يستثمر العديد من الأشخاص الأثرياء والشركات الروسية ومن مختلف أنحاء العالم بصورة قانونية في سوقي المال والعقارات في بريطانيا.
ولكن هيئة الشفافية الدولية ببريطانيا قالت إنه تم شراء عقارات بقيمة خمسة مليارات جنيه استرليني في المملكة المتحدة بـ"أموال مشبوهة"، وأضافت الهيئة أن خمس هذا المبلغ جاء من روسيا.
وذكر تقرير لوزارة الداخلية البريطانية أن البلاد شهدت "زيادة كبيرة في التمويل غير القانوني الروسي أو المرتبط بروسيا"، وهو ما ينفق على عقارات فاخرة وسيارات ومصروفات مدارس وفي بعض الأحيان على تبرعات لمؤسسات ثقافية، وهو ما يسمح لأشخاص بـ"تنظيف سمعتهم".
وحين يتعلق الأمر بالعقارات، والتي يمكن امتلاكها من خلال شركات بدلا من أن تكون مسجلة بأسماء أفراد، يصعب في بعض الأحيان الحصول على المعلومات بشأنها.
وتقول قاعدة بيانات ملكية الشركات الخارجية في إنجلترا وويلز إن أربعة عقارات فقط من 94 ألف عقار المسجلة ملكيتها القانونية لشركات من خارج بريطانيا، تعود ملكيتها لشركات روسية.
ولكن من المحتمل أن يكون المزيد من عمليات شراء العقارات قد جرت لمصلحة أفراد روس في نهاية المطاف، عبر استخدام شركات مقرها في الخارج في أماكن مثل جزر فيرجن البريطانية.
وكُشف عن حجم استخدام هذه الشركات في تسريب ضخم، تألف من قرابى 12 مليون وثيقة،عرفت بوثائق باندورا في أكتوبر/تشرين الثاني من عام 2021.
وكشفت هذه الوثائق عن ثروات مخفية، وتهرب ضريبي، وفي بعض الحالات غسيل أموال من قبل بعض أثرياء العالم وأصحاب النفوذ.
وحدد الباحثون أكثر من 700 شركة خارجية تمتلك عقارات في المملكة المتحدة، ووجدوا أن خمسة في المئة منها مملوكة لمواطنين روس.
وأحد الأمثلة على ذلك، كان أليكسي تشيبا، السياسي ورجل الأعمال الروسي، الذي استخدم شركة من جزر فيرجن البريطانية لشراء قصر يضم عشر غرف نوم في حي هولاند بارك بلندن في عام 2011، وقد بُيع العام الماضي مقابل 25 مليون جنيه إسترليني. وقال ممثلوه إن عملية الشراء "اتبعت الإجراءات المناسبة تماما كما طلب في ذلك الوقت".
لماذا تعد المملكة المتحدة جاذبة للمستثمرين الروس؟
لطالما كانت لندن وجهة شهيرة مفضلة للأثرياء الروس للاستقرار فيها أو شراء العقارات والاستثمارات.
ويمنح نظام "التأشيرة الذهبية" - تأشيرة المستثمر - الإقامة لمن يستثمر مليوني جنيه استرليني أو أكثر في بريطانيا، ويسمح له باستقدام عائلته.
وبعد ذلك، يكون في استطاعة حاملي هذه التأشيرة التقديم على الإقامة الدائمة في بريطانيا، وتعتمد مدة السماح لهم بالتقديم على الإقامة على حجم استثماراتهم:
وكانت وزارة الداخلية في بريطانيا أصدرت 14516 تأشيرة مستثمر لمواطنين روس منذ تنفيذ القانون في عام 2008.
وتمكنت الشركات الروسية أيضًا من جمع مبالغ كبيرة في مبيعات الأسهم في بورصة لندن.
وتعد شركة الطاقة، مجموعة "إي إن بلس"، إحدى المستفيدين من تعاملات بورصة لندن، وكانت عند الطرح الأولي لأسهمها للاكتتاب العام تحت إدارة أوليغ ديريباسكا، وهو أحد مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي عام 2018، طالب تقرير لمجلس العموم البريطاني الحكومة بسد الفجوات "في نظام العقوبات حتى لا يُسمح لشركة مثل (إي إن بلس) بتحقيق مكاسب في البورصة.
قدمت الحكومة البريطانية، في عام 2018، آلية لمصادرة الممتلكات من دون السعي أولاً للحصول على إدانة جنائية.
ويضع قانون "الثراء غير المبرر" المسؤولية على الشخص في اثبات مصدر أمواله ليحق له شراء عقار.
ومع هذا، لم يستخدم هذا القانون سوى أربع مرات، وأدت حالة واحدة فقط إلى مصادرة الممتلكات.
وثمة وسيلة قانونية أخرى، هي أمر تجميد الحسابات التي تسمح للمحاكم بتجميد الأصول المودعة في مصرف أو جمعية بناء إذا شكت في ارتباطها بنشاطات إجرامية.
وقد بدأ استخدام هذه الأداة القانونية "أمر تجميد الحسابات" أكثر نجاحا حتى الآن من قانون "الثراء غير المبرر"، بحسب تقرير من مركز الدراسات تشاتام هاوس، الذي أشار إلى اتخاذ إجراء قانوني بموجبه ضد ابنة اخت الرئيس السوري بشار الأسد وابن رئيس الوزراء المولديفي السابق.
وقالت الحكومة في عام 2016 إن لديها خططاً لمكافحة غسيل الأموال من خلال سجل شامل للمستفيدين من ملكية العقارات في المملكة المتحدة.
وذكرت هذه الخطط في خطاب الملكة لعام 2019، لكن لم تعلن الحكومة بعد متى تخطط لطرح التشريعات.
وقالت وزارة الخارجية إن الإجراءات الجديدة ستسمح للمملكة المتحدة بالعمل "بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لتجميد الأصول وحظر السفر".
وسيتم استهداف الأفراد المرتبطين بالكرملين، وتجميد أصولهم، ومنعهم من دخول المملكة المتحدة، ولن يكونوا قادرين على التعامل مع أي شركة أو فرد في المملكة المتحدة.
ولكن هناك يبقى سؤال وهو هل الاستثمارات كانت سلبية لبريطانيا وهي واجهت خسائر وتهريب أموال أو تداعيات سلبية أخرى؟ أم أن مثل هذه القوانين والاستثمارات الهائلة كانت تصب في مصلحة البلاد واقتصادها وهي تدر لها أرباحا كثيرة أولا قبل أن يجني أصحابها ثمارها.