البث المباشر

من جماليات مشاعر الابوة والنبوة في ملحمة عاشوراء

السبت 28 سبتمبر 2019 - 11:19 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ما رايت الا جميلا: الحلقة 14

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
للمشاعر الإنسانية الفطرية جمالية سامية تأسر القلوب بمقدار نقائها وتفجيرها لينابيع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
ومن هذه المشاعر مشاعر الأبوة تجاه الأولاد التي يتألق جمالها أكثر وأكثر كلما كان الأولاد أجمل فعالاً وأعظم براً وأزكى أخلاقاً، فكيف تكون جمالية تجلي مشاعر الأبوة عند فقدهم إذا كانوا أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسول الله – صلى الله عليه وآله-؟
نستجلي معاً هذه الجمالية وغيرها من أسمى وأجمل قيم السماء ونحن نتأمل في المشهدين الذين إخترناهما للقاء اليوم من برنامجكم: ما رأيت إلا جميلا.
نتوقف أيها الأفاضل، أولاً عند مشهد الحسين الأب عند خروج ولده علي الأكبر لمجاهدة البغاء ثم عند إستشهاده – صلوات الله عليه وعلى أبيه -: هذا الولد البار ليس كسائر الأولاد، إنه مذّكر أهل بيت النبوة بعميدهم المصطفى، فقد كانوا إشتاقوا له – صلى الله عليه وآله – نظروا الى سليله علي الأكبر..
وهو الفتى المحمدي الغيور الذي قال لوالده يوم أخبره بأنهم يسيرون الى مصارعهم قال: أولسنا على الحق؟ إذن نمضي ولا نبالي.
هذا الإبن الحبيب يقدمه والده الحسين – صلوات الله عليه – الى مصرعه في سبيل حبه الأكبر والأعلى تبارك وتعالى ومشاعر الأبوة المتفجرة تتدفق في جمالية تهز الوجدان وهي تمتزج بروح التسليم والرضا بقضاء الرب الحبيب – تبارك وتعالى – تحت عنوان (جمال الأبوة في عاشوراء) يقول سماحة السيد نبيل الموسوي في كتابه (الجمال في عاشوراء): ذكر المؤرخون وأصحاب تدوين مقتل الإمام الحسين عليه السلام، الحالة التي كان عليها الإمام الحسين عليه السلام عند خروج ولده علي الأكبر عليه السلام، بوصف فاق كل تصور عن الحس الوجداني لهذه اللحظات!
ومن يملك مثل وجدان المعصوم وعاطفته الأبوية؟!
وصف بدا فيه الجمال يزهو ويتسامى كتسامي صاحبه، وعلو نفسه، ولكن أي جمال هو الذي بدا على الحسين عليه السلام وهو الوالد عند خروج ولده للموت؟!
إنه جمال الحزن في عين أب لم يجد في قواه ما يعينه على حبس الدمع، فانهدر كحبات لؤلؤ منظوم بآهات وزفرات لوالد مفجوع، فهوت على صدره، كعقد لا للتزين صنع؛ ولكن ليسند القلب في دقاته. فقد كاد يقف مع آهاته ليرافق الإبن في خطواته.
منادياً: بني علي، القلب أنت في نبضاته.. بني قلبي تسجى مذ بدا منك الخروج للخصم وملاقاته.
آه، ثم ألف آه، وألف؛ على شبيه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كيف للترب أن يعلو وجناته؟!
جمال ما بعده جمال بدا على والد مفجوع.. جمال لا يراه إلا من كان إنساناً في محتواه.
ولذلك وصف أصحاب المقاتل حال الحسين عليه السلام بهذه الكلمات المؤلمة عند خروج علي الأكبر عليه السلام: "لم يتمالك الحسين عليه السلام دون أن أرخى عينيه بالدموع وصاح بعمر بن سعد: مالك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سلط عليك من يذبحك على فراشك.
ثم رفع شيبته المقدسة نحو السماء، وقال: اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك خلقاً وخلقاً ومنطقاً وكنا إذا اشتقنا الى رؤية نبيك نظرنا إليه، اللهم فامنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاء عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا، ثم تلا قوله تعالى:
"إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ{۳۳} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{۳٤}"(سورة آل عمران)
نعم مستمعينا الأفاضل، إن مما يضاعف جمالية مشاعر الأبوة الحسينية المفجوعة هذه جمالية الموعظة الخالدة التي إشتملت عبارات سيد الشهداء ودعائه وتأبينه لولده ومهجة قلبه علي الأكبر – صلوات الله عليه وعلى آبائه – فهي عبارات تعرف الأجيال بمقام هذا الشهيد العظيم فهو من الذرية الطيبة التي اصطفاها الله عزوجل لتكون ينابيع لنشر فيضه ورحماته وبركاته على العباد.. وهذه المعرفة تفجر في القلوب ألف آه وآه على فقدان مثل هذا الشهيد العظيم والمبارك المذكر بالمبعوث رحمة للعالمين – صلى الله عليه وآله الطيبين -..
أيها الإخوة والأخوات.. وقد تجلت هذه الجمالية الفريدة لمشاعر الأبوة في موقف الحسين – عليه السلام – عند مصرع الفتى المحمدي الثاني ابن أخيه القاسم بن الحسن المجتبى – صلوات الله عليهما -، وقد نتناول جماليات هذا الموقف الحسيني في لقاء آخر، أما هنا فنسرح مع تأملات سماحة السيد نبيل الحسيني وهو يستجلي جماليات نمط من الشجاعة الفريدة جلاها للأجيال فتى الحسن المجتبى وهو يذكر العالمين بمصداق لطيف لسيرة الإمام المرتضى سيد الوصيين – صلوات الله عليه – ويجسد أصدق مشاعر النبوة الزاكية لعمد الإمام الحق، يقول السيد نبيل الحسيني في كتابه (الجمال في عاشوراء):
من الطبيعي أن يتصف الفرسان الذين خبروا الحرب وعاشوا معتركها وواكبوا خطوبها بالشجاعة وبكبر النفس عند الأهوال؛ لأن هؤلاء الفرسان قد تأهلوا لحمل الأمور العظام حتى استخفوها.
ولكن أن ترى غلاماً لم يبلغ الحلم يحمل من الشجاعة، وكبر النفس بمستوى ندر أن يقوم به الفرسان! فهذا هو الجمال بعينه، وهذه هي النفس الكبيرة التي احتضنها القاسم بين جنبيه لتتجلى أول ملامح جمالها حين خرج الى المعركة فارتجز قائلاً:

إن تنكروني فأنا نجل الحسن

سبط النبي المصطفى المؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن


فكان هذا الصوت المدوي يسير جنباً الى جنب مع صارمه الذي يضربهم به، فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلاً ليظهر للتأريخ ثاني ملامح جمال شجاعته، حينما أطرق مسامع أعدائه بهذا الصوت المحمدي.
حتى إذا وقف ليشد شسع نعله الذي انقطع وهو يقاتلهم غير آبه مما حوله من العسكر فكبر نفسه أعظم من هذه الجيوش ورياطة جأشه أصلب من صحائف السيوف التي بدت في ناظره أهون من شسع نعله المقطوع، ولذا انحنى يصلحه وهذا هو السبب الأول.
وثانياً؛ لعيد الى الأذهان المعنى الذي قدمه أميرالمؤمنين عليه السلام في تقييمه للخلافة – التي تكالب عليها البعض – واستهانته بها. قال عبدالله بن العباس: دخلت على أميرالمؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي:
ما قيمة هذه النعل؟
فقلت: لا قيمة لها. قال:
والله هي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.
فكان انحناء القاسم لإصلاح نعله في المعركة هو تجسيداً لهذا المعنى، أي أن هذه الخلافة التي تقتلون من أجلها أولاد الأنبياء هي عندنا أهون من شسع هذا النعل المقطوع.
ولذلك علموا مقصود فعله وفهموا فحوى عمله فاستشاطوا غيظاً وعزموا على إثكال عمه الحسين عليه السلام فانعطف عليه من لا يجد في غير ظهور الفرسان فرصة للقتل فضربه على رأسه.
لكن الغادر لم يستطع بشفير سيفه أن يمحو ملامح جمال شجاعة القاسم حين هوى على صعيد كربلاء يرسم بدمه مشهداً من مشاهد العزة والحياة. مشهداً زخر بالقيم الإنسانية والفضائل الأخلاقية التي تجلت في ساحة الطف فكان من بينها جمال الشجاعة وكبر النفس الذي تجاوز حد الخيال حين نحر غلام لم يبلغ الحلم وهو يدافع عن قيم السماء.
نشكر لكم أيها الأطائب طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا، لكم دوماً أجمل الدعوات من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة