السلام عليكم ايها المستمعون الكرام ورحمة الله. كثر عدد المراكز الفنية في العصر الصفوي يوم كانت العاصمة تبريز فعمل فيها اعلام الحظاطين والمذهبين والمصورين والمجلدين واثر نشاطهم في ميادين اخرى فامتد نفوذهم الى تصميم الفسيفساء الخزفية التي كانت تزين جدران العمائر وقبابها، ثم نقل الشاه عباس مقر الحكم الى اصفهان في نهاية القرن العاشر الهجري وعني بتجميلها واقامة الطرق المعبدة فيها فأصبحت هذه المدينة من ازهر مدن الشرق على ان خلفاء الشاه عباس لم يلبثوا ان مالوا الى الاستبداد واللهو واستطاعت الدولة العثمانية ان تحتل اقليم العراق الذي كان تحت الحكم الصفوي الى سنة ۱۰٤۸ للهجرة، ثم استولى السلطان العثماني مراد الرابع على بغداد وضم بلاد العراق الى العثمانيين بعد ان قامت فيه على يد الايرانيين اضرحة فخمة لائمة اهل البيت (عليهم السلام)، واخذت عوامل الضعف تدب في الدولة الصفوية ثم ثار عليها الافغان في عهد الشاه حسين وهزموه سنة ۱۱۳٥ للهجرة وسقطت اصفهان بيدهم، فكان هذا الحادث ايذاناً بسقوط الصفويين وان كان بعض امراءهم ظلوا بعد ذلك يحكمون نحو عشر سنين في اقليم مازندران جنوبي بحر قزوين.
كانت العناية كبيرة ببناية الاضرحة في العصر الصفوي فتعددت اشكالها وانتشر في غرب ايران نوع قوامه ردهة يليها بناء طويل تعلوه قبة في حين ذاع في شرقها نوع آخر قوام بناء مثمن الشكل ومن العمائر المتميزة في طراز العصر الصفوي ضريح وجامع الشيخ صفي الدين الاردبيلي في اردبيل وقد بدأ في تشييده في نهاية القرن العاشر الهجري وتم في منتصف القرن التالي ويتألف هذا الضريح من مدخل ضخم تليه حديقة مستطيلة توصله الى المباني التي تحيط بفناء داخلي يقع الى يساره الجامع القديم وهو مثمن الشكل في ستة عشر عموداً من الخشب وفيه حنيات من النوافذ ولا محراب له وانما يقع مدخله في اتجاه القبلة والى يمين الفناء ضريح الشيخ صفي الدين وبجواره بهو من الاجر، في جانبه الايسر عقد كبير مدبب تعلوه حلية من المقرنصات وفي البهو عدد من النوافذ فوقها وتحتها زخارف من الفسيفساء الخزفية والى جانب الضريح بناء ذو قبة فوق عنق منخفض وهو قصر الصيني او البرسلين الذي شيد في القرن الحادي عشر لتحفظ فيه مجموعة الخزف التي يفخر بها الضريح وجدران هذا البناء مغطاة بخزانات خشبية فيها رفوف وطاقات مختلفة الشكل والحجم توضع فيها الاواني الخزفية الثمينة. ومن افخم المساجد الصفوية مسجد الشاه في اصفهان فهو يمتاز بأمتداده وضخامته وجمال تخطيطه وغنى زخارفه الداخلية. اما اضرحة الائمة من اهل البيت (عليهم السلام) في العراق فكلها من طراز العمائر الصفوية كما نشاهد في مدن النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء.
العمائر الدينية في العصر الصفوي كانت تحلى بالفسيفساء الخزفية ذات الالوان الجميلة ورسوم الازهار والفروع النباتية البديعة مما اكسبها طابعاً خاصاً تجلى فيه جمال الذوق والغرام بالفن والدراية بما للالوان الهادئة المؤتلفة من جاذبية، على ان الطراز الصفوي عني على الخصوص بالقصور وبتخطيط المدن وتشييد المرافق العامة، ويتجلى ذلك في اصفهان التي عمل الشاه عباس وخلفاءه على تجميلها بالعمائر الفخمة التي تحيط بميدانها المتوسط فضلاً عن الحدائق والاشجار المغروسة في الطرقات الطويلة المعبدة مما جعل تلك المدينة اية في الحسن والنظام. وكان اعلام المصورين فيما بين القرنين التاسع والحادي عشر بعد الهجرة يستعملون احياناً في زخرفة جدران القصور وسقوفها الصور والرسوم واستعملت المرايا والمنسوجات الثمينة في تزيين الجدران وصنعت النوافذ الصغيرة من الخشب او المعدن وزينت بالرسوم الهندسية وملئت من الخزف او الجص او الزجاج وقد وصل الصناع الفنانون في ايران الى الابداع في استعمال الزخارف الجصية في القصور والبيوت والى تلوينها بدقة وتنوع حتى عذت تشبه رسوم الصور والصفحات المذهبة في المخطوطات التي انتجها ذلك العصر المبدع.
وفي شرق ايران في البلاد الهندية، كان يقوم فن اسلامي آخر كان في عصر الصفويين هو فن الدولة المغولية الهندية التي حكمت الهند بين عامي ۹۳۳ و۱۲۷٥ للهجرة، نشأ في ظل هذه الاسرة الطراز الهندي الاسلامي وتأثرت الهند الاسلامية بالطرز الايرانية تأثراً كبيراً وامتازت العمارة الهندية الاسلامية بالاضرحة الضخمة واشهرها تاج محل الذي شاده الامبراطور شاه جهان لزوجته ممتاز محل ويقع في حديقة كبيرة على نهر جنة وعليه كسوة من المرمر يتباين لونها مع لون العمائر المجاورة لها، وهي من الحجر الرملي الاحمر. ويبدو التأثير الايراني في واجهة هذا الضريح اما شكل القبة وامالة الاركن وهيئة الابراج الاربعة والتفاصيل العمرانية والزخرفية داخل الضريح فعليها كلها الطابع الهندي الواضح. ومن العجيب ان في هذا الضريح دقة في النسب المعمارية وجمالاً في العناصر وفخامة في المظهر مما جعل بعض مؤرخي الفن من الاوربيين يظنون ان الذي اشرف على تصميمه وبناءه مهندس اوربي وكأن التوفيق بمثل هذا النجاح العمراني وقف على الاوروبيين.
اما المساجد الهندية في هذا الطراز فقد امتازت بمساحتها وبأنفصال اجزاءها بعضها عن البعض حتى يكاد ذلك ان يفقد شيئاً من الوحدة والتماسك، ومن اشهر تلك المساجد الجامع الكبير في بيجاور ويعود الى منتصف القرن العاشر الهجري وهو مكون من قاعدة كبرى عليها قبة كبيرة وحولها قباب صغيرة فوق اركان القاعة.
ويمتاز معظم المساجد الهندية بمدخلها الكبير الذي يبدو كأنه قائم بذاته وكان بعضها يشاد على ربوة منبسطة كما هي الحال في مسجد الجمعة بدهلي وهو مسجد عظيم الامتداد جميل النسب له مدخل كبير ذو ثلاث طبقات وردهة، تحف به منارتان رشيقتان وخلفهما حرم المسجد تعلوه قبة بصلية كبيرة تكتنفها قبتان اصغر منها قليلاً وبلاط هذا الحرم من الرخام الابيض والاسود وترجع الى عصر الامبراطور شاه جهان اعظم العمائر واحسنها ذوقاً وحسبنا ان الرحالة الالماني البرت مندلزلو الذي زار الهند سنة ۱٦۳۸ للميلاد قد اعجب بمدينة اجرا ولم تكن دهلي الجديدة قد شيدت بعد واشار الى نظافه طرقها واتساعها والى ان بعضها كان مغطى بالاغطية على الرغم من طوله وكتب ان كل انواع التجارة كان له شارع خاص به وان المدينة كانت تضم ثمانين خاناً للتجار الاغراب، كان معظمها ذا ثلاث طبقات وكان يتبع كلاً منها عدداً من المخازن والاصطبلات واحصى هذا الرحالة سبعين مسجداً كبيراً ونحو ثمانمئة حمام في المدينة، كما شاهد فيما وفي ضواحيها عدداً كبيراً من قصور الاعيان والراجات واعظمها القصور الامبراطورية المحصنة بخندق فوقه قنطرة متحركة. ثم شاد الامبراطور شاه جهان مدينة دهلي الجديدة او شاه جهان اباد وكانت هذه الضاحية الجميلة تبدو كأنها قلعة بسبب سورها الخارجي المرتفع ذي البرجين الكبيرين والبابين العظيمين المطلين على نهر جنة واقام الامبراطور قصره الفخم في هذه الضاحية وحوله سائر البيوت والقصور في المدينة على هيئة هلال، ومن ابدع اجزاء هذا القصر الديوان الخاص وله سقف منبسط على اكتاف مربعة وعقود مفصصة وكان الاقبال عظيماً في عصر الامبراطور اكبر على استعمال الحجر الرملي الاحمر في تشييد العمائر الكبيرة ثم فضل الفنانون بعد ذلك الالوان الهادئة نسبياً فغطيت الاحجار بطبقة من الجص المزخرف بالرسوم المنقوشة بالالوان فذاع في القرن الحادي عشر الهجري اسلوب جديد قوامه كسوة الجدران بالمرمر وانتشر النوافذ والاسيجة الدقيقة المصنوعة من المرمر المفرغ على نحو ما نرى في تاج محل وعرفت اساليب اخرى كتغطية الجدران لطبقة من المرمر المطعم بأحجار نفيسة كما في قاعة الاستقبال بقصر دهلي وكذلك رسم الموضوعات الزخرفية المختلفة بقطع من الزجاج المتعدد الالوان على ارض من الجص لكن الملاحظ ان الفنانين الهنود لن يقبلوا على كسوة الجدران بلوحات القاشاني. والسلام عليكم.
*******