البث المباشر

ليلة الثقفية أم علي الاكبر(ع)

الأربعاء 26 يونيو 2019 - 08:59 بتوقيت طهران
ليلة الثقفية أم علي الاكبر(ع)

واعظم ما يشجي الغيور حرائر

تضام ... وحاميها الوحيد مقيد

فمن موثق يشكو التشدد من يد

وموثقة تبكي فتلطمها اليد

كأن رسول الله قال لقومه

خذوا وتركم من عترتي وتشددوا

كان من المشيئة الالهية الحكيمة، ان يصطحب الامام الحسين عليه السلام وهو الولي العارف اسرته المكرمة الى كربلاء، وكان في تلك الاسرة الشريفة اخواته وبناته وزوجاته، وجمع من النسوة الطاهرات من زوجات اصحابه الاوفياء، ليرى الجميع تلك المشاهد العاشورائية الاليمة، فينقلوها الى الناس ثم الى الاجيال كما وصلتنا نحن وكما ستصل الى الامم القادمة من البشرية، وليتحملوا ذلك العناء المرير فتعرف هذه الامة ان المتسلطين على رقابهم من بني امية قوم لم يسلموا ابداً، بل لم تبرد قلوبهم الجاهلية من الحقد على الرسول والرسالة، فترقبوا حتى جاءت واقعة كربلاء فكشفت اقنعتهم وسقطت لتظهر تلك الوجوه الكالحة التي تقرأ في قسماتها نزعات الحمية، حمية الجاهلية الاولى، فيهجم القوم على آل الرسول قتلاً وتمثيلاً، وسلباً ونهباً، واسراً وسبياً، وكان من بين السبايا امرأة جليلة من بني ثقيف، تلك هي ليلى بنت ابي مرة عروة بن مسعود، الثقفية، زوجة الامام الحسين وام ولده علي الاكبر.
كانت ليلى الثقفية رضوان الله عليها امرأة عظيمة المنزلة، شاركت آل البيت احزانهم، اذ نالت من الايمان والحظوة عند الله تبارك وتعالى حتى وفقت لان تكون مع نساء أهل بيت النبوة، تعيش في ظلالهم، وتشاطرهم شؤون حياتهم فعرفت بالرشد والجلالة والسمو وعلو المكانة ورفعة الشرف، وكيف لا وقد اقترنت بسيد شباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه سبط المصطفى وثمرة فؤاد الصديقة الزهراء وحبيب المرتضى.
ثم كانت ليلى الثقفية وعاءً طاهراً وحجراً زاكياً لعلي الاكبر فلذة كبد الحسين، عكفت عليه تغذيه من طيبها وحنانها وحنوها حتى نشأ غلاماً يافعاً يدرج بين يدي ابيه وامامه الحسين سلام الله عليه يعاضده ويطيعه ويسلم له، حتى نال من ابيه دعوة مباركة اذ قال له جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده، ثم قرأ عليه السلام قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم).
عاشت ليلى الثقفية في اجواء بيت الرسالة، وهي صابرة محتسبة، تتحمل مع آل البيت ما وقع عليهم من الوان الاسى والظلم، حتى اذا اعد الامام الحسين صلوات الله عليه رحله الى ارض الشهادة في طف كربلاء، نضهت ليلى ام علي الاكب هي الارض مع ولدها تجهز عدة السفر المرير الذي ستعيش فيه نكبات فقد الاحبة، ثم آلام السبى والاسر الممض.
فواصلت رحلتها تعضد زوجها بذلك الوفاء المخلص، وهي تراع امامها المطاع، تواكبه وتخضع بين يديه، وكم خفق قلبها في مواقف عصيبة، كان منها حين برز مهجة قلبها ولدها علي الاكبر الى ميدان القتال، وهو مرآة الجمال النبوي، اشبه الناس بجده المصطفى خلقاً وخلقاً ومنطقاً، حتى اذا اشتاق المشتاقون الى رسول الله نظروا الى وجه علي الاكبر، فلما اراد توديع اخواته وعماته تعلقن باذياله وهن يقلن له ارحم غربتنا يا علي، وامه ليلى حائرة تودعه بعينين مغرورقتين، ولا تكاد تستطيع ان تراه بين الاعداء، فتدخل الخيمة وتضرع الى الله تعالى بالدعاء له، وتنظر في وجه الحسين لتقرأ في محياه المبارك علامات لعلها تفهم منها سلامة ولدها، فتراه لم يتمالك دون ان يرخي عينيه بالدموع، وتسمعه يدعو على قتلة ولده، وتشاهده يبكي على ظمأ حبيبه وليس لديه ما يسقيه.
واخيراً تراه يهرع الى ولده ينكب عليه واضعاً خده على خده وهو يقول له على الدنيا بعدك العفا، ثم لا يقوى على حمله، فيدعو فتيان بني هاشم الى نقله الى خيمته، وليلى تمنعها مهابة الحسين ان تصرخ، فتلوذ وراء الخيمة، حتى اذا فزعن بنات الوحي الى البدن المقطع المضرج الموزع، القت اليلى نفسها على ولدها علي الاكبر وغصت بالنحيب وقد احاطت بها العقيلة زينب ام كلثوم، وسكينة وفاطمة ابنتا الحسين اخوات علي، وجمع نساء آل البيت صارخات نادبات والحسين يقول لهن: ان البكاء امامكن!
تلك هي ليلى الثقفية، امرأة طاب منبتها، وقد استمدت كرامتها من ايمانها وولايتها وانتسابها للاسرة المحمدية الشريفة، وارتباطها بوشائج الامامة الحميمة، حتى انغمرت في آل البيت مخلصة وفية محبة صادقة، تتحمل معهم المصائب والنوائب، وتعيش معهم الفجائع والاحزان، فتفقد ولدها الطيب علياً الاكبر، ثم تفجع بزوجها سيد الشهداء، وتمضي في مسيرة السبي الاليم، لتقضي بعد ذلك عمراً في لواعج الحزن واشجاب ذكريات كربلاء افمثل هذه المرأة الكريمة تؤسر، وتساق في ركب السبا؟!

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة