البث المباشر

أثر الذهنية الاوروبية في اللوحات الاستشراقية

الأربعاء 23 يناير 2019 - 10:59 بتوقيت طهران

الحلقئ 7

السلام عليكم ايها الاعزاء ومرحباً بكم. للرسامين الفرنسيين في القرن التاسع عشر دور بارز من بين الاوربيين في رسم اللوحات الاستشراقية التي تصور الشرق الاسلامي على وفق ما تراه الذهنية الغربية او على طبق اهواء الغربيين الطامعين ومن هؤلاء الرسامين الفرنسيين الرسام العسكري اوراس فيرينيه، فما هي قصة فيرينيه هذا؟
القصة تبدأ منذ الاطماع الاستعمارية الفرنسية لابتلاع دولة الجزائر المسلمة في الشمال الافريقي، فالجزائر بلاد غنية واسعة يمكن ان تكون مورداً للكثير من المواد الاولية كما انها تصلح سوقاً لتصريف البضائع وقد ارسلت فرنسا حملتين لاحتلال الجزائر عام ۱٦۸۲ للميلاد وعام ۱٦۸۸ للميلاد فلن يتحقق ما اراد الفرنسيون وفي عام ۱۷۸۲ للميلاد اقترح قنصل فرنسا على حكومته احتلال الجزائر لاهميتها الاستراتيجية والاقتصادية وكرر اقتراحه عام ۱۷۹۱ للميلاد ونابليون نفسه راودته فكرة اتخاذ مالطة عام ۱۷۹۸ للميلاد منطلقاً للهجوم على شواطيء المغرب العربي كله لكن هزيمة ابي قير صرفته عن ذلك.
وبعد حوادث تاريخية يطول ذكرها حاصرت القوات الفرنسية الشواطي الجزائرية عام ۱۸۲۹ للميلاد ثم اعلنت فرنسا الحرب العدوانية على هذا البلد المسلم في الخامس والعشرين من ايار عام ۱۸۳۰ للميلاد وتمكنت من احتلاله في السنوات ما بين ۱۸۳۰ للميلاد و ۱۸٤٤ للميلاد وترافقت الحملة الفرنسية على الجزائر مع مناقشات حامية في البرلمان الفرنسي وترددت الحكومة كثيراً في اتخاذ القرار لما يستلزم من خسائر مادية وبشرية، من هنا كان قرار الاحتلال الجزئي لبعض مناطق الجزائر في باديء الامر ومن هنا كانت ايضاً التغييرات المتكررة للحكام فقد بلغت سبعة تغييرات في عشر سنوات وقد اعقب ذلك المقاومة‌ التي اعلنها عبد القادر الحسني الجزائري رحمه الله وما كان لها من انعكاسات سيئة على الجيش الفرنسي الذي لم يستطع بسط سيطرته الفعلية على المدن والمواقع الاستراتيجية الاعام ۱۸٤۸ للميلاد.
واتى قرار زرع المستعمرات الاوربية في الجزائر ليزيد الامر تعقيداً، ابتداءاً من عام ۱۸۳٤ للميلاد بين مؤيديه ومعارضيه وقد اورد المعارضون بعض النصوص المثيرة التي تبرز القلق المتزايد لدى المستوطنين الاوائل وخوفهم على مصيرهم منها العريضة التي وقعها مستوطنوا قرية بوفارق الجزائرية سنة ۱۸۳۸ للميلاد الى الحاكم العسكري الفرنسي قائلين فيها ان مساكننا معزولة وبعيدة عن بعضها، كل ليالينا نمضيها بالرعب، اما من اصوات الطلقات النارية‌ واما من الحرائق او من الصرخات اليائسة التي تطلقها بعض الضحايا، وفي كل صباح نتساءل من سرق البارحة؟ من اغتيل؟ ان الحامية الفرنسية لن تكفي، هذا الجو المشحون كان له صدى واسع في الصحافة الفرنسية مما حول الانظار تلقاء المشكلة الجزائرية فالاعمال العسكرية وما يسمى عظمة فرنسا عادت تغذي فحيلة الكتاب والرسامين بعد ان دغدتها الحملة الفرنسية على مصر.
وهكذا ابتداءاً من عام ۱۸۳۰ للميلاد بدأت المعارض الفنية السنوية تعرض لوحات مستوحاة من حرب الجزائر واستغل هذا الموضوع في البدء فنانون مغمورون لن يقدروا على التأثير في الجمهور الفرنسي إذ جاءت معظم لوحاتهم تكراراً باهتاً للمشاهد نفسها بعد ان تخيلوها نقلاً عن سرد بعض العسكريين للوقائع الحربية ومما زاد في تشويه هذه الوقائع وان وزير الحربية الفرنسية قد اصدر اوامر لبعض الرسامين بالانضمام الى فيالق الجيش لرسم البطولات والامجاد العسكرية بهدف التأثير في الجمهور الذي كان متأرجحاً بين الرفض والتأييد.
هنا يظهر اوراس فيرينيه الرسام العسكري الذي استطاع ان يخطى بأقبال عام عليه وان يترك اثراً في تاريخ الاستشراق الفني ينحدر فيرينيه من اسرة اشتهرت بالرسم، جده كان رساماً معروفاً في القرن الثامن عشر وكذا والده الذي ذاع صيته في رسم المعارك الحربية وكان مقرباً من كبار النبلاء، اما اوراس فيرينيه فأنه على الرغم من تأييد اسرته للملكية ناصر نابلئون ثم حدثت ثورة ۱۸۳۰ للميلاد لتحمل الى السلطة صديقه لويس فيليب وكان سهلاً على فيرينيه ان ينتقل من موقف سياسي الى آخر دونما ارتباط بأي مباديء او قيم ثابتة، بدأ هذا الرسام حياته برسم المعارك الحربية والمشاهد المأساوية متأثراً بالتيار الرومانسي ثم اوفدته الحكومة الفرنسية الى الجزائر بيد ان فيرينيه لن يستطع ان يضيف جديداً بل انه في نظر كثير من نقاد الفن في عصره رسام مخفق حتى ان بودلير رأى فيه موهبة فنية سلبية. اول لوحة رسمها عن الشرق كانت الحكواكي العربي، اتبعها بسلسلة لوحات ذات طابع ديني توراتي وعلى الرغم من كونه رساماً من الدرجة الثانية فقد انها لت عليه العروض الرسمية اذ طلب منه لويس فليب ان يزين قاعة رئيسة في المتحفة العسكرية التي استحدثها في فيرساي فأختار فيرينيه لهذا المشروع حوادث من احتلال الجزائر المسلمة راسماً ثلاث‌ لوحات هي حصار قسنطينة وقتال الحبرة ولوحته الضخمة الشهيرة استسلام قبيلة السيد عبد القادر الحسني التي بلغ طولها اكثر من واحد وعشرين متراً وقد اثارت هذه اللوحة التي عرضت عام ۱۸٤٥ للميلاد انتقادات حادة لحوادثها الملحمية وكأنما هي تمثل اكثر من معركة في لوحة واحدة الى جوار خلوها من الدقة والواقعية، واقتصر نتاج فيرنييه في المعارض السنوية على الموضوعات الشرقية تقريباً ومن لوحاته مقهى في قسنطينة وتاجر شرقي وعرب في الصحراء واستقبال المبعوث الفرنسي في المغرب والجيش الفرنسي يحتل موزايا وقد شغف فيرينيه بالاسفار فزار المغرب ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين حيث اوحت له المناظر العربية بمجموعة من اللوحات تجاوزت خمسمئة لوحة، لكنها لم تؤمن له الموقع المهم في فن الاستشراق ذلك انه بقدر ما كانت تنشر عليه الانعامات الرسمية الاستعمارية والاوسمة كان الجمهور يبتعد عنه والنقاد ينهالون عليه بالانتقاد والتجريح، حتى انه في نهاية ‌القرن التاسع عشر تحاشى الكثير من النقاد والكتاب ذكر اسمه وظل مغموراً طيلة القرن العشرين. والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة