البث المباشر

فن حياكة السجاد الاسلامي في آسيا الصغرى

الخميس 24 يناير 2019 - 17:15 بتوقيت طهران

الحلقة 46

سلام الله عليكم ورحمة منه وبركات. الفن الاسلامي التركي في ميدان صناعة السجاد وزخرفته ذو تنوع وغنى، وكانت آسيا الصغرى تنافس ايران في كمية ما تنيجه من ضروب السجاد التركي الذي كان يصدر الى مختلف الانحاء، بيد ان السجاجيد التركية على نحو عام دون الايرانية في النسج وجمال الالوان والزخرفة، وللسجاد التركي انواع عدة وله مراكز صناعية‌ مهمة مثل ازمير وعشاق وقولا وكردس، وهي ما تزال تنتج مقداراً كبيراً من هذه السجاجيد، وغدت ازمير منذ القرن العاشر الهجري قاعدة هامة‌ لتصدير تلك الطنافس الى اوربا وكان صناعه يقلدون في زخارفه رسوم السجاجيد الشرقية ولا سيما الايرانية.
ومن السجاجيد التركية نوع ينسب الى المصور الالماني هولباين الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي ومزية هذا النوع زخارفه الهندسية البحتة التي تكثر فيها رسوم النجوم واشباهها والاشكال الصليبية والمربعات والفروع النباتية المحرفة عن الطبيعة والمرسومة بأسلوب هندسي اما الاطار فالغالب ان يكون متوسط العرض وان تكون زخرفته من رسوم هندسية تقلد الحروف الكوفية والوان رسوم هذه الطنافس عادة ما تكون صفراً وزرقاً على ارض حمراء وقد فقدت الرسوم النباتية فيها كل صلة للطبيعة فتعذر استبانة اصولها، الظاهر ان سجاجيد هو لباين كانت ذائعة جداً في اوربا خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي والنصف الاول من القرن السادس عشر فقد ظهرت رسومها في اللوحات الفنية التي خلفها بعض اعلام الفنانين في ذلك العصر ولا سيما هولباين الالماني ولورنزو ولوتو البندقي ويضاف هنا ان المتحاف الغربية والمجموعات الفنية الخاصة غنية بهذا النوع من الطنافس التركية ويظهر من رسومها في اللوحات الفنية الباقية ان نسجها تطور قليلاً فأنتهي في زخرفة الاطار الى فروع نباتية منطلقة او محبوسة في جامات، وفي القرن الحادي عشر الهجري وصل تطور الرسوم النباتية في هذه الطنافس بوجه عام الى ان شط بعدها عن الطبيعة حتى اصبح فهمها غير ميسور، ومعظم سجاجيد هولباين صغيرة تشبه سجاجيد الصلاة وثمة ضروب من الطنافس التركية تشبه سجاجيد هولباين في زخارفها الهندسية وان كانت تخالفها في اختيار الالوان او في سعة الاطار او في ازدحام الزخرفة ومساحة الموضوعات الزخرفية وفي هيئتها وترجع هذه الطنافس الى القرن العاشر والحادي عشر من الهجرة ولا يتأتى التمييز بين انواعها المختلفة الا للاختصاصيين الذين تدرب بصرهم على تقدير تلكم التحف الفنية والحكم عليها لان المرجع الاساس في فهمها ليس الوصف بل العين الدقيقة والخبرة الواسعة.
ومن السجاجيد التركية نوع يعرف بأسم الطنافس ذات الطيور وهو ضرب من السجاجيد زخارفه هندسية وارضه بيضاء وفي النادر قاتمة وفيه رسوم ازهار ووريدات ورسوم عربية ارابسك، محرفة عن الطبيعة، ويبدو بعضها احياناً كأنه رسم طير ذي رئسين في اتجاهين مختلفين. والواقع انها تشبه طنافس مدينة عشاق في بعض اساليبها الفنية ولا سيما رسوم الاطار ويعود عصرها الى القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة كما يظهر من تاريخ بعض اللوحات الفنية التي رسمت فيها.
وهنالك نوع آخر يعرف بأسم الزخرفة الصينية المسماة شنتا ما يني والتي تسمى احياناً زخرفة البرق والكور او زخرقه السحب والاقمار وذلك لان الرسم الذي يتكرر في ارض السجادة يتألف من ثلاثة كور على هيئة مثلث وتحتها خطان صغيران ضيقان فيهما قليل من التعرج واطارها متوسط العرض وفيه رسوم سحب صينية واوراق شجر وزهر او شبه كتابة كوفية وارض هذا النوع من الطنافس بيضاء ومساحتها كبيرة في الغالب، اما الطنافس التركية التي تنسب الى دمشق فالراجح انها من صناعة المناسج السلطانية التي انشأها سليمان القانوني في القسطنطينية ولكنها تنسب الى دمشق لان الزخارف التي تسودها هي عينها التي تعرفها في الخزف والقاشاني المنسوبين الى دمشق في القرن العاشر الهجري والذي كان بعضه في الاقل يصنع في آسيا الصغرى وقوام تلك الزخارف الفروع النباتية والمراوح النخيلية واوراق الشجر والاغصان والبراعم وازهار الخزامى والقرنقل والسوسن وارض تلك السجاجيد حمراء وموضوعاتها الزخرفة القريبة من اصول الطبيعة ولكنها مكررة ومرتبة في هيئة متكلفة وبعيدة عن الطبيعة ومع انها تأثرت بالاساليب الايرانية فأن لها طابعاً خاصاً وتبدو زخارفها الجميلة كأنها لوح من القاشاني بالالوان البهيجة والازهار الدقيقة مما عرفه الطراز التركي في القرنين العاشر والحادي عشر وثمة سجاجيد صلاة من النوع الذي نتحدث عنه الان وكذلك يطلقون اسم سجاجيد المائدة على نوع منه متوسط المساحة مربع الشكل ومن خروبه الاخرى المعروفة سجاجيد ليست رسوم النبات والازهار فيها بغالبة على ساحة السجادة بل تجد هذه الرسوم في جامة‌ او في صرة في وسطها وفي كل ربع جامة من اركانها الاربعة وفي الاطار كله اما سائر الساحة فقيه رسم مكرر قوامه نقطتان بينهما خطان متعرجان.
ومن السجاجيد التركية نوع ينسب الى ترانسلفانيا وهو يشبه سجاجيد عشاق في بعض نواحيه وهذه النسبة الى تلك البلاد انما كانت لشيوع هذه الطنافس التركية فيها فقد عثر على عدد كبير منها في كنائس المجر ورومانيا.
ويظهر التأثر بالزخارف الايرانية في هذا النوع من الطنافس ذلك ان قوام زخرفته في الغالب جامة في وسط ساحة السجادة‌ واربع جامات في اركانها وقد يحذف رسم الجامة واجزاءها من ساحة السجادة ويستبدل به رسم مشكاة، اما الاطار فمن مناطق مستطيلة بينها مناطق نجمية الشكل على النحو الذي عرفته بعض سجاجيد الصلاة المصنوعة في مدينة اوردس.
وفي الساحة الوسطى والاطار رسوم نباتية وزخارف عربية ارابسك محرفة عن الطبيعة ويعود هذا النوع الى القرن الحادي عشر والثاني عشر بعد الهجرة كما يتبين من اللوحات الفنية التي ترد فيها مرسومة ومن النصوص المؤرخة على بعض سجاجيده مسجلة تاريخ اهداءها الى احدى الكنائس في اقليم سانسلفانيا.
اما ابدع سجاجيد الصلاة ‌فهي من صناعة المناطق الجبلية بالاناضول في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بعد الهجرة وكثير منها دقيق النسج ، ارضه حمراء اوزرقاء او بيضاء ومساحتها صغيرة في اغلب الاحيان ويمتاز معظمها برسم يمثل محراباً في ارض السجادة وقد يكون المحراب ذا قوس واحد وله ثلاثة اقواس وقد تكون له اعمدة وربما حل محلها عصابتان او عصابات زخرفية رأسية وقد تتدلى من المحراب مشكاة وربما قام مقامها ابريق او غير ذلك، ورسوم المحاريب مختلفة فقيها ذو القوس المدبب وذو العقد الفارسي، ورسوم الاعمدة قد تتطور حتى تصبح سلاسل او اشرطة من الازهار والنباتات وتبدو كأنها تتدلى من المحراب بدلاً من ان تكون دعامة له، اما الاطار في تلك السجاجيد فمن عدة اشرطة رفيعة فيها رسوم ازهار ووريقات محرفة عن الطبيعة ومكررة في نظام دقيق ومعظم سجاجيد الصلاة التركية النفيسة ينسب الى مدينة كوردس اما مانأت زخارفه عن اصوله الطبيعية فينسب الى مدينة قولا ولاذيق وثمة مدن اخرى ينسب اليها بعض انواع هذه الطنافس، غير انه لا يمكن الاطمئنان كثيراً الى هذه التفرقة الاقليمية لان اساسها اسماء وضعها التجار بغير تدقيق ولا تمحيص.
النوع الذي يعزى الى كوردس او جوردس يكون المحراب فيه اصغر منه في سائر انواع السجاجيد ويرتكز على عمودين او اكثر او الرسوم فدقيقة والالوان شاحبة والنسج محكم محتبك والاطار ضيق وبينه وبين ارض السجادة عدة اشرطة رفيعة.
ولهذه الطنافس المنسوبة الى كوردس انواع كثيرة وحسبنا ان نشير الى بعضها، مثل الذي كان يهدى الى العرائس ويمتاز بأطاره الذي تبدو زخارفه كأنها مثلثات متجاورة تستقر على قاعدتها تارة وعلى احدى زواياها اخرى ومنها سجاجيد الصف التي كان افراد الاسرة الواحدة يصطفون عليها للصلاة وهي طويلة تحتوي على بضعة محاريب متجاورة، اما سجاجيد قولا او كولا فأقل احتباكاً في النسج ودقة في الرسم ولكنها اكثر توقداً في الالوان بيد ان الفرق ليس كبيراً بين سجاجيد كوردس وقولا ولكن المسافة بين عمودي المحراب في السجاجيد الاخيرة تزخرف غالباً برسوم ازهار ونباتات محورة عن الطبيعة، كذلك تمتاز سجاجيد كوردس بأن لها شريطاً فوق الساحة الوسطى وشريطاً تحتها في حين لا يوجد في سجاجيد قولاً غير شريط واحد فوق رسم المحراب، اما الاشرطة فهي اكثر عدداً في سجاجيد كوردس. ودمتم بألف خير والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة