البث المباشر

تفسير موجز للآيات 56 الى 61 من سورة العنكبوت

الأحد 12 إبريل 2020 - 10:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 727

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على الحبيب المصطفى محمد وعلى آله المطهرين.

إخوة الإيمان السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة.

نستهل الحلقة بتفسير الآيتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين:

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾

 كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٥٧﴾

 

مما أمر به الإسلام، الهجرة حفظاً للإيمان كان المسلمون يعانون في أوائل البعثة ضغط مشركي مكة وتضييقاتهم عليهم ما تعذر عليهم حرية العمل بواجباتهم الدينية، لذا هاجر النبي والمؤمنون حقاً الى يثرب.

تقول الآية التي نزلت في المستضعفين " يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ" يخاطبهم فيها بما مؤداه: إن ضاقت بكم الأمور ولم تستطيعوا عبادتي في أرض الشرك فإن أرضي واسعة للإنتقال إليها من بلد لا يلتئم فيه لكم أمر دينكم الى غيره حيث تستطيعون عبادتي فيه.

ثم ذكرهم سبحانه بالموت ليهون عليهم الهجرة تأملاً " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" أي من خاف الموت في هجرته فإن الموت لا ينجو منه مقيم ولا ظاعن، ثم قال بعد ذلك "ثم إلينا ترجعون" أي تبعثون بعد الموت وتسألون عن أعمالكم في الحيوة الدنيا وعما تركتم من الواجبات وتجنبتم من المحرمات وعملتم بما أمر الله أو نهى عنه مثل الإقامة في بلد اضطركم حكامه لترك العبادات والواجبات والوقوع في المحرمات.

ما تعلمناه من الآيتين:

  • وجوب الدقة والإهتمام بتحديد البلد الذي ننوي الإقامة فيه، صوناً للدين والإيمان.
  • وجوب هجرة المؤمنين كواجب ديني، صوناً لدينهم وما يؤمنون به.
  • لا عذر من أثر البقاء في بلد لا يهتدي فيه الى سبيل الرشاد.
  • لا مفر من الموت لذا علينا العمل بالصالحات في دنيانا والتخطيط للآخرة ولما يضمن النجاح والفلاح في يوم الحساب.

والآن نبقى مع الآيتين الثامنة والخمسين والتاسعة والخمسين من سورة العنكبوت:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿٥٨﴾

 الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٥٩﴾

 

في الآيتين بيان لأجر الإيمان والعمل الصالح بعد الموت والرجوع الى الله وحث وترغيب للمؤمنين على الصبر في الله والتوكل عليه والتبوئة والإنزال على وجه الإقامة والغرف جمع غرفة وهي في الدار العلية العالية.

فقد بين سبحانه ثواب عاملي الصالحات قائلاً "لنبوئهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" ما يعني أن من يخرج من بيته مهاجراً الى الله، يعوضه تعالى خيراً منه غرفاً وأشجاراً في دار السلام والمقام.

وقوله تعالى "نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون" يشير الى أن الجنة نعمة عظيمة ولأنها عظيمة كان ثمنها غالياً وعظيماً وهو أن يرفض مبتغيها الإستسلام لأعداء الله، والخوف إلا من الله وأن يخلص الله وحده ويصبر من أجل ذلك على الخطورات والأحداث أياً كان نوعها.

دروس الآيتين:

  • شرط دخول الجنة والتنعم بما فيها، الإيمان والعمل الصالح.
  • ما يبذله المؤمنون في دنياهم من جهود وما سوى ذلك حفاظاً على إيمانهم، يعوضهم الله خيراً من ذلك يوم القيامة.
  • الصبر على المكاره والخطوب، سر النجاح في كل مراحل الحيوة، وعلى المؤمنين بطبيعة الحال أن يفوقوا سواهم في الصبر على الأذى وما يعانونه من مضايقات الأعداء.

والآن نستمع للآية الستين المباركة:

وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦٠﴾

 

في ضوء ما تقدم بخصوص وجوب الهجرة صوناً لإيمان المسلمين، تطمئن الآية المسلمين بخصوص رزقهم إن هم هاجروا.. فكثير من الناس من يؤمن نظرياً بالله وأن أرزاق الخلائق بيده وحده وأن خزائنه لا نفاد لها ولا نهاية، وأنه كريم لا يخيب من توكل عليه، ووثق به، يؤمن بهذا نظرياً ولكنه يكفر بالله عملياً، ويثق بالمخلوق دون الخالق ويتقرب إليه بما فيه ذهاب دينه وضميره طامعاً بما في يده من جاه ومال ويبتعد عن الله يائساً منه ومن جوده ومن خزائنه.. وهذه الآية "وكأين من دابة" الى آخرها تقريع وتهديد لهذا المؤمن الكافر.

إن الله سبحانه هو خالق الكون بما فيه، وأسباب الرزق تنتهي إليه وإن تعذر منها سبب تهيأ للراغب والطالب الساعي ما هو خير وأجدى من حيث لا يحتسب وهذه حقيقة وجدانية ثابتة بشهادة الحس والعيان، بل أن كثيراً من الكائنات الحية لا تعمل للرزق ولا تحمله، ومع هذا يأتيها رزقها رغداً عند حاجتها إليه.. وفي هذا عظة للخائنين العملاء، ولكل من باع دينه للشيطان واتخذ من معصية الله ذريعة للرزق ولقمة العيش، وحاشا لله أن ينهى عن شيء ويحصر سبب الرزق فيه، كيف ودينه دين الحيوة! قال الإمام علي (ع): (إن الذي أمرتم به اوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم، فذروا ما قل لما كثر، وما ضاق لما اتسع).

وقال أيضاً: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله وأنهما لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق).

على هذا نستخلص مما تقدم ومن الآية بالذات أن الإيمان الحق والإيمان الموهوم يختلف الواحد منها عن الآخر، فالإيمان الحق أو الصادق هو الذي يثبت في القلب ويتمثل في الخوف من الله والإهتمام بطاعته ومرضاته قولاً وعملاً، أما الإيمان الموهوم فلا قرار له في القلب، وإنما هو لعق على اللسان، ويعرض على الوهم والخيال تماماً كما تعرض الأطياف والأحلام، وأصدق شاهد على هذا الإيمان المزيف أن يؤمن صاحبه بالله قولاً وهو يرجو المخلوق ويخافه – عملاً – من دون الخالق.

أفهمتنا الآية:

  • على المؤمنين أن لا يعزفوا عن الهجرة في سبيل الله خشية الفقر وعدم الحصول على لقمة فالله هو الرزاق قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها.
  • لا ينفك المؤمن عن الإيمان بالله ولا يتوانى عن العمل بواجبه خشية الفقر أو قطع رزقه.
  • الله الخالق للخلائق وما في الكون كله، هو الرازق للأحياء جميعاً ومن يكفل أرزاق الناس أيضاً.

والآن نبقى مع الآية الحادية والستين من سورة العنكبوت المباركة:

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿٦١﴾

 

تدين هذه الآية الكريمة عمل المشركين بعبادة الأوثان مع إذعانهم بأن الله هو خالق السموات والأر ض ومسخر الشمس والقمر؛ وهي تعلمنا:

  • كان هناك قاسم مشترك بين المسلمين ومشركي مكة، هو اعتقاد الطرفين وإيمانهم بأن الله هو خالق الخلائق.
  • الإنحراف عن الحق، هو من الأخطار وما يهدد الناس جميعاً فالإذعان بأن الله هو الخالق وعدم الإعتراف بربوبيته في الحيوة، إنحراف عن الحق وعدول عن الصراط المستقيم.

الى هنا مستمعينا الكرام نأتي لنهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة شكراً على حسن المتابعة.. على أمل اللقاء في حلقة جديدة نستودعكم الله والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة