البث المباشر

قصيدة هو قلب زينب- القسم الأول

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:38 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- يوم الحسين: الحلقة 12

سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته..
تقبل الله أعمالكم وأنتم تعظمون أقدس شعائره القدسية شعائر سيد الشهداء الحسين صلوات الله عليه..
أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج...
أيها الأكارم.. يوم الحسين هو يوم زينب هو يوم الحسين عليهما السلام فلا يمكن معرفة خصائص الحسين المعرفة الكاملة إلا بمعرفة الخصائص الزينبية.. وهذا هو ما تضمنته قصيدة زينبية طويلة كتب عنها أستاذنا الأديب الحاج إبراهيم رفاعة فقال حفظه الله:
لعل غياب إسم شاعر قصيدة هو قلب زينب – زاده الله نوراً وبصيرة ولاء – كان على تعمد منه. وإنما أخفى إسمه من هذه القصيدة الرائعة – فيما يبدو – ليكون المشهد الزينبي فيها خالصاً للصديقة زينب، لا يشغل القارئ عنه حتى إسم الشاعر.
وهذه الكلمات المدونة حول القصيدة ليست شرحاً للقصيدة، إنها مجرد مفاتيح يفتح بها القارئ أو المستمع أبواباً يلج منها الى الفهم والتذوق وملامسة شرفات الجمال.
إنه ليس بالفهم وحده تتفتح أزاهير قلب الإنسان، لابد من التذوق الذي يعلو على الفهم، رؤية الوردة من مسافة وإدراك أنها وردة.. شيء والإقتراب منها واستنشاق شذا عطرها المنعش شيء آخر ولاريب، لابد من الدنو أكثر، لينشرح الصدر تذوقاً للعبير البواح، إن إنشراح الصدر هيبة علوية تهبط على الإنسان من فوق.
القصيدة الميمية الطويلة كلها في عقيلة الهاشميين، من ذا الذي يعرف عقيلة الهاشميين معرفة حقيقة كما هي الحقيقة؟! هذا مما لا يكون إلا إذا شاءت هي – سلام الله عليها – أن تعرف الصادقين في ولائهم بقدر ما تريد.
ما نعرفه عنها – صلوات الله عليها – إنما هو رشح قطرات ماء ترشح علينا من سحابة قدس علياء ما لها من حدود، قطرات ماء كافية لتغمرنا غمراً وتسلمنا الى حيرة من معرفة أسرار أخت الحسين.. الحاملة على كاهلها عظمة أهل البيت وعظمة كربلاء.
إنها كأبيها علي أمير المؤمنين وسيد الموحدين، سأله صاحبه كميل بن زياد ليلة أن يكشف له عن سر "الحقيقة" قال له علي سلام الله عليه: ما لك والحقيقة؟ ولعل كميلاً فوجئ بهذا الجواب القاطع العلي، قال لسيده أمير المؤمنين: أولست صاحب سرك؟! أجابه عليه السلام: بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني.
الصورة كالصورة، وزينب المعظمة المتفردة هي كأبيها الممسوس في ذات الله علي.
وها نحن مع رشح معنىً من الصديقة زينب، لكنه رشح هذه المرة جديد، لم نره فيما قيل وكتب – شعراً أو غير شعر – من قبل لأول مرة نرى هذه الصورة بجلائها النضاح جمالاً وجلالاً وكمال توحيد.
فرصة هي أندر من النادرة لنتعرف على أفق وزينبي يملأنا معرفة ومحبة وقرباً من هذه الآية الإلهية الناطقة في بنت علي وفاطمة وشقيقة الحسن والحسين، إنها كبرى زينبات آل محمد.. وما أدراك ما كبرى الزينبات!
الهيكل الذي قامت به القصيدة هو محاورة واقعية في الغيب.. في أنوار أفق علوي متصل بأحباء الله محمد وآله، لكن من خلال جلوة في مرآة العقيلة بنت أمير المؤمنين.
المحاورة التي تفيض دفء ربانياً حميماً.. هي محاورة بين الله تبارك وتعالى، والبلاء بوصفه كائناً متجسداً ناطقاً، والصديقة زينب كعبة التجلد والصبر.
بداية القصيدة الزينبية هذه غير معهودة في شعر الشعراء، وهي في الوقت نفسه رائعة روعة بمعنى الزينبي الذي نشهده لأول مرة طافحة به موجات النور في هذه القصيدة التي نبدو كأنها إلهام:

سجد البلاء لزينب مستسلماً

ولصبرها ألقى القياد وأسلما


لطالما قال الناس عن الصبر – وما يزالون يقولون – إن الصبر مر، هذا من بني آدم إجماع أو كالإجماع لكن إبنة علي وفاطمة – وقد كابدت البلايا من أشد الألوان وذاقت المحن من أشق الأنواع – ما كان مذاق الصبر في ذائقتها مراً كما يقولون، لقد استحلت الصبر، فتحلت به حلية وزينة! وإنها – وأهل بيتها من آل محمد -لمنفردون عن الناس كلهم في هذه المزية ولها – سلام الله عليها – تفرد الفرادة، واختصاص أخص.
للصبر – كما لكل خصلة جمال أخرى – غاية قصوى ينتهي إليها ما بعدها غاية، وللصبر منبع في الوجود يستمد منه لا منبع أعظم منه، هذه الغاية القصوى والمنبع الوجودي الأعظم للصبر ولخصال الكمال جميعلً.. هي صفات الله عزوجل ومظاهر حسنى أسمائه المكنونة.
ولا غرو، فالصبر المطلق الذي تألق زينة لهذه الصديقة العظيمة وحلية متلألئة.. ما هو إلا من صفات الله سبحانه ومن مجالي أسمائه تبارك وتعالى.
لا غرابة إذا ما قيل: إن صبر زينب هو التجلي لصبر الله الصبور وتعين له.. تجسد في هذه المرأة التي ما مثل تحمل قلبها من تحمل، صبرها هو الصبر في أقصى مراتبه وأعلى درجاته.
إنه لمن المقبول إذن – ومن الواقعي أيضاً – أن يقال: إن شقيقة الحسين هي كعبة الصبر يطوف في مدارها الملكوتي كل صبر الصبر، وصبر كل أهل الصلابة والصلادة في التجلد والتحمل من الناس كل الناس.
لقب كعبة الصبر لكأنما فصل على مقاس هذه القامة الزينبية التي هي عز الهواشم عين قلادة ولد آدم.. لا يشركها فيه من الناس شريك.
وإزاء الصبر، لابد أن يكون البلاء هو القرين، قرين مقيم.. لا يغادر ولا يريم، أي معنى يبقى للصبر والتجلد والإحتمال إن لم يكن صاحبه واقفاً أمام عين إعصار البلايا والرزايا والكوارث والخطوب؟!
البلاء.. هذا المخلوق الحي الذي يعي ويستجيب لأمر ربه جل وعلا، هو من وقف متحيراً مغلوباً على أمره، رافعاً يديه بالإستلام أمام الصبر الزينبي المتفرد العظيم.
إنه لا يملك إلا أن يخر ساجداً باكياً بخشوع بين يدي هذا الصبر الذي ما عهد مثله في العالم.. والذي هو أجلى جلوة لله الصبور:

سجد البلاء لزينب مستسلماً

ولصبرها ألقى القياد وأسلما

لما أتى أهل الكساء برحله

وبدارها صلى التمام ويمما

فهناك سبح ربه مستعبراً

إذ بان صبر الله فيها أعظما

ولقد رأى من نورها ما قد رأى

قبساً، فساءل ربه مستفهما:

هل مثلها رباه يسقى علقماً

وشرابها صفو الطهور من السما؟!


هذا البلاء الذي جاء الخمسة أهل الكساء (محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين) إنما جاءهم – لعظم منزلتهم وقربهم من الله – مقيماً لديهم.. ألقى رحال سفره واستقر وما اختار للإقامة الدائمة – من دور آل محمد – إلا دار زينب، روحي لها الفداء.
وفي دارها.. رأى شيئاً من نور هذه الصديقة، ما رأى من هذا النور الملكوتي البهي – في الواقع – إلا قبسة صغيرة كشعلة الشمعة، لاغير، أم عظمة نورها الأنور الأتم فهي أكبر من طاقة هذا البلاء أن يتحملها، وطاقة ما هو أكبر من هذا البلاء.
لقد هال البلاء نفسه ما لقيته عزيزة الله زينب وحبيبة أنواره الخمسة، إن هذه البلايا والخطوب الفادحة التي تعيش لحظاتها العقيلة المكرمة واحدة بعد أخرى.. هي – فيما يرى البلاء – شيء مر شديد المرارة، لم يجد نعتاً معبراً عنه خيراً من "العلقم" لكنها متجلدة جلداً فوق ما يحلم به التجلد نفسه، مستكينةً الى ربها، راضية أروع ما يكون الرضا.
ذاقت كل هذا البلاء المتواصل من يوم جدها النبي الى يوم كربلاء أخيها الوصي، وما هجس في نفسها القدسية ولو ظل من حرج أو ضيق.
هذه المرأة الصفية التي دون صفائها كل ما خلق الله من صفاء حور الجنان مجتمعات.. إنما لائق بها – شراباً – لا ماء الله الطهور وحسب، بل صفو هذا الماء السماوي وخلاصته، مما لا يسقاه إلا خواص الخواص من أصفياء الله هذا هو حقاً اللائق بابنة فاطمة الزكية.
مستمعينا الأكارم؛ من هنا يتضح أن الصديقة الطاهرة زينب الكبرى صلوات الله عليها هي التي أظهرت للعالمين بصبرها الجميل في وقائع القيام الحسيني المقدس، لب التوحيد الخالص الذي يرى الموحد ربه جميلاً في كل ما قضاه وقدره لعباده، وهي – صلوات الله عليها – الذي رأت جميل الصنع الإلهي في كل ما نزل بها وبآلها في يوم الحسين فلم تره ضراً لأنه العالمة غير المعلمة بأن الله لا يشأ ولا يقدر لعباده إلا ما في الخير فصبرها الشكور هو علامة صدق العارفين والموحدين؛ وهذا أسمى المنارات في يوم الحسين عليه السلام.
ختاماً نشكركم أيها الأكارم على كرم الإصغاء لحلقة اليوم من برنامج يوم الحسين إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة