ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن وزارة العمل الأمريكية قد أعلنت أمس الأربعاء أن تصاعد مؤشر أسعار المستهلك للأشهر الـ12 المنتهية في حزيران / يونيو الماضي كان أسرع وتيرة منذ تشرين الثاني / نوفمبر 1981. فقد قفزت أسعار البنزين قفزة كبيرة بزيادة 11.2٪ عن الشهر السابق ونحو 60٪ عن العام السابق، في حين كانت أسعار المأوى والغذاء من العوامل الرئيسية أيضاً في صعود المؤشر.
تجاوزت قراءة التضخم لشهر حزيران / يونيو نسبة 8.6٪ عن شهر أيار / مايو، مما دفع المستثمرين والمحللين إلى مناقشة ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سينظر في زيادة سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة، بدلاً من 0.75 نقطة، في وقت لاحق من هذا الشهر. يعد تباطؤ الطلب أمراً أساسياً لهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في استعادة استقرار الأسعار في اقتصاد لا يزال يعاني من مشكلات العرض، ولكن رفع أسعار الفائدة يزيد كذلك من مخاطر حدوث ركود.
وقالت وزارة العمل الأميركية إن الأسعار الأساسية، التي تستثني مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، زادت بنسبة 5.9٪ في حزيران / يونيو مقارنة بالعام السابق، أي أقل بقليل من الزيادة في شهر أيار / مايو التي بلغت 6.0٪.
وارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 0.7٪ في حزيران / يونيو، وهو ما يزيد قليلاً عن ارتفاعها بنسبة 0.6٪ في أيار / مايو، في إشارة إلى ضغوط تضخمية في جميع أنحاء الاقتصاد.
وقالت لارا رام، كبيرة الاقتصاديين الأميركيين في شركة FS Investments "إن التضخم يجعل كل شيء صعباً. إنه يقوّض مدخراتك وأجورك وأرباحك. إنه يعاقب كل شيء".
وقد تراجعت الأسهم يوم أمس الأربعاء بعد تذبذبها لجزء كبير من اليوم، حيث انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 0.5٪. وقفزت عائدات السندات بعد تقرير التضخم، ولكن سرعان ما تخلت عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل عن تلك المكاسب.
وعلى الرغم من قراءة التضخم لشهر حزيران / يونيو، يشير الاقتصاديون إلى التطورات الأخيرة التي قد تخفف ضغوط الأسعار في الأشهر المقبلة.
فقد أدت توقعات المستثمرين بتباطؤ النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك أسعار النفط والنحاس والقمح والذرة، بعد أن ارتفعت هذه الأسعار بشكل حاد في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية. وحذر تجار التجزئة من الحاجة إلى القيام بحسومات على السلع، وخاصة الملابس والسلع المنزلية، التي لا تتوافق مع تفضيلات العملاء، حيث يتحول الإنفاق إلى الخدمات وبعيداً عن السلع، وينفق المستهلكون مدخرات مرتفعة.
وقالت لورا روزنر-واربورتون، كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة MacroPolicy Perspectives إن ثمة مخاوف خطيرة من ركود يؤثر على نطاق واسع على أسعار الأصول. وأشارت إلى أن قدرة تجار التجزئة على التخلص من المخزون غير المرغوب فيه يمكن أن تختبر ما إذا كانت الأسعار تعود إلى أنماط ما قبل تفشي الوباء. وقال بعض تجار التجزئة مثل شركة تارغيت إنهم يخططون لتخفيضات كبيرة. يقول المحللون إن الآخرين الذين لديهم سعة تخزين قوية، مثل وولمارت، قد يكونون أكثر ميلاً للاحتفاظ بمخزونهم الفائض.
وقالت روزنر-واربورتون: "سيكون من المهم فعلاً أن نرى عودة الحسومات، لأنها ستظهر أننا لم نكن بعيدين عن بيئة ما قبل كوفيد فيما يتعلق بسلوك التسعير".
ولم تظهر الحسومات بشكل بارز في أرقام التضخم حتى الآن: ارتفعت أسعار الملابس والسلع المنزلية في الشهر الماضي. وتراجعت الزيادات في أسعار السيارات الجديدة والمستعملة، على أساس شهري في حزيران / يونيو، وهي مصدر مهم للضغط التصاعدي على التضخم.
ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الشهر الماضي سعر الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، وهي أكبر زيادة منذ عام 1994. وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن البنك المركزي يريد رؤية دليل واضح على أن ضغوط الأسعار تتضاءل قبل إبطاء أو تعليق زيادات أسعار الفائدة.
ويضع التضخم المرتفع المستمر ضغطاً على الشركات والمستهلكين الذين لم يعتادوا عليه بعد عقود من استقرار الأسعار.
واتخذ دان واغ، البالغ من العمر 55 عاماً، صاحب مقهى، قراراً صعباً بإغلاقه لمدة أسبوع بعد أن خلص إلى أن انخفاض عدد العملاء كان يترك الشؤون المالية للمطعم في وضع خطر. كتب إلى زبائنه على فيسبوك: "أعلم أن هذه أوقات عصيبة مع هذا التضخم، قلة المطر أو انعدامها للمزارعين، وأسعار البنزين مرتفعة".
يعزو واغ تباطؤ الطلب إلى الموسم السيئ لمزارعي الذرة والفاصوليا في المنطقة، والحصيلة الإضافية لارتفاع أسعار البنزين التي قد تجعل نزهة إلى مطعمه رفاهية لا يمكن تحملها. لم يغيّر أسعاره بعد، ولكن مع ارتفاع تكاليفه وانخفاض الإيرادات اليومية من حوالى 600 - 700 دولار إلى 300 - 400 دولار، يشعر أنه قد يضطر إلى القيام بذلك قريباً.
من خلال الإغلاق لمدة أسبوع، قال واغ إنه يراهن على أن العملاء سيدركون قيمة وجود مطعم للوجبات غير السريعة في بلدتهم التي يبلغ عدد سكانها نحو 800 شخص. أوضج: "أحاول أن أبين للناس أن هذا ما سيكون عليه الحال إذا اضطررت إلى البقاء مغلقاً".
تحسنت توقعات تضخم المستهلك إلى حد ما، وفقاً لاستطلاع أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك هذا الأسبوع. يتوقع الأميركيون زيادات تضخم أبطأ على المدى الطويل مما كانت عليه في الأشهر الأخيرة. وقال البنك في مسح لتوقعات المستهلك لشهر حزيران / يونيو أن المستجيبين يرون أن معدل التضخم السنوي بعد ثلاث سنوات من الآن عند 3.6٪، بانخفاض عن توقعاتهم في أيار / مايو عند 3.9٪. وقال البنك إن المشاركين في الاستطلاع يتوقعون أن يبلغ معدل التضخم السنوي بعد خمس سنوات من الآن 2.8٪، بانخفاض عن توقعاتهم في أيار / مايو البالغة 2.9٪.
يقول الاقتصاديون إن أسعار الفائدة المرتفعة لن يكون لها نفس التأثير على جميع الأسعار في وقت واحد. تستجيب التكاليف مثل الرهون العقارية والإيجارات - وهي جزء كبير من ميزانيات الأسرة - بمرور الوقت لآثار تقليص الطلب نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة. ارتفعت تكاليف المأوى بنسبة 0.6٪ في حزيران / يونيو مقارنة بالشهر السابق، وهو نفس المعدل الذي كانت عليه في أيار / مايو. ارتفع مؤشر الإيجارات بنسبة 0.8٪ خلال الشهر، وهي أكبر زيادة شهرية منذ نيسان / أبريل 1986.
يعد تضخم الإسكان مهماً لأنه يمثل نحو 40٪ من مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي وحوالى 17٪ من مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي.
قالت رام: "الإيجارات المرتفعة مقلقة حقاً، .. وهذا ما يدفع الناس للذهاب والطلب من رئيسهم الحصول على رواتب أعلى".
واعتبرت الصحيفة أن الأجور لا تواكب التضخم. فمع نمو الأجور السنوي بنسبة 5.1٪، ينخفض متوسط الدخل في الساعة بعد تعديله وفقاً للتضخم بأسرع وتيرة له منذ أربعة عقود. بعد احتساب التعديلات الموسمية والتضخم، انخفض متوسط الدخل في الساعة بنسبة 3.6٪ من حزيران / يونيو 2021 إلى حزيران / يونيو 2022.
وكانت أسعار المساكن القياسية ومعدلات الرهن العقاري المرتفعة في أيار / مايو الماضي قد جعلته أغلى شهر لشراء منزل منذ عام 2006. تدفع هذه الظروف المشترين المحتملين إلى ترك السوق حالياً. ولكن مع العرض المحدود والطلب المستمر، قد يستغرق الأمر أشهراً قبل أن تشهد أسعار المساكن انخفاضات كبيرة.
قال بيل آدامز، كبير الاقتصاديين في بنك "كوميريكا": "لقد دخلنا هذا العام مع طلب أكبر بكثير من العرض - حتى مع عدم قدرة العديد من مشتري المنازل على المنافسة في السوق، لا يزال هناك الكثير من المشترين".
المصدر: وول ستريت جورنال