البث المباشر

حسن الجوار

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 12:21 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 105

خبراء البرنامج: الشيخ أيمن شمص الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة غادة زيدان المستشارة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي المستمعين في حلقة اليوم سوف نتناول موضوعاً مهماً طالما تطرقت له الأجيال والثقافات الشعبية لما لهذا الموضوع من تأثير على حياتنا وحياة الآخرين، إنه موضوع الأذى الذي يصدر عن جار بحق جاره الآخر. هذا الموضوع شددت عليه منابع سيرتنا الاسلامية ومراجع ثقافتنا الأئمة الأطهار من آل بيت الرسول المصطفى عليهم أفضل الصلاة والسلام. في هذه الحلقة نستضيف اثنين من خبراء البرنامج الكريمين لأجل إلقاء الضوء أكثر على هذا الموضوع وتوضيح العواقب التي قد تلحق بالعلاقات المتوفرة بين الجيران. وضيفانا لهذه الحلقة هما فضيلة الشيخ أيمن شمص الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة غادة زيدان المستشارة التربوية ايضاً من لبنان، وقتاً ممتعاً أعزائي نتمناه لكم.
أبتليت عائلة أبو علي بجار مزعج ومؤذي جداً فما يمر يوم حتى تضج بين الطرفين مشادات كلامية واتهامات وعبارات غير لائقة لاتمت بصلة لا الى اخلاقنا الاسلامية ولا بعاداتنا الشرقية وسبب هذه المشادات والاتهامات هو هذا الجار المزعج والمؤذي أبو مثنى. حتى الأولاد لن يسلموا من النزاع الذي كان غالباً ينشب بين ربي الأسرة أبي علي وأبي مثنى ففي بعض الأوقات نرى علياً يتشاجر مع مثنى او مثنى ينعت علياً بكلمات غير لائقة كان قد تعلمها من أبيه.
ذات يوم عاد أبو علي الى بيته ورأى زجاج النافذة قد تكسر ولما سأل زوجته أم علي عن السبب قالت: السبب يازوجي العزيز أولاد جارنا أبي مثنى فهم لايهدأون ليل نهار ولايملون باللعب بالكرة وبغير الكرة، وقبل قليل أرتطمت الكرة بقوة وكسرت وكما ترى الزجاج.
إستشاط أبو علي غضباً وقرر هذه المرة أن بذهب ليطرق باب جاره أبي مثنى، وفعلاً خرج من بيته متوجهاً الى بيت جاره ولما طرق الباب صاح أبو مثنى بصوت مرتفع: من بالباب؟ من الطارق؟
إنزعج أبو علي من لهجة جاره فقد كانت شديدة جداً ولاتمت للإنسان المثقف بصلة. إضطر رغم ذلك أن يجيبه ليفتح له الباب، خرج أبو مثنى ودون أي كلمة ترحيب او سلام. قال لأبي علي: تفضل ماذا تريد؟
قال أبو علي: أعتقد أن اولادك لم يتغيروا ولن يغيروا من طباعهم؟ في كل مرة أطلب منك أن توجههم وتنصحهم لكي لايؤذوا جارهم ولايتسببوا في إزعاجهم او التجاوز عليهم لكن يبدو أن الأمور تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وبهجة شديدة قال أبو مثنى: وما الذي حصل اليوم؟
قال أبو علي: لقد تسبب اولادك في كسر زجاج المنزل والان ماهو ذنبي انا لأتحمل نفقات التصليح وغير ذلك من الأمور التي انا في غنى عنها إنشغالي بالعمل. ضحك أبو مثنى وقال: هذا فقط؟ من اجل هذا الشيء جئت وطرقت بابي؟ فقط من اجل زجاجة صغيرة أزعجتني؟ ولم تفكر بأن جارك ربما يكون نائماً او منشغلاً او مريضاً؟
تعجب أبو علي من كلام جاره أبي مثنى وقال له: وكيف يكون بنظرك الإعتداء او التجاوز على راحة الغير؟ أليس تكسير زجاج الجار يعتبر إزعاجاً وإنتهاكاً وتجاوزاً يتطلب منك وقفة جادة لتحذير اولادك بعدم تكرار ذلك؟
قال له أبو مثنى: اذهب يارجل... اذهب الى بيتك وحاول أن لاتهتم لهكذا امور تافهة !!
عاد أبو علي بخفي حنين الى داره ولما استقبلته زوجته بالسؤال قال لها: لاينفع مع جارنا أي كلام ولا أية محاولة لإرشاد اولاده فهو رجل متخلف وغير متحضر!!
نعم أعزائي لما أراد علي الأبن الأكبر الخروج من البيت وقد إعتمد غالباً في إنجاز اعماله بواسطة الدراجة الهوائية التي يمتلكها منذ أمد طويل. بحث عنها فلم يجدها، تعجب بادئ الأمر! إندهش بعد ذلك كثيراً لأنه تذكر أنه في الصباح قد إستفاد من دراجته حين ذهب بها لشراء بعض الأشياء للبيت!! بمعنى لم تمض ساعات معدودات حتى إختفت دراجته؟ لذلك أخذ يفكر فيمن سرقها او أخفاها. وبعد دقائق قليلة راوده الشك بأن يطرق باب جارهم أبي مثنى ليقول حجة ما عسى وأن يجد سبيلاً الى دراجته التي سرقت في وضح النهار، وفعلاً كان شكه في محله فعندما خرج من البيت وهو متوجه الى بيت أبي مثنى صادفه في الطريق أحد اولاد جاره أبي مثنى وهو راكب يقود الدراجة التي تعود اليه.
تعجب كثيراً علي فلما سيطر على اوضاعه وأحواله فراح ينادي على دريد ابن أبي مثنى. ولما سمع دريد نداء علي فرّ مسرعاً بالدراجة، اضطر بسبب ذلك علي أن يسارع الخطى لكي يلحق له. لكن خطواته لم تكن كافية للحاق بدريد الذي زاد من سرعته وإختفى عن الأنظار بعد لحظات.
لم يصبر علي على هذا الحال فذهب الى بيت أبيه ليقول له الحقيقة ويكشف له ما رآه ظناً منه أن الأب سيعيد دراجته اليه ويحاسب ابنه على فعلته السيئة. ولما وصل علي بيت أبي مثنى طرق الباب وبعد لحظات سمع صوتاً ينادي: من بالباب؟ من الطارق؟
قال له علي: أنا علي ياعم، ارجوك أن تفتح الباب!
فتح أبو مثنى الباب واذا به يقول: اوووه مرة اخرى احد أفراد عائلة أبي علي، متى نتخلص منكم؟ متى أرتاح ولايطرق بابي أحد طرفكم؟
قال علي له: ياعم ارجوك أن تسمح لي فقط أن أوضح لك فإبنك دريد قد سرق دراجتي ولايريد أن يعيدها لي رغم أنني شاهدته بعيني، ورحت اناديه لكن ندائي له راح ادراج الرياح ولم ينفع في إسترجاع دراجتي لذا ارجوك ياعم أن تساعدني في ذلك وتحاول أن تتصل بإبنك دريد حتى يعيدها لي !!!
نظر أبو مثنى الى علي وقال له بالحرف الواحد: لو فكرت مرة اخرى أن تطرق باب البيت دون سبب مقنع او حجة وافية فسوف لم تلوم إلا نفسك.
إنتفض علي بوجه الرجل وقال له بعصبية: ولكنها دراجتي وقد إشتريتها في العام الماضي وإن إبنك قد سرقها مني بعد أن دخل منزلنا، ولو لا حرصي على إحترام الجيران لكنت الان قد تصرفت مع إبنك تصرفاً آخر !!!
وبسرعة وبلمح البصر شدّ أبو مثنى بإصبعيه على أذن علي وقال له: إنتبه يافتى فإبني فتى نزيه لايسرق من الجيران، لو كررت هذا القول مرة اخرى فسوف أبرحك ضرباً!!!
وعند المساء ولما عاد أبو علي من عمله وجد ابنه علي في زاوية الصالة جالساً ويده على خده. فهم من تصرفه هذا أنه غير مرتاح فسأله: ما بالك ياولدي؟
نهض علي بسرعة وقال: عفواً ياوالدي السلام عليكم
ردّ عليه أبوه: وعليك السلام. قل لي ما بك؟
قال علي: لا لا، لاشيء ياأبي!
كرر السؤال أبوه وقال: هل حصل لك شيء مع أحد؟ هل فشلت في اداء امتحان ما في المدرسة وانت محرج لذلك؟
لم يصبر علي على إخفاء الأمر اكثر وإنبرى باكياً ثم قال: جارنا ياأبي! جارنا!
توقف أبو علي عن الكلام بعد أن إنتبه لحال إبنه وقال له: جارنا؟ هل تقصد جارنا أبا مثنى؟ قل لي، قل لي بسرعة ماذا حصل؟
قصّ علي على أبيه ماحصل. وماهي إلا لحظات حتى همّ أبو علي بالخروج متوجهاً الى جاره أبي مثنى.
هنا إعترضته زوجته قائلة له: اين أنت ذاهب يازوجي العزيز؟ هل تريد أن تتشاجر مع هذا الجار الذي ذقنا منه المر لسنوات طويلة. الا تعلم أنه سوف لايبالي بك مهما قلت له ومهما تصرفت؟ حاول أن تهدأ من روعك ولا تتعجل بشيء أبداً.
هدأ أبو علي قليلاً وقال لها: ولكن ما الحل هل اترك هذا الجار يؤذينا بإستمرار ويتجاوز على حريتنا وراحتنا بإستمرار؟ قولي لي ما هو الحل؟ ماذا أفعل؟؟؟
نعم أعزائي المستمعين وبعد أن إستمعنا الى قصة أبي علي مع جاره المؤذي أبي مثنى نتوجه الى ضيف البرنامج فضيلة الشيخ أيمن شمص الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي عن ضرورة احترام الجار وضرورة ارشاد أبناءنا ايضاً بشأن ذلك. والى متى يمكن أن يصبر أبو علي على أذى جاره؟ وما هو الحل لكي يتبعه أبو علي غير الصبر؟ فلنستمع معاً
شمص: بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة للموضوع الذي ذكرتموه اخي الكريم، موضوع الجوار وحسن الحوار وماهو الموقف الاسلامي الذي ينبغي أن يتخذه الانسان عندما يبتلى والدنيا مليئة بالإبتلاءات وقد يبتلى الانسان في مسيرته الكونية ربما برحم او بجار قد يسيء اليه من خلال بعض الألفاظ التي يتكلمها. هنا الموقف الشرعي الاسلامي وانطلاقاً من القرآن الكريم وإنطلاقاً من سيرة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وإنطلاقاً من سيرة أئمة أهل البيت سلام الله عليهم جميعاً، اذا رجعنا الى التاريخ نرى ذلك اليهودي الذي جاء الى النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله والقصة معروفة لدى المسلمين جميعاً وذلك الموقف العظيم الذي من خلاله أسلم اليهودي من خلال تصرف وموقف سلوكي وأحياناً الموقف والسلوك العملي ربما يكون أقوى من الكثير من الكلمات او الكثير من المواعظ التي يلقيها الانسان. رأينا في التاريخ الاسلامي أن اليهودي عندما كان يرمي القمامة امام منزل النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وكيف تعاطى النبي مع هذا الموقف، نرى أنه جسّد أعلى القيم الانسانية الرسالية والتربوية والاخلاقية والسلوكية. عندما كان يرى امام منزله تلك القمامة كان يأخذ القمامة ويضعها في مكانها المناسب. في يوم من الأيام عندما لم ير القمامة ذهب النبي وهو خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، ذهب الى اليهودي وسأله ما الأمر، هل أنت مريض، هل حدث لك شيء؟ فكان موقف اليهودي أن قال: هل هذا هو دينك؟
فقال: نعم هذا هو ديني!
فهذا أسلم وقال: هذا هو اسلامي!!
هذا هو خلق الاسلام، هذا خلق القرآن، هذا خلق الرسالة
قال له ذلك اليهودي: اشهد أن لا إله إلا الله وانك محمد رسول الله
فكيف نحن المسلمين ونحيط ببعضنا البعض ونجلس الى بعضنا البعض ونجاور بعضنا البعض، كيف نتعاطى؟
السيدة الزهراء سلام الله عليها عندما يستيقظ ولدها الحسن سلام الله عليه ويرى أن أمه في صلاة الليل سمعها تدعو لكل الناس كما تدعو لجيرانها ولاتدعو لأهل بيتها، عندما تنتهي السيدة الزهراء من الصلاة ومن الدعاء يسألها الامام الحسن: يا أماه لماذا دعوتي للجميع ولم تدعي لنا، لماذا دعوتي لجيراننا؟ السيدة الزهراء تجسد خلق النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، قالت يابني: "الجار ثم الدار".
عندما نرى الرواية التي تقول: "ليس حسن الجوار كف الأذى وإنما حسن الجوار الصبر على الأذى" هذا هو منطوق هذه الرواية، مضمون هذه الرواية. ماذا يدل؟ يدل على أن الانسان عندما يبتلى في مسيرته بأحد الجيران ويؤذيه من خلال كلمة، من خلال موقف، من سلوك، من خلال أي فعل او تصرف من التصرفات السلبية كيف على الانسان أن يتحمل.
هنا الرواية تقول "أيها الانسان اذهب من الجوار وحسن الحوار انك لاتؤذي جارك" هذا ليس حسن جوار بل حسن الحوار عندما تأتي الأذية من جارك وأن تتحول هذه الأذية الى موقف إيجابي، ربما يكون هذا الموقف الإيجابي كما جرى مع النبي الكرم رادعاً للانسان أن فعله خطأ، أنه يفعل القبيح، أنه يفعل الحرام، أنه يفعل ما ينافي الخلق الدينية والخلق الاسلامية والخلق الرسالية. في وصية النبي محمد صلى الله عليه وآله يقول "مازال جبرائيل يوصيني بحسن الجوار حتى ظننت أنه سيورثهم" عن ماذا يدل؟ إنما يدل على أن الانسان كيف عليه أن يتعاطى مع جيرانه وكيف عليه أن يتحمل أذى الجيران ولكن على قاعدة "إدفع بالتي هي أحسن".
بعد أن إستمعنا لما قاله فضيلة الشيخ أيمن شمص الباحث الاسلامي من لبنان نتوجه الآن الى الأستاذة غادة زيدان المستشارة التربوية ايضاً من لبنان لسؤالها عن التداعيات الاجتماعية التي يمكن أن يخلفها توتر العلاقات بين الجيران وماذا يمكن أن تؤدي اليه بعض الأحيان او تطورت وتأزمت اكثر وكيف السبيل لحل ذلك؟
زيدان: بسم الله الرحمن الرحيم أولاً نقول دائماً أن الجار جزء مهم كثيراً في حياتنا وحتى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما أوصى بالجار حتى كاد يورث الجار. هذا القول له أبعاده المهمة ويجب على الكل أن ينتبه اليه. فمن هذا المبدأ نقول إن الانسان يجب عليه احترام جاره ويتمنى لجاره كما يتمنى لنفسه ولعائلته ولأولاده. حتى لو هو الجار بدأ بالإساءة فنحن نجرب أن لانرد الإساءة بالإساءة بالعكس ونجرب أن نرده بشيء أفضل. لاندع هذا الشعور الموجود مثلاً عند الكبار أن يصل الى الأولاد، والغلط أن الأولاد يتأثروا بالأهل وصاروا هم يبادروا الجيران كذلك بنفس المبادرة التي بادروا بها الكبار. لذلك يمكن القول إنه يمكن الولد يقول عبارات غير لائقة كما هي اخذت من الكبار فهنا الكبار لهم دور كبير جداً بان لايجعلوا العلاقة تتطور وتكون علاقة سيئة ويعتبروا أن الجار القريب ولا الخ البعيد. كما عندنا في المثل الذي يقول "الجار القريب ولا الأخ البعيد" معنى ذلك أنه يجب المحافظة وبالتوصية أن الأنسان يحافظ على جاره من كل النواحي.
أحبتي بعد أن إستمعنا الى ما قاله الضيفان العزيزان نأتي الى ختام آخر حلقة من حلقات برنامج من الواقع التي قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة