البث المباشر

من خصوصيات الفن الاسلامي

الأربعاء 23 يناير 2019 - 11:05 بتوقيت طهران

الحلقة 10

السلام عليكم ايها المستمعون الكرام ورحمة الله. الفن الاسلامي في شتى انواعه وآثاره تراث له خصائصه ومزاياه وهو غني بالمعاني والايحاءات العميقة التي ينبغي للمسلم العصري وللفنان في العصر الاسلامي بوجه خاص ان يستلهمها في ابداعه من اجل ان يتصل اتصالاً واعياً بما ابدعته الروحية الاسلامية في تاريخها الطويل، ومن اجل ان لا ينقطع عن جذوره فتتلقفه متاهاة الاغتراب، على الفنان المسلم العصري اذن ان يستعد للوقوف ازاء هذا الفن قراءة واستيعاباً وتمثلاً روحياً وهذا الوقوف يتطلب استعداداً خاصاً ليفتح لنا الفن الاسلامي ابوابه وندخل في مدينته العجيبة، اول استعداد يتطلبه التفاعل مع هذا الفن ان نتعلم ايقاظ لغة العين إذ الفن الاسلامي يتوجه الى العين اولاً لتفهم مضامينه ودلالاته فهو فن بصيري بالدرجة الاولى وقد وقفنا ازاء هذه النقطة في موعد سابق.
وثاني هذه الاستعدادات هو ان نوحد بين مظاهر الفن الاسلامي في شتى تجلياته عمارة ورقشاً وخطاً ورسماً وحفراً وان نقرأ هذه المظاهر على انها تجليات لفن واحد ولفنان واحد، ان هذا التوحيد هو الشهادة الكبرى التي يقدمها هذا الفن وهو من اوضح خصائصه. ان التباعد في الزمان والمكان في ابداع مظاهر الفن الاسلامي ليدلنا على ما ينطوي عليه من وحدة اصيله لا سبيل الى اغفالها، كما ذكرنا في لقاء مضى ان الاستعداد الثالث الذي يقتضيه وقوفنا ازاء الفن الاسلامي لقراءته وفهمه واستلهامه فهو الجمع فيه بين الفن والدين، اي ان نكتشف الرابطة الصميمية بين الفن الاسلامي والدين الاسلامي.
الفن الاسلامي يتفرد بسمات خاصة من بين سائر الفنون الدينية التي عرفها تاريخ الفن، فكيف نفهم هذا التفرد الفني الديني الخاص؟ منذ البداية لم يأخذ الفن في علاقته بالدين وظيفة التبشير، او وظيفة الاعلام او وظيفة الشرح، اي انه لم يكن وسيلة مباشرة في خدمة الاهداف الدينية ومع هذا ليس في امكاننا ان نفصله عن الدين او ان نبعده عنه لحظة واحدة فمنذ تكوين اول اثري ديني اسلامي حضر الفن الاسلامي حضوره الاول وكان حضوراً شبه كامل ولم يبتعد فيما بعد عن الاسس والسمات والخصائص التي تجلت في الاعمال الفنية الاولى وكأنه جاء كاملاً منذ البداية وذلك امر مثير، ليس بالنسبة الى هذا الفن بل بالنسبة الى تاريخ الفنون التي عرفها تاريخ الحضارات القديمة والحديثة على السواء.
لم يكن الفن الاسلامي وسيلة مباشرة في خدمة الدين لان هذا الفن اخذ من الدين رؤيته الكبرى في فهم الغيب والشهادة معاً وفي فهم الانسان والحياة كذلك. ان الرؤية الدينية التي جاء بها الاسلام تشكل الموقف الجمالي الذي يصوره الفن الاسلامي ومن هنا تبدو الصلة بين الفن والدين صلة ايمانية، التوحيد العظيم الذي نادى به الاسلام ديناً يترجمه الفن الاسلامي الى لغة فنية مذهلة، حيث يتحول نداء التوحيد الى نظام شامل وفهم دقيق متماسك يحكم كل شيء في هذا الفن، الخط واللون والمساحة والعلاقة القائمة بينها وهذا التوحيد نظام كوني يتجلى في كل شيء وهو يجد تطبيقه في افق الفن من خلال نظام هندسي رياضي. ان الالف في الخط العربي هو الواحد الذي ينظم سائر الحروف بل منه تصدر سائر الحروف، الالف مقياس لكل الحروف في هيئتها وطولها وعرضها وانحناءها او دورانها، والعلاقة بين نقطة الدائرة ونقاط محيط هذه الدائرة تحكي على نحو تقريبي متنزل العلاقة بين الخالق تبارك وتعالى والعبد، الخالق العظيم مركز دائرة الغيب ومركز دائرة الوجود والانسان نقطة على محيط دائرة الوجود، يدور حول نقطة دائرة المركز التي من دونها لا وجود له ولا وجود للمحيط، اي العالم.
ثمة استعداد آخر لابد من توفره حين نريد ان نتأمل في الفن الاسلامي في شتى آثاره وادواره، هذا الاستعداد يتلخص في ان نحيي فينا من جديد بصيرة الذوق الذي يقرأ الانسان به ما هو وراء الحروف وما هو وراء الظاهر، انه النور الذي يقذفه الله تبارك وتعالى في القلب وهو الذي من شأنه ان يقيم الالفة او يقيم النفرة بين الانسان وصور العالم من حوله، ان الاصغاء الى هذا الذوق البصير هو الذي سيحول القراءة الى علاقة فلا يكون المتأمل للفن واقفاً ازاء عمل فني منفصل ومستقل بل يغدو هذا المتأمل كمن يرفع حجباً عن كنز خفي، لقد اكد جلال الدين الرومي ان المتأمل للفن الاسلامي بحاجة الى بصيرة لكي يفهم هذا الفن ويتذوقه، يقول الصورة الظاهرة انما هي «لكي تدرك الصورة الباطنة، والصورة الباطنة تتشكل من اجل ادراك صورة‌ باطنة اخرى على قدر نفاذ بصيرتك، انه لكي ننتقل من الصورة الى المعنى ازاء هذا الفن ولكي ننتقل من الدال الى المدلول لابد لنا من نفاذ البصيرة، لابد لنا من ذوق شفاف وملهم، ذلك ان المدلول مجرد والتجريد لغة للقلب ولهجة من لهجات الروح».
ان الذوق هنا هو الانضمام الى مسار النظام الخفي ووعي حركته واللحاق بالواحد المتجلي في صور مختلفة. وهنا لا يظل الشكل رمزاً لمعنى واحد بل يصير لغة تتضمن شتى المعاني او تلبس في كل مرة معنى جديداً، تلك هي القاعدة‌ التي يرددها لنا الفن الاسلامي في معانيه الكبرى، ففي الوقت الذي تنفصل فيه قطرة الماء عن الماء تشهد على الحياة وفي الوقت الذي تعكس فيه المرآة صورة الوجه تغدو كأنما هي الوجه، ثمة شوق ونحن في اواخر القرن العشرين الى وعي وذوق يقيم التوازن بين الوجه والمرآة وبين القطرة والماء.
ان التجريدية الحديثة لم تستطع ان تحدث هذا التوازن ولا ان تمد بين الشيئين رابطة توحيدية في حين استطاع الفن الاسلامي ان يفعل ذلك لانه عندما نفى‌ الغير فيما ابدع من آثار نفى نفسه ايضاً ولم يقيم صراعاً مكان هذا النمي فليس للفنان المسلم وجود متميز او حضور خاص في العمل الفني من جهة الخصوصية الفردية، فالعمل الفني يشهد على الذوق والاتقان والمهارة والعقل والقدرة كصفات انسانية عامة، اي كصفات هي عطية وهبة من الله تبارك وتعالى ولا يشهد على ان الفنان من جهة العواطف والمشاعر والمزاج والمعاناة والصفات الفردية المميزة من هنا فأن الفنان الذي نفى نفسه انما يكون قد توحد مع المنفي فصار هذا الوجود نفسه او العمل الفني نفسه بأعتباره جزءاً من الوجود، والوجود في الفهم الديني الاسلامي ان هو الا شاهد على الخالق جل جلاله ودليل على عظمته سبحانه والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة