البث المباشر

الخبث

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 10:53 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 96

خبراء البرنامج: الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن والشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي والاجتماعي من السعودية
مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نلتقيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أعزائي سنتطرق الى موضوع من المواضيع التي دون شك تخلق العداء والبغيضة بين الأصدقاء وتؤدي بالنتيجة الى تفكك علاقات الود والمحبة التي كانت سائدة بينهم او ربما تؤدي الى زرع بذور الفتنة وزعزعة الثقة بين أشحاص تربطهم علاقات عمل او ماشابه، فتتهدم اركان هذه العلاقة التي بنيت على أسس المحبة والود فيما مضى. كل ذلك بسبب تصرف سيء، تصرف أضمره صاحبه بداخله لدواعي عديدة حاول من خلاله أن يخرب او يهدم تلك العلاقات القائمة بين الآخرين لا لشيء إلا لتحقيق نزواته والوصول الى غاياته وأهدافه المريضة. هذا النفر اعزائي المستمعين نطلق عليه صفة الخبيث والخبيث كما تعرفون من يضمر بداخله نوازع شر وحقد بحيث يتصرف دون هداية ودون بعد نظر فيمارس دوره السلبي والمخرب بين هؤلاء الأصدقاء او الأشخاص. لذلك ولما لهذا الموضوع من تداعيات اجتماعية تنعكس بكل تأكيد على الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الخبيث سوف نستضيف في حلقة اليوم كلاً من الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من العاصمة البريطانية لندن وفضيلة الشيح ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي والإجتماعي من المملكة العربية السعودية لأجل إلقاء الضوء أكثر ومحاولة معرفة طرق العلاج والإرشاد.
زياد موظف يعمل في مجال الصحافة كان نشيطاً في عمله محباً له لايكل ولايمل، كان يصارع الى مكان الحدث ليغطي تفاصيله وينقل احداثه بكل دقة وحرص لذلك فقد كان مديره راض عنه كل الرضى وايضاً زملاءه. كذلك كان زياد لايتكاسل في تقديم المعونة او المشورة بخصوص العمل وتوضيح مايسأل بشأنه أي زميل آخر في أي قسم من أقسام الدائرة التي يعمل فيها زياد. ظل زياد على هذا الحال لم يتخلف في عمله يوماً ولم يقصر تجاهه او تجاه أحد من الموظفين أبداً إلا أن نواياه الحقيقية وغاياته المريضة تكشفت بعد أن قرر المدير في يوم ما تعيين موظف جديد في نفس القسم الذي يعمل فيه زياد. في ذلك الصباح رنّ جرس التلفون، رفع زياد السماعة وقال: الو... عفواً أستاذ...نعم نعم أنا قادم اليك فوراً.
وراح يتسائل مع نفسه قائلاً: ما الذي يريده المدير مني؟ ياترى هل هناك مشكلة ما قد أثرت على العمل وأنا لم أنتبه لها؟ هل إشتكى أحد الزملاء من عملي؟ وظل زياد يتسائل ويتسائل حتى وجد نفسه وقد وصل أمام غرفة المدير فطرق الباب ودخل. كلها دقائق حتى خرج زياد من غرفة المدير وقد بانت عليه ملامح الغضب وعدم الإرتياح. ولما عاد الى الغرفة التي يعمل فيها حاول إخفاء بعض الأشياء الخاصة به والخاصة بالقسم الذي يعمل فيه، فلم يكن يرغب أن يتعرف الموظف الجديد الذي نوه بشأنه المدير على أسرار العمل بكل تفاصيلها وبينما زياد منشغل طرق الموظف الجديد الباب ولما دخل سأله زياد: تفضل ماذا تريد؟
إبتسم الموظف الجديد من اللهجة الخشنة التي بدت على زياد ورغم ذلك أجابه قائلاً: السلام عليكم انا مصطفى الموظف الجديد، جئت بناءاً على قرار السيد المدير للعمل هنا، في هذا القسم.
تلعثم زياد وإرتبك كثيراً من شدة غيظه وغضبه وقال له: اذن تفضل إجلس هنا وسوف أقول لك ماذا عليك أن تفعله.
جلس مصطفى بإنتظار أن يأذن له زياد بالعمل، وظل جالساً حتى إنتهى وقت الدوام الرسمي، حينها قال له زياد: يمكنك أن ترحل الآن الى البيت وغداً بمشيئة الله سوف اخصص لك وقتاً طويلاً لكي أعرفك بتفاصيل العمل هنا.
لم يعلق مصطفى شيئاً على كلام زياد با إستأذنه وخرج على أمل المجيء غداً. كانت اللحظات الأولى التي باشر فيها مصطفى بالعمل قد أشعرته بعدم الراحة وعدم الطمأنينة فلم يكن زياد صادقاً او صريحاً معه منذ الأيام الأولى فكل شيء غامض بالنسبة له وكل أساليب العمل مجهولة بالنسبة اليه وكل ما حاول مصطفى أن يسأل عن شيء يحاول زياد أن يتملص من الإجابة او يقوم بتأجيل ذلك لكي لايتعرف مصطفى على كل خفايا وخبايا العمل داخل هذا القسم.
أعزاءنا المستمعين رغم ذلك فقد حصل مصطفى على ثناء ورضا الآخرين خاصة المدير لما كان يتمتع به من مزايا وصفات حميدة جعلته محط أنظار الموظفين وإعجابهم، لم يتكاسل في يوم ما عن إكمال عمله او إنجاز ما يكلفه به الموظفون الزملاء وهذا ما أثار غضب زياد بشكل أكثر لذلك فكر زياد بطريقة خبيثة يشوه من خلالها سمعة مصطفى وصورته الجيدة التي سادت أنظار الزملاء في العمل فقرر ذات يوم زياد أن يكلف مصطفى بتغطية كاملة لحدث وقع. كان المدير قد طلب من زياد صباح ذلك اليوم الذهاب لتغطيته وكتابة تقرير بشأنه ولما وصل مصطفى شاهد العديد من الصحفيين متجمعين في مكان الحادث وهم منشغلون إما بكتابة تقرير او قراءته امام الكاميرا والبعض الآخر يحاول أن يلتقي المواطنين ليأخذ آراءهم. حال وصوله شعر مصطفى بفرح كبير يغمره وبشوق فتح الحقيبة ليخرج منها عدة العمل التي تضم في الغالب كاميرا ومايك وبعض الأدوات الأخرى لكنه فوجئ بشدة بعدم وجود الكاميرا، بحث جيداً ولكن دون جدوى فالكاميرا غير موجودة. قال مع نفسه: يا إلهي ما العمل الآن الكل هنا يحاول تغطية الحدث وأوشكت اكثر القنوات أن تبث الخبر إلا مصطفى.
لم تمض سوى لحظات حتى إتصل به زياد قائلاً بلهجة خشنة: يامصطفى أين أنت؟ هل اكملت تصوير الحدث أم لا؟ هيا...وافني بالتقرير بسرعة فالمدير قد إتصل أكثر من مرة، حاول أن لاتتأخر!!
لايدري مصطفى بماذا يجيب بل ظل ساكتاً صامتاً. كرر زياد سؤاله وقال: الو... مصطفى ماذا بك لماذا لاترد؟ أجبني بسرعة ... هل أكملت التقرير؟ الكل هنا بإنتظارك!!
تمتم مصطفى وقال: في الحقيقة ياسيد زياد أنا الى الآن لم أفعل شيئاً أبداً.
قال له زياد وبتعجب شديد وبصوت مرتفع: ماذا؟ ماذا قلت؟ لم تفعل الى الآن أي شيء؟ ما الذي تقوله؟ ماذا سأجيب المدير وبقية الموظفين في قسم الأخبار؟
على الفور إتصل زياد بالمدير ليعلمه بما جرى. ولما علم المدير بالأمر قال لزياد: إذهب أنت بسرعة وحاول أن تنجز العمل وتعلم قسم الأخبار مافعله هذا الموظف الجديد. وفعلاً ذهب زياد بسرعة وإستطاع بخبرته أن يكمل العمل الذي عجز عن تغطيته مصطفى. وبعد أن عادا سوية كانت عقوبة الإنذار قد صدرت بحق مصطفى لتكاسله في أداء العمل على أكمل وجه. وهكذا وجد مصطفى نفسه أمام موقف حرج للغاية بعد أن أوقع زياد به في الفخ وجعله محط سخرية الآخرين من زملاءه الموظفين بعد أن كانوا ينظرون اليه نظرة احترام وتقدير كبيرين، ولم يعرف مصطفى ماذا يفعل وماذا يتصرف إزاء ما قام به زياد لأنه إكتشف ذلك حين عاد الى غرفته؟ فهل يذهب الى المدير ويقول له الحقيقة أم يبقى كاتماً في صدره سوء أفعال صديقه زياد؟
وبعد أن تابعنا مستمعينا الأفاضل قصة اليوم تعرفنا على حجم الأذى الذي سببه زياد لمصطفى وحجم الخسارة المعنوية التي جرحت فيها مشاعر مصطفى وأحاسيسه وهو الذي كان الموظف الحريص والموظف الملتزم أمام الله وأمام الآخرين لذلك اعزائي فقد توجهنا الى فضيلة الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من العاصمة البريطانية لندن لسؤاله عما يراه الشرع الاسلامي في هذه الحالة التي حصلت بين مصطفى وزياد وكيف أن زياد قام بفعل خبيث مع زميله مصطفى وما هو حكم الخبيث في الاسلام؟ فلنستمع معاً
الأوسي: بسم الله الرحمن الرحيم مسئلة الخبث يصورها القرآن الكريم بالشجرة الخبيثة "مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة إجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" طبعاً هذه الشجرة عديمة الجذور بمعنى أنها مسطحة بالتالي لاتدخل الواقع الاجتماعي إنما هي نشاز على الواقع الإجتماعي. الحقيقة كل خبث لايولد إلا خبثاً، "البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه وما خبث لايخرج إلا نكداً". اذن الخبث لاينتج إلا القلة، النكد يعني القليل. فحينما يتآمر او يتعاونوا على الضلال لإطاحة صديقهم في هذه الدائرة او يوشون به أمام المسؤول طبعاً هذه تعتبر من ادنى الخلق بل من القيم الهابطة التي حذرنا الله سبحانه وتعالى منها. الله يأمرنا بالمروءة، يأمرنا بالإنصاف، يأمرنا بحب الآخر، يأمرنا بالتعاون أما أن يأتي الانسان ويخبث ويمارس حياته الاجتماعية من خلال الخبث الذي يقضي على روح التعاون والألفة والتسامي بين الناس بل هي الشجرة عديمة الجذور يعني لاجذور لها ولاحقيقة واقعية اجتماعية، هذه هي الشجرة الخبيثة والكلمة الخبيثة. قد تكون كلمة خبيثة تشعل ناراً، حرباً بين دول وتقضي على أقوام وعلى امم بينما الكلمة الطيبة تبلسم الجراح والكلمة الطيبة هي التي تطيب النفوس، هذا هو الفرق بين الطيب والخبيث "الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات" وهكذا المهم في الأمر أن يتنزه عن هذه الأنانيات التي تقتله قبل أن تقتل غيره "من حفر بئراً لأخيه وقع فيه" ليس من حق أي انسان أن يعكر صفو حياة انسان آخر، لماذا؟ لأن تلك هي حياة الآخرين وليست حياته وليس من حقه أن يعبث بحياة الآخرين ويلغي وجودهم ويعكر صفو حياتهم لأن لكل انسان وجود ولكل وجود حقوق لذلك لايمكن أن تنطلق هذه المسيرة الانسانية إلا بمعرفة حدودنا والآفاق التي رسمها الله سبحانه وتعالى لهذا الانسان ليعيش مع اخيه الانسان بالألفة والمحبة والتعاون إن شاء الله.
وبعد أن إستمعنا الى ما قاله فضيلة الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من العاصمة البريطانية لندن نتوجه الان الى فضيلة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي والاجتماعي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عن الأسباب والدوافع الرئيسية التي تدفع البعض الى التصرف بخبث مع الآخرين وكيف يمكن علاج ذلك؟ فلنستمع اليه.
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم عندما نتأمل في هذه القصة الواقعية ونقف مع الأخ مصطفى، هذا الشاب المخلص في عمله، الوفي، الذي أحسن وأجاد وأتقن العمل شيء طبيعي عندما يتقن الانسان في عمله ويخلص لابد أن ينال التقدير والاحترام من رؤساءه ومن المسؤولين عنه، هذا شيء معروف لكن هناك من هو مريض القلب وهناك من يحمل الحقد والبغض، يسيء الظن بالآخرين فيتولد هذا البغض والحقد فيظن من ينافسه ومن يخلص في عمله كمصطفى، يظن الشخص الآخر أنه ينافسه فيتولد الحقد والبغض في قلبه فيبدأ بالمكائد. بالطبع كما جرى في هذه القصة الواقعية حول مدير مصطفى. لما نسأل لماذا يلجأ الانسان الى الخطط السيئة التي تضر بالآخرين؟ هذه نتيجة ضعف شخصية الانسان لأنه لايستطيع أن يصل الى ماوصل اليه مصطفى مثلاً وأمثال مصطفى، هذا لايرحم ولايجعل رحمة الله تنزل على الانسان فدائماً يحطمون، هم أعداء الطموح، أعداء الإرتقاء لكن نحن نقول لمصطفى وكذلك لبقية الناس الذين أخلصوا في اعمالهم نقول الفرج قريب وربما هذا وضع المكيدة وربما طالت الأيام سوف يجد نتيجة إخلاصه في عمله وإن لم يجده الآن سيجده في الأيام القادمة وفي المستقبل وهذا الخائن سوف ينكشف، صاحب الحقد، صاحب البغض سوف ينكشف وجهه القبيح المزيف. اذن خلاصة ماأردت قوله من خلال هذه القصة الواقعية أقول إنه لابد أن تنكشف الحقيقة وحتى لو إنتهت الحقيقة لكن سيأتي يوم من الأيام ينكشف ويكون هناك امل لصاحب العمل الحسن وهناك خزي وعار لصاحب العمل السيء والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم.
في ختام حلقة اليوم اعزائي أتقدم بالشكر الجزيل الى ضيفينا الكريمين كما نشكر لكم حسن المتابعة لبرنامج من الواقع، الى اللقاء ودمتم في امان الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة