بشهادة اغلب المؤرخين، لم تقدم الدولة السعودية على أمر ما في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والعسكرية والامنية، يمكن ان يستشف منه خدمة للعرب والمسلمين، فكانت بمثابة المعول الذي يعمل على هدم الجسدين العربي والاسلامي، ولا يحتاج المرء ان ينبش التاريخ ليقف على هذا الدور، الذي تجلى اليوم في التطابق الكامل للسياسة السعودية مع سياسة الكيان الاسرائيلي الغاصب للقدس.
فمنذ الثورة التي قادها الشريف حسين على الدول العثمانية، ومرورا بزرع الكيان الاسرائيلي في قلب العالم الاسلامي، وانتهاء بالعداء السافر لقوى التحرر العربي والاسلامي من جمال عبدالناصر والجمهورية الاسلامية في ايران وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة، كان للنظام السعودي في كل تلك المراحل "صولات وجولات" ومازال، لخدمة المخطط الغربي الصهيوني، وهو مخطط على النقيض تماما من مصالح العرب والمسلمين.
حتى الدين لم يسلم من النظام السعودي، فقد صدرت السعودية، بقوة المال ودعم الغرب، نسخة محرفة ومشوهة ودموية للاسلام، الى العالم، وتحولت هذه النسخة الى مطية استخدمها الغرب لتشويه الاسلام وتخريب وتدمير ديار العرب والمسلمين، والتي كانت اخر تطبيقاتها "داعش".
اليوم وبعد استنفاد النسخة المزورة للاسلام والمتمثلة بالوهابية اغراضها، بدأ الغرب بدفع النظام السعودي الى تبني نسخة مشوهة اخرى، وهي نسخة عنصرية لتقسيم المسلمين بين عرب وغير عرب، وترجيح الجانب القومي، طبعا وفقا لفهم ال سعود للقومية، على الجانب الاسلامي، وهي رؤية تبنتها السعودية وبشكل مريب في ظل حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ومن تجليات هذه السياسية السعودية الجديدة، هو التجاهل الكامل لقدسية ارض جزيرة العرب التي كانت مهد الاسلام، وخاصة مكة والمدينة، وذلك من خلال الترويج لنسخة عارية ومنفلته لما يسمى بالترفيه، حيث انفقت السعودية نحو 70 مليار دولار على حفلات المجون والخلاعة، في تأكيد واضح ليس على تجاهل قدسية مهبط الوحي، بل لمحاربته ايضا، واظهار هذه القدسية على انها كانت عائقا امام سعادة الناس.
بالتزامن مع الهدم الممنهج للتقاليد والعادات الاسلامية، وهنا لا نقصد بالتاكيد التقاليد والعادات الوهابية المقيتة، برز هناك توجها، لا يمكن وصفه بالقومي، فالقومية الانسانية والتحررية، كانت ومازالت اكبر عدو للنظام السعودي، بل توجها عنصريا، حيث بدأت السعودية بنبش تاريخ العرب ما قبل الاسلام لاستخراج ما يمكن استغلاله في بث الفرقة والبغضاء بين المسلمين، المسلمون الذين باتوا يهددون الوجود غير الشرعي لـ"اسرائيل"، وذلك من خلال استخدام سر قوتها الوحيدة وهو "المال"، لانتاج افلام، ليس القصد منها تمجيد العرب وتوحيدهم، بقدر تقسيمهم وتمزيقهم، وزرع الفتن بين المسلمين، فالمال السعودي لم ينفق يوما من اجل اعتلاء العرب وتطورهم وتوحدهم، بل لجعلهم بيادق بيد الامريكي والاسرائيلي.
اليوم يجري في مدينة نيوم السعودية تصوير فيلم "محارب الصحراء"، عن معركة "ذي قار" التي انتصر فيها العرب على الفرس، ورصدت له السعودية ميزانية فلكية وصلت الى نحو 150 مليون دولار، ويشارك فيه مجموعة من الممثلين العالميين والعرب، في مقدمهتم أنتوني ماكي، وأيضا الفنان السوري غسان مسعود الذي سيلعب دور الملك النعمان بن المنذر، وابنته هند التي تجسد شخصيتها الممثلة البريطانية-السعودية عائشة هارت، والممثل البريطاني بن كينغسلي في دور الشاه الساساني كسرى، والفيلم من إخراج المخرج البريطاني روبرت ويات.
الانظمة القائمة على عقيدة طائفية او عنصرية، لا يمكن ان تقدم على اي عمل، وخاصة لو كان فنيا، من اجل بعث القيم الاخلاقية والانسانية، او التغني بالامجاد القومية الانسانية، فمن حق اي شعب ان يتغني بامجاده، ولكن انظمة مثل النظام الصدامي البائد والنظام السعودي، لا يمكن ان يقدما على اي عمل فني، الا لهدف تخريبي وهدم ما تبقى من قيم عربية واسلامية وانسانية، فكلنا يتذكر فيلم "القادسية"، الذي جند له الطاغية صدام ، ميزانية ضخمة وجيوش من الممثلين العراقيين والعرب، لا لشيء الا من اجل العزف على الوتر القومي بنبرة عنصرية صارخة، بينما كان الدكتاتور يشن عدوانا مدمرا على الجمهورية الاسلامية الفتية، واللافت ان الفيلم فشل فشلا ذريعا، حتى داخل العراق.
استخدام "سلاح" الفن ليس جديدا، فاعداء الجمهورية الاسلامية في ايران ومحور المقاومة والقضية الفلسطينية، وفي مقدمة هؤلاء الصهيونية العالمية استخدموا هذا السلاح بكثافة، لاسيما بعد تراجع المحور الامريكي الاسرائيلي العربي الرجعي امام محور المقاومة، فكلما تعرض المحور الامريكي لصفعة، نرى ظهور افلام تحاول النيل من انتصارات محور المقاومة، كما هو حال فيلم "300" الامريكي الذي تجاوز في عنصريته فيلم "القادسية" الصدامي، ولا نعتقد ان يكون فيلم "محارب الصحراء " السعودي افضل حالا من الفيلمين السابقين.
الدعاية السعودية التي ترافق الفيلم، حالها حال الدعاية الصدامية التي رافقت فيلم" القادسية"، التي كانت تروج لقيادة الطاغية صدام للعرب "ضد الفرس"، فهي تحاول اظهار السعودية على انها ستوحد العرب "ضد الفرس" ايضا، ولكن فات السعودية ان المواطن العربي هو اذكى من ان يقع تحت تاثير دعايتها الصفراء، فالعرب الذي تريد السعودية توحيدهم، هم العرب المتصهينة وعرب التطبيع والعرب التي أدمنت اهانات وصفعات امريكا، اما عرب المقاومة والرافضين للهيمنة الامريكية والاحتلال الاسرائيلي، فليس للسعودية عليهم من سلطان.
الايرانيون او الفرس، الذين تستهدفهم الدعاية السعودية، والتي استهدفتهم الدعاية الصدامية من قبل، والتي مازالت تستهدفهم الدعاية الغربية والصهيونية، هم اليوم من اكثر شعوب العالم تمسكا بتعاليم الاسلام، وفي مقدمتها نصرة المظلومين والدفاع عنهم في وجه الظالمين، لذلك نراهم اليوم اكثر شعوب العالم دفاعا عن فلسطين، وقدموا الغالي والنفيس على هذا الطريق، ولهذا السبب بالذات هم مستهدفون من قبل الصهيونية العالمية واذيالها من الرجعية العربية، وان الايرانيين يفتخرون عندما تعتبرهم الصهيونية العالمية، اكبر خطر يهدد وجودهم، والعار كل العار للعرب المطبعين، ورافعي لواء العروبة الامريكية والصهيونية.
اخيرا، ننقل رأي احد المؤرخين الذين اعترضوا على عنوان الفيلم السعودي "محارب الصحراء"، فهو عنوان تحاول السعودية من خلاله الصاق انتصارات الاخرين بها وبصحاريها وبـ"عاصفتها" البائسة على اليمن، فعلى حد تعبير هذا المؤرخ، ان القبائل التي قاتلت الفرس آنذاك كانت من جنوب العراق، حيث الاشجار والثمار والمدن العامرة، ولم يكونوا محاربين من الصحراء، فهم كانوا من اهالي جنوب العراق الذين تسميهم السعودية والرجعية العربية اليوم فُرساً، ويتفنن "عرب السعودية"! اليوم، بقتلهم بحجة انهم "روافض".
موقه العالم الاخباري