البث المباشر

إبداعات العهد الفاطمي في فن العمارة الدينية

الخميس 24 يناير 2019 - 17:06 بتوقيت طهران

الحلقة 39

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. كان فن العمارة من اهم تجليات الفن الاسلامي التراثي في آفاقه المتعددة وقد شهد هذا الفن تطوراً ملحوظاً في العصور المختلفة، وفي بيئاته المتعددة التي امتدت في ثلاث من قارات العالم. ومن العصور المتميزة في طرازها العمراني العصر الفاطمي واهم ما بقي من عمائر هذا العصر الى الان الجامع الازهر وجامع الحاكم وجامع الاقمر وجامع الصالح طلائع فضلاً عن اسوار القاهرة‌ وبعض العمائر في شمال افريقية وجزيرة صقلية.
اما جامع المهدية‌ في افريقية فمن الوجة العمرانية كان سقف رواق القبلة فيه قائماً على اعمدة في حين كانت بوائكه قوامها عقود مدببة او محمولة على اكتاف ويمتاز ايضاً بباب فخم يجذب النظر. وبين الجوامع الفاطمية في القاهرة وجامع ابن طولون بعض اوجه الشبه، كما انها تشبه جامع سيدي عقبة، اي سيدي عقبة في بعض الظواهر العمرانية ولاسيما ما في بعضها من توسيع البلاطة الوسطى التي تؤدي الى المحراب في رواق القبلة، وامتازت هذه الجوامع بالعناية ‌بوجهاتها تميزاً واضحاً والجامع الازهر هو اول جامع انشأ في القاهرة‌ بناه القائد جوهر الصقلي بأسم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، وتمت عمارته سنة ۳٦۱ للهجرة، وقد زيد في مساحة المسجد حتى بلغت ضعف مساحته الاولى واضيف اليه زيادات جعلت اجزاءه المختلفة معرضاً للعمارة الاسلامية المصرية منذ العصر الفاطمي الى عصر الاسرة العلوية، واهم اجزاءه التي تعود الى العصر الفاطمي العقود التي تحيط بالصحن وعقود المجاز بالسقف العالي والعقود المرتفعة عن مستوى ارتفاع الايوان ويؤدي هذا المجاز الى المحراب القديم في ايوان القبلة، ومن الاجزاء الفاطمية ايضاً الزخارف والكتابات في المجاز وفي المحراب القديم، ثم بقايا الزخارف في الجدران القبلية والبحرية والشرقية وتشهد هذه الاجزاء بأن الجامع الازهر كان يضم كثيراً من العناصر العمرانية التي عرفت بجامع سيدي عقبة وفي جامع ابن طولون. اما جامع الحاكم فقد بدأ بتشييده سنة ۳۸۰ للهجرة على يد الخليفة الفاطمي العزيز بالله لكنه لم يتم الا في عصره ابنه الحاكم بأمر الله سنة ٤۰۳ للهجرة ويبدو هذا الجامع كأنه بني على مثال جامع ابن طولون فكلاهما مشيد بالاجر ماعدا المآذن فهي من الحجر وليس في رواق القبلة فيها مجاز ظاهر الى المحراب وعقودهما حدوية مدببة والصحن في كليهما تحيط به اربعة ايوانات اكبرها ايوان القبلة ويمتاز جامع الحاكم بأن على طرفيه وجهته البحرية مأذنتين من الحجر يتوسطهما المدخل وبأن هذا المدخل مشيد من الحجر وبارز عن الوجة وبأن الازار الجصي تحت السقف يشهد بما وصل اليه الفنانون في العصر الفاطمي من اتقان الزخارف النباتية والتوفيق في استعمال الكتابة الكوفية كعنصر زخرفي، وقد هدمت اجزاء من مأذنتي الجامع على الرغم من ان قاعدة هرمية بنيت حول قاعدة كل منهما لتدعيمهما وذلك منذ سنة ٤۰۱ للهجرة وقد سقطت ثمة المأذنتين بسبب زلزال سنة ۷۰۲ للهجرة واعيد بناء القبتين في السنة اللاحقة.
اما الجامع الاقمر فقد انشأه الخليفة الفاطمي الامر بأحكام الله سنة ٥۱۹ للهجرة ولعل ابدع ما في هذا المسجد الصغير انما هو جهته الغربية الحجرية الغنية بشتى انواع الزخرفة التي لم يبق منها الا نصفها الايسر ففيها حفايا تنتهي بطاقيات وعقود ومقرنصات واخرى بها عمد صغيرة بعضها حلزوني في جزءه العلوي، اما داخل المسجد فقوامه صحن مكشوب تحيط به اربعة ايوانات اكبرها ايوان القبلة.
واخر الجوامع التي شيدت في عصر الفاطميين هو جامع الصالح طلائع الذي تمت عمارته سنة ٥٥٥ للهجرة ومؤسسه هو الملك الصالح طلائع بن رزيك الوزير، وقد انشأ بالاسكندرية في نهاية العصر الفاطمي مدرستان اولاهما انشأها الوزير رضوان سنة ٥۳۲ للهجره وثانيتهما انشأها الوزير سيف الدين علي بن السالار قبل سنة ٥٤۸ للهجرة وتصميم المدرسة قوامه ايوانان او اربعة ايوانات معقودة ومتقابلة على هيئة صليب اكبرها ايوان المحراب واصغرها الايوانان الجانبييان وفي وسطها غالباً ما يكون صحناً مكشوفاً.
اما الاهم في العمائر المدينة التي خلفها الطراز الفاطمي كأسوار مدينة القاهرة والمعروف ان جيش جوهر الصقلي عسكر بعد دخوله الفسطاط سنة ۳٥۸ للهجرة في السهل الرملي الواقع شمالها وقيل ان هذا القائد اختط في الليلة التي تمت له فيها النصر موقع القصر الذي ازمع على تشييده واتخذ حول منازل الجند والموظفين والاتباع وجعل حول ذلك كله سوراً من اللبن، كان عرضه عدة اذرع، وسميت هذه الضاحية في البداية بالمنصورية وهو الاسم الذي كانت تحمله قبلها الضاحية التي اسسها خارج القيروان الخليفة الفاطمي المنصور بالله والد المعز التي كان يطلق على بابين من ابوابها اسم باب زويلة وباب الفتوح وهما الاسمان اللذان اطلقا ايضاً‌ على بابين من ابواب القاهرة ولم تعرف هذه الضاحية الجديدة بأسم القاهرة الا بعد اربع سنوات حين قدم المعز الى مصر سنة ۳٦۲ للهجرة.
وكان للسور الذي شيده جوهر باللبن سبعة ابواب، باب زويلة في الجنوب، وباب الفتوح وباب النصر في الشمال وباب القراطين الذي سمي فيما بعد بالباب المحروق في الشرق وباب الفرج وباب السعادة‌ في الغرب، ثم اضيف لهذه الابواب باب سابع بعد عامين من تأسيس القاهرة وهو باب القنطرة، وقد سمي بهذا الاسم لانه كان على مقربة من القنطرة التي اقيمت فوق الخليج لتصل بين المدينة وميناء النقس.
ومها يكن من امر فقد هدم السور فجدده بدر الجمالي وزير المستنصر سنة ٤۸۰ للهجرة وذكر المقريزي ان المهندسين الذين بنوا السور الجديد وابوابه الثلاثة الباقية حتى اليوم كانوا ثلاثة اخوة قدموا من مدينة الرها، ويمتاز هذا السور الذي ما تزال بعض اجزاءه قائمة بأنه من الحجر وبأن ابوابه التي نعرف منها اليوم باب النصر وباب زويلة كبيرة ذات عقود دائرية، ويحف بكل منها برجان عظيمان، هذا والملاحظ في عمارة سور القاهرة وابوابه الفاطمية انها متأثرة الى حد كبير بالاساليب الفنية البيزنطينية في سورية.
اما قصور الفاطميين فلا نعرف عنها الا ما جاء في كتب التاريخ والاثار والرحلات ولكن الحقائر التي جرت في قلعة بني حماد في المغرب الاوسط قد كشفت عن اطلال بعض القصور التي شادها امراء بني حماد وقد كانوا يحكمون بلاد الجزائر معترفين بسلطان الفاطميين مدة‌ من الزمن، ومن هذه الاطلال دار البحر وتمتاز بحوض ماء كبير يحف به صحن تطل عليه قاعة العرش، فضلاً عن عدد من الحجرات الصغيرة ومنها ايضاً قصر المنار واهم ما يلفت النظر فيه سطحه الخارجي المزين بتضليعات عريضة ثم بقاعة كبيرة عليها قبة وفيها حنيات سقوفها اسطوانية الشكل.
ونذكر هنا ان صقلية بعد ان فتحها المسلمون قد تأثرت بأساليبهم الفنية الى حد بعيد، وكانت عمائرها تشهد بأنها فرع من الطراز الفني الفاطمي وظل هذا التأثر ظاهراً حتى بعد زوال سلطان المسلمين عن صقلية، ومن العمائر التي شادها النورمنديون في هذه الجزيرة وتضم كثيراً من الظواهر العمرانية الاسلامية الكابلا بالاتينا وكنيسة المالتورانا وقصر العزيزة وقصر القبة، الكابلاد بالاتينا هي الكنيسة الصغيرة في القصر الملكي بمدينة باليرمو وقد بنيت سنة ۱۱۳۱ للميلاد. والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة