ويلقي هذا الوضع بظلاله على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص كونها تنتج وتستهلك قدرا كبيرا للغاية من الوقود الأحفوري المسبب للانبعاثات الكربونية التي تؤدي بدورها إلى تغير المناخ.
ووصف تقرير أممي أعدته لجنة علمية تابعة للأمم المتحدة التغيرات التي حدثت للمناخ بأنها «غير مسبوقة» معتبراً أن المسؤول عن تغيرات المناخ بشكل «مؤكد» هم البشر، ودعا إلى إجراء تخفيضات جذرية في الانبعاثات من أجل الحفاظ على درجة الحرارة العالمية أقل من الحدود التي نصت عليها «اتفاقية باريس للمناخ» التي تم التوصل إليها عام 2015.
وجاء في التقرير الصادر يوم الإثنين الماضي عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» أن «نطاق التغيرات الأخيرة في جوانب النظام المناخي ككل والحالة الراهنة للعديد من جوانب النظام المناخي غير مسبوقة منذ قرون أو عدة آلاف من السنين».
وأكد واضعو التقرير أنه في ضوء الأدلة المتاحة، فإن لديهم «ثقة عالية» في أن تركيزات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت أعلى في عام 2019 مما كانت عليه في أي مرحلة خلال مليوني عام على الأقل، كما أن درجة حرارة سطح الأرض «ارتفعت منذ عام 1970 بشكل أسرع مقارنة بأي 50 عاما أخرى خلال الألفي عام الماضية على الأقل».
وقام 234 خبيراً من 66 دولة بكتابة التقرير الذي يعد الأكثر شمولا الذي تصدره اللجنة التابعة للأمم المتحدة منذ عام .2013
وأوضح التقرير أن العديد من آثار تغير المناخ لم يعد من الممكن تجنبها أمس.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل الأمريكي جون الترمان، نائب رئيس «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» ومدير برنامج الشرق الأوسط ومدير كرسي بريجنسكي للأمن العالمي والإستراتيجي، إنه لا توجد منطقة في العالم أكثر انغماساً في عواقب تغير المناخ العالمي من الشرق الأوسط.
وتمثل المنطقة نحو 30% من الإنتاج العالمي للنفط، وتعتبر عائدات النفط قاطرة الإيرادات الحكومية في المنطقة، إما لأن الدول تنتج النفط، أو لأن الدول تنتج قوة عاملة تعمل في البلدان المصدرة للنفط وترسل الأموال إلى وطنها.
وبسبب عائدات النفط، تستطيع حكومات الشرق الأوسط توظيف أعداد كبيرة من سكانها، وهي تفعل ذلك. ومع تحول العالم عن النفط كمصدر للطاقة، فإن اقتصاديات الشرق الأوسط سوف تتغير بشكل عميق.
ويضيف ألترمان في تقرير حديث أنه في الوقت نفسه، فإن الشرق الأوسط عرضة لعواقب تغير المناخ. فالمنطقة بالفعل فقيرة بشدة في المياه، حيث أن في الشرق الأوسط تسع دول من الدول العشرة الأكثر فقراً بالنسبة للمياه. فالجفاف يدفع المزارعين بعيدا عن أراضيهم، والمدن الساحلية العديدة في المنطقة مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة في الصيف يتضافر بشكل متزايد مع الرطوبة لتعريض بقاء الإنسان للخطر.
وبالتالي فإن الشرق الأوسط متأصل في جانبي قضية تغير المناخ. ومع تغير أنماط الاستهلاك العالمي، سوف يتغير الشرق الأوسط تغيراً عميقا. ومع تغير المناخ، سيتغير الشرق الأوسط تغيرا عميقا أيضا.
ويضيف أن استهلاك البلدان النامية للطاقة يرتفع ارتفاعاً حاداً مع زيادة الدخول، ومن المرجح أن تعتمد على المعدات والتكنولوجيا القائمة لفترة أطول.
وفي حين يستطيع الأثرياء إنفاق الآلاف على المنتجات الخضراء، فإن النفط والغاز سيظلان بالنسبة للكثير من سكان العالم الوقود المتاح بأسعار معقولة.
ولكن حكومات الشرق الأوسط قد لا تكون مستعدة لخفض إنتاجها من النفط. ومن شأن الانخفاض المستمر في الاستهلاك العالمي، مهما كان صغيرا، أن يضغط على دول في المنطقة لزيادة الإنتاج في محاولة لطرد المنتجين الأعلى تكلفة من السوق وضمان عدم تركهم مع براميل أقل قيمة في الأرض عندما ينخفض الاستهلاك أكثر.
ويقول الترمان إن الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط كانت تستعد لعالم ما بعد النفط لسنوات، لكنها لا تزال بعيدة عن أهدافها. وفي دول إقليمية، ستكون هناك حاجة لسنوات ليتم الانتقال من واقع العمال ذوي الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة الذين يدعمون جهود العمال ذوي الإنتاجية المنخفضة، والأجور العالية.
ويختتم الترمان تقريره بالقول أن التحول في مجال الطاقة سيكون مهماً لأكثر من مجرد الشرق الأوسط. فأمن الطاقة هو المحرك للكثير من استثمارات الصين الأخيرة في المنطقة. فإذا قررت الحكومة الصينية أن أمن الطاقة لديها مستمد من مناجم الفحم في إفريقيا وليس من آبار النفط في الشرق الأوسط، فينبغي لنا أن نتوقع تحول الاهتمـام ورأس المال الصينـيين.
كذلك فإذا كان هناك دور أكثر ديمومة للنفط والغاز في صورة الطاقة العالمية، فمن الممكن المزيد من التنافس بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الإقليمي.
وأخيرا، من الممكن أن تبتعد الدول الغربية عن الهيدروكربونات لأسباب بيئية، في حين تظل الصين والعالم النامي مكرسين لها لأسباب اقتصادية. وقد يتجلى ذلك تقريبا في تخلي الولايات المتحدة عن دورها المستقبلي في الشرق الأوسط، مع اقتناص الصين الكثير من جوانب هذا التراخي.