضع اساسها فرويد والمدرسة الاجتماعية التي ارسى قواعدها دوكاين.
هايمن اشار في كتابه النقد الادبي ومدارسه ان النقد الادبي الحديث قد اعتمد على خمسة من العلماء هم داروين ومارسكي وفريزر وفرويد ودابوي، اما داروين فقد جاءت منه فكرة ان الانسان جزء من النظام الطبيعي وان الحضارة تطورت اي ان داروين قد نظر الى الانسان على انه حيوان وطبق عليه علمياً كل ما يطبق على الحيوان والحشرات اما ماركس فهو الذي ذهب الى ان الادب هو الذي يعكس ولو بطريقة معقدة ملتوية احياناً على العلاقات الاجتماعية والانتاجية لهذا العصر او ذاك، وفرويد هو الذي يرى ان الادب تعبير مقنع وانه تحقيق لرغبات مكبوتة قياساً على الاحلام وان هذه المقنعات تعمل حسب مباديء معلومة وفكرته ان هناك مستويات ومدارج عقلية تقع وراء الوعي وان بين الرقيب والرغبة في التعبير صراعاً مستمراً، اما فريزر فهو صاحب الافكار عن السحر البدائي والاسطورة والشعائر البدائية وان هذه كلها تكمن في اساس اعلى النماذج والموارد الادبية واخيراً فأن جون دايوي يرى ان قراءة الادب وكتابته ليست الا صوراً انفعالية انسانية يمكن ان تقاس بأي فاعلية اخرى وانها خاضعة للقوانين نفسها. وقد اضاف ستالي هيمن الى مقومات النقد الادبي التي كونتها اراء هؤلاء الخمسة فكرة السلوكيين التي تقول ان الادب ليس الا رجلاً يكتب ورجلاً يقرأ كما اضاف فكرة العقليين بأن الادب قابل للتحليل وقال ان النقد الحديث قد قرر مبدأين اساسيين كانا يحتلان مقاماً رئيساً في الماضي هما:
اولاً: ان الادب نوع من التعليم.
وثانياً: انه في الاساس نوع من اللذة او المتعة.
هذا هو ما سجله هايمن من اسس لمناهج النقد الادبي الحديثة التي نقلها الادباء العرب الى محيط الادب العربي واتخذوها قاعدة لرفضه ونقده ولمحاكمة هذا الادب بمقتضاها منذ صدر الاسلام الى اليوم واخطر ما تحمله هذه المناهج هو ازدراء اخلاقية الادب واحتقارها والتخلي عنها فضلاً عن الانكار الواضح للتوحيد الذي يكاد يكون الاساس الاصيل والاكبر للادب العربي بل المعارف الاسلامية عامة.
*******