مستمعينا الافاضل اهلاً بكم، ايها الاحبة بعد حجة الوداع عاد النبي (صلى الله عليه وآله) الى المدينة هو ومن معه وكان قد حث يوم الحج على التمسك بالكتاب والعترة وحذر الامة من التفرق والاختلاف وقتل بعضهم البعض، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريقه من حجة الوداع كان على علم من ربه بما سيحدث في امته من بعده، كان يعلم ان في امته من سيستمتع كما استمتع الذين من قبلهم وسيخوض كالذي خاضوا وسيترتب على ذلك كله الحط والخسران والبغي والافتراق وكان يعلم ان هذا كله سيكون من قريش ومن هنا اكد (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع على مراكز الامان ليهرع اليها الناس واوصى بالكتاب والعترة الطاهرة واعلن ان علياً (عليه السلام) منه وهو من علي ولا يؤدي عنه الا هو او علي، وهذا الاعلان يشبه يوم سورة البراءة في العام التاسع الهجري، انه اذا كان علي ولي كل مؤمن بعد رسول الله فلابد ان يعلن هذا امام جماهير المسلمين وامام قريش في المقام الاول فالصحابة ليسوا من مستوى واحد مادام كل من سمع من النبي او رآه فهو صحابي، ومن هنا كان خوف النبي صلوات ربي عليه وآله على الرسالة اذ ان النبي قد بعث في بشر فيهم الصالح والطالح وفيهم المحسن والمسيء ونزل قوله تعالى: «يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين» الآية الكريمة من سورة المائدة تكشف عن امر قد انزل على النبي (صلى الله عليه وآله) وكان النبي يتوجس من الناس خيفة في تبلغية ان يكذبوه ولولا ذلك لما كان من حاجة الى هذا التجديد الالهي الذي يشبه التهديد «وان لم تفعل فما بلغت رسالته».
واذا كانت سورة المائدة آخر السور القرآنية نزولاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما هو الحكم النازل؟ إذا كان يختص بالوضوء والصلاة فالناس قد توضئوا من قبل وصلوا واذا كان يختص بصيام شهر رمضان وايتاء الزكاة فالناس صاموا من قبل وزكوا واذا كان الحكم النازل من هذه الواقعة مرتبطاً بتعليم مناسك الحج فالرسول قد فرغ من حجة الوداع واخذ الناس عنه مناسكهم، فما هو هذا الحكم الذي واكبه التهديد من الله تعالى إذا لم يبلغ؟
قال المفسرون: لم يصرح القرآن بأسم هذا الشيء الذي انزل على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعبر عنه بالفهد وانه شيء انزل اليه اشعاراً بتعظيمه ودلالة على انه امر ليس فيه لرسول الله صنع ولا له من امره شيء ليكون هذا برهاناً على عدم اختيار من النبي في كتمانه وتأخير تبليغه وليكون له عذر في اظهاره على الناس وليكون تلويحاً الى انه مصيب فيما تفرس فيهم وتخوف عليهم، اما قوله تعالى في الاية «والله يعصمك من الناس».
فقال المفسرون: اخذ يفضى الناس اعتباراً بسواد الافراد، الذي فيه المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض وقد اختلطوا من دون تمايز فأذا خيف من عامتهم والعصمة في الاية بمعنى الحفظ والوقاية من شر الناس المتوجه الى النبي او الى مقاصده الدينية او الى نجاحه في هذا الطريق.
ان آية سورة المائدة «يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك» قد ذهب في اسباب نزولها كل مذهب فهناك من قال انها مكية وهذا القول لا يلتفت اليه لان الاية بتمامها لا تنطبق على الحوادث التي ذكروها فلن يكون من شأن اليهود ولا النصارى في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يتوجه اليه من ناحيتهم خطر يجعله يمسك بالتبليغ او يؤخره الى حين ولم يكن من شأن كفار قريش ومشركي مكة ان يفعل النبي ذلك ايضاً وهؤلاء اذا كان لخطر ان يأتي من قبلهم فأن يكون بعد تصدع الاساس واصابة قواعد الاسلام وتصديع الاساس واصابة القواعد من مهمة المنافقين والذين في قلوبهم مرض في المقام الاول، هذا وقد رد ابن كثير على القول بأن الاية مكية فقال في تفسيره «ان هذه الآية مدنية بل هي في اواخر ما نزل بها» وقول ابن كثير بأن الاية في آخر ما نزل قد يفتح الابواب على سؤال هو ما هو الحكم الذي انزله الله تعالى في آخريات الايات على رسوله وقال له وان لم تفعل فما بلغت رسالته؟ ان القول بأن هذا الحكم يتعلق بالطهارة والغسل والتكفين مما لا يصح ان يلتفت اليه وعلى اية حال فثمة اخبار تدل على نزولها في حق علي بن ابي طالب يوم غدير خم حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الصحيح الذي رواه ائمة الحفاظ عن الصحابة «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».
قال ابن كثير في البداية والنهاية لما تفرغ النبي من بيان مناسك الحج ورجع الى المدينة خطب خطبة عظيمة الشأن في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة بغدير خم تحت شجرة هناك فبين فيها اشياء وذكر في فضل علي بن ابي طالب وامانته وعدله وقربه اليه وازاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه وقد اعتنى بأمر حديث غدير خم ابو جعفر الطبري فجمع فيه مجلدين واورد فيها طرقه والفاظه وكذلك الحافظ الكبير ابو القاسم بن عساكر اورد احاديث كثيرة في هذه الخطبة وقال احمد بن حنبل «حديث من كنت مولاه سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثون صحابياً، شهدوا به لعلي بن ابي طالب عندما نزع ايام خلافته وصرح بتواتر هذا الحديث العديد من العلماء».
ذكر الفخر الرازي عند تفسيره الاية «ايها الرسول بلغ ما انزل اليك» قال نزلت هذه الاية في فضل علي بي ابي طالب فلما نزلت اخذ النبي بيده وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه».
فلقيه عمر بن الخطاب فقال: هنيئاً لك يا بن ابي طالب اصبحت مولاي ومولا كل مؤمن ومؤمنة. وروى الواحدي في كتابه اسباب النزول عن ابي سعيد الخدري قال نزلت هذه الاية «يا ايها الرسول بلغ» يوم عذير خم في علي بي ابي طالب ووردت روايات تفيد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ان اخذ البيعة لعلي كان يذكر كل من يدخل عليه خيمته او من يراه في منطقة الغدير.
اجل شهد الغدير اعلان الحكم وسمعت قريش ومن ناصرها وانفرد المكان بهذا الحكم لتكون الحجة دامغة وشاء الله تبارك وتعالى ان تتفق الامة على هذا الحديث، قال بن كثير قال الذهبي وجدت نسخة مكتوبة عن ابن جرير الطبري عن عائشة نبت سعد سمعت اباها يقول:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم الجحفة: «وقد اخذ بيد علي فخطب ثم قال ايها الناس اني وليكم».
قالوا صدقت فرفع يد علي فقال: «هذا ولي والمؤدي عني وان الله مولى من والاه ومعادي من عاداه» وهكذا تترابط الوقائع وتتساند الخطوات ففي حجة الوداع قال: صلوات ربي عليه وآله لا يؤدي عني الا انا وعلي وفي غدير خم قال: «هذا ولي والمؤدي عني» ولم يترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا عذراً لمعتذر ولا حجة لمحتج، اذ كانت له الحجة البالغة بعد ان ابلغ كل هذه الابلاغات والوصية لعلي (عليه السلام) من بعده ليقود الامة القيادة الربانية التي يريدها الله عزوجل.
*******