البث المباشر

الكذب

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 13:03 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 58

خبراء البرنامج: الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس الإحتماعي من العراق
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. موضوع حلقة اليوم اعزائي المستمعين سيكون عن إحدى الحالات التي ذمّها الإسلام كما ذمّتها كل الأعراف والقيم السماوية والإنسانية لما لها من إنعكاسات وتداعيات وخيمة لايمكن غفرانها أغلب الأحيان، إنه موضوع الكذب.
في حلقة اليوم سيكون في ضيافتنا سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس الإجتماعي من العراق لأجل تسليط الضوء اكثر على هذا الموضوع وماهي احكام الشرع إزاءه وكيف يمكن التخلّص منه او النهي عنه.
سناء طالبة في الكلية مجتهدة ونشيطة وتنحدر من أسرة مثقفة ومُلتزمة دينياً خاصة أباها ورغم هذا تعوّدت على المُراوغة والكذب في أقوالها خاصة مع أفراد أسرتها فهي عندما تنتهي من دوامها في الكلية تخرج مع زميلاتها الى عدة اماكن للترفيه او للتبضّع من بعض المحلات او لقضاء بعض الوقت للتجّوال في المدينة واذا سألتها امها او سألها أبوها عن سبب تأخيرها تحاول أن تختلق الأعذار بكل سهولة فتقول بأنها كانت مثلاً في مكتبة الجامعة تبحث عن مصادر او مراجع معينة او تقول إنها كانت في بيت إحدى صديقاتها إما لمرضها او لمناسبة معينة دعتها للذهاب اليها. هذه الحالة تطوّرت عند سناء وأصبحت تكذب على كل مَن له صلة بها.
دخلت عليها امها ذات مرة في غرفتها وهي تتكلم في الهاتف وحال دخولها أنهت سناء المكالمة بسرعة وأغلقت السمّاعة، سألتها أمها: مع مَن كنت تتكلمين؟
أجابت: إنها صديقتي وفاء، المسكينة لاتمتلك نقوداً لشراء بعض المصادر من السوق فكانت تشتكي حالها لي خاصة وأن اهلها لم يبعثوا لها بمبلغ منذ شهرين.
سألتها أمها قائلة: أتقصدين صديقتك من العراق؟
اجابت سناء: نعم فأبوها أصيب بإطلاق نار على يد الأمريكان ولم يعد قادراً على العمل وأنا ياأمي لو كنت أمتلك نقوداً كافية فوالله لكنت قد ساعدتها.
قالت الأم: وكم تحتاج وفاء لشراء الكتب؟
أجابت سناء كأنها لاتُبالي: حوالي خمسين ألف دينار ولكن لاتشغلي نفسك ياأمي بهموم الآخرين فكل إنسان مسؤول عن مشاكله.
قالت الأم: لا يابنيتي مساعدة الاخرين واجب على كل مسلم ومسلمة
قالت سناء: ولكن ياأمي
قاطعت الأم إبنتها وقالت لها: لا، لاتحاولي أن تقولي شيئاً، قلت لك سوف أعطيك المبلغ لكي تساعدي صديقتك.
مرت الأيام وفي ذات ليلة تأخرت سناء عن العودة الى البيت، إنشغلت الأم كثيراً فهي لاتريد أن يعلم الأب بذلك ولو علم بتأخر إبنته فسوف تحصل مشكلة كبيرة ربما يضطر الى معاقبتها لذلك حاولت الأم أن تتصل بإبنتها عدة مرات ولكن باءت محاولاتها بالفشل. فكرت الأم وبدافع حرصها على إبنتها أن تتصل بصديقاتها ممن تعرفهن ورغم ذلك لم يكن يعلم احد عن سناء شيئاً. إرتبك حال الأم وأخذت الأفكار والإحتمالات السيئة تراودها وهنا طرق الأب الباب، فتحت الأم الباب وكانت علائم القلق واضحة عليها جداً.
سألها زوجها: ما بك يازوجتي العزيزة؟
قالت: آ آ لاشيء لقد كنت مُتعبة بسبب العمل في البيت، مارأيك لو نخرج الآن؟ ورغم أن الزوج كان مُتعباً ايضاً فلم يمانع أبداً إقتراح زوجته بل قال لها وتعابير الحب والإستعداد قد إرتسمت على وجهه: سمعاً وطاعة يازوجتي العزيزة، كلها لحظات وأكون جاهزاً لكي آخذك الى أفضل المطاعم ولكي نقضي وقتاً طيباً ولكي تبتعدي قليلاً عن تعب البيت وواجباته.
سُعدت الزوجة بما قاله زوجها وقالت له اذن عُد انت وإنتظرني في السيارة وأنا سألحق بك خلال لحظات ليس أكثر.
قال لها زوجها: لاتنسي أن تنادي على سناء ايضاً لكي تأتي معنا. هنا تلعثمت الزوجة وقالت: آ آ سناء؟ أترك شأنها فهي مُتعبة قليلاً وبحاجة الى النوم، لاأعتقد أنها ستتمكن من المجيء معنا.
قال الزوج: ومنذ متى وهي نائمة؟
أجابة الزوجة: منذ أن عادت من الكلية.
قال زوجها: لا لا لا، في هذه الحالة يجب أن أوقظها حتى لاتتعوّد على الكسل.
توجّه الأب الى غرفة إبنته ولما فتح الباب، لم يجدها. بحث عنها في البيت فتأكد أنها غير موجودة، عاد الى زوجته وقال لها: ما الأمر يازوجتي؟ أتخفين عني الحقيقة؟ ولكن لماذا؟ اين سناء؟ هل من الممكن أن تقولي لي أين هي؟
إحمرّ وجه الأم خجلاً .... فقد إضطرت أن تكذب على زوجها بسبب إبنتها، إرتبكت ولاتعرف بماذا تُجيب وفي هذه الأثناء وصلت سناء!!
لم تكن سناء تعرف ما حصل، دخلت البيت وسلّمت على أبيها وعلى أمها ايضاً.
سألها أبوها قائلاً: اين كنت؟ ولماذا تأخرت؟
أجابت سناء كالعادة وبكل ثقة: كنت عند صديقتي وفاء فحالها سيء جداً فهي مريضة ومرضها خطير، يا للمسكينة!
نظر الأب الى إبنته وقال: أليست وفاء تلك صديقتك التي جاءت من العراق للدراسة هنا في جامعاتنا؟
قالت سناء: نعم نعم هي ياأبي، هل تتذكرها؟
قال الأب: نعم أتذكرها ولمَ لا؟ قولي لي كيف حالها الآن؟
أجابت سناء: قلت لك ياأبي إنها مريضة جداً لذلك كنت عندها طويلاً، عندما خرجت من الكلية لكي أطمئن عليها، لم أكن لوحدي ياأبي فكل زميلاتي كنّ معي.
وهنا قال الأب: ولكن الذي لاأنساه أيضاً أنها عادت في العطلة الصيفية مع أهلها ولم تعد لحد الان بسبب الظروف التي مر بها أبوها بعد أن اصابه طلق ناري على يد الأمريكان، أليس كذلك ياأبنتي؟
إرتبك حال سناء كثيراً ولم تعرف بماذا تُجيب وقد تسائلت مع نفسها: كيف عرف أبوها بالأمر؟ ومَن قال له ذلك؟ ثم نظرت الى أمها فهي الأخرى قد كذبت عليها مراراً بشأن وفاء ولكن لافائدة بعد ذلك فإن الحقيقة قد إتضحت وإنكشف أمر سناء.
بعد أن إستمعتم أعزائي المستمعين الى قصة سناء نتوجه الان الى سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عم مساوئ الكذب في المجتمع وماهي عواقبه التي ذكرها القرآن الكريم في آياته المحكمات خاصة الكذب على الأبوين؟ فلنستمع معاً
الحجاب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
عندما نسمع قصة البنت التي كانت تكذب على أبويها، هذه صورة واضحة في المجتمع وتحصل في كل زمان وكل مكان. عندما نعود الى كتاب الله عزوجل نلاحظ أن القرآن الكريم إستعرض لنا في آيات كثيرة، إستعرض في الجانب الإجتماعي وعرض لنا صورة إخوة يوسف سلام الله عليه عندما جاءوا لأبيهم بقميص يوسف وكذبوا على أبيهم وقالوا إن الذئب أكل يوسف سلام الله عليه، هنا نلاحظ هذه الظاهرة الإجتماعية التي تنتشر في المجتمع وهي خوف الأبناء من أبيهم او من أبويهم بشكل عام فهنا اذا خاف الأبن او البنت فهو يلجأ الى الكذب، هو في تصوره أن هذا الكذب يحميه ولكن هذا تصور خاطئ لأن الكذب هو أن ينقل الإنسان عكس الحقيقة وهي صفة ذميمة، صفة لايحبها الله، لايحبها الرسول صلى الله عليه وآله، لايحبها أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين والإنسان المؤمن لايمكن أن يكذب لذلك الباري جلّ وعلا عندما وجه نداءه "إتقوا الله وكونوا مع الصادقين" يعني الإنسان الصادق هو الذي يتبع طريق الصادقين وبالطبع صفة الكذب صفة ذميمة والإنسان الكاذب يفقد شخصيته ويفقد مصداقيته ولاتكون له منزلة في مجتمعه، الكل يخافه، الكل يخشاه لأنه عندما ينشر بين الناس هذا الكذب ويُغيّر الحقيقة هو يصبح ممبوذ في المجتمع لأجل ذلك نرى أن القرآن الكريم في آيات كثيرة ذمّ الإنسان الكذّاب ووصف الكفرة بأنهم يكذبون على الله عزوجل. هذه الصورة وهذه الظاهرة الموجودة في المجتمع بالطبع تحتاج الى الإنسان المؤمن ذلك الشاب او الشابة، الواعي الذي يعيش تعاليم الإسلام ويقرأ القرآن الكريم ويسمع احاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليه أن يعي اذا كذب يوماً فصحيح ربما ينجو ولكن في يوم من الأيام سوف تأتي الحقيقة كما جاءت الحقيقة لإخوة يوسف، فضحهم يوسف بين الناس. اذا إفتضح الإنسان الكذاب، ربما كذب أول مرة ولكن اذا إفتضح أمره وظهر على حقيقته، كيف يغطي وجهه امام الناس، كيف يعيش أمام الناس؟ لأجل ذلك الإسلام هذبنا والقرأن الكريم نهانا عن الكذب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
"فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" (سورة الطور۱۱)
وبعد أن تابعتم أعزائي المستمعين ما قاله سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية نتوجه الان الى الدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس الإجتماعي في العراق لسؤالها عن الأسباب التي دعت سناء الى ممارسة الكذب، فهل يعود ذلك الى الحرص الزائد من قبل الأب وتشديده على أفراد الأسرة أم ان هناك أسباب اخرى تدعو الى الكذب وهل هناك طرق لمعالجته والإبتعاد عنه وكيف ينبغي أن يتصرف الأبوان لكي لايضطر الأبناء الى الكذب؟ فلنستمع معاً
عبد العزيز: طبعاً الكذب من الأساليب والتبريرات التي في علم النفس نسميها آليات الدفاع النفسي، عندما يوضع الإنسان في مشكلة ويريد أن يتخلص من عقوبة هذه المشكلة او العقاب الذي سيناله يلجأ الى أساليب عديدة منها الكذب للتخلص من هذه المشكلة او التخلص من العقاب. الكذب هو من السمات السلبية عند الإنسان، يعتاده عندما يلاحظ أن أولياء الأمور مثلاً إتصال هاتفي للأب والأب يقول قل له غير موجود وهو موجود اذن هو يمارس الكذب امام أبناءه فتنتقل هذه السمة لاإرادياً الى الإبن فهذه من الممارسات التي ممكن أن نمارسها امام أبناءنا وتكون خاطئة فتنتقل وتكون سمة من سمات أبناءنا ويعتاد عليها الطفل ويمارسها فعندما يمر بأزمة ويريد التخلص منها يلجأ الى الكذب. على اولياء الأمور أن يكونوا صريحين مع أبناءهم وأن يعتمدوا على أقوالهم وأفعالهم حتى لايلجأوا الى الكذب وأن لايوعدوا أبناءهم ويخلفون الوعد فكل هذه أثار نفسية مباشرة على نفسيات الأولاد.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا الكرام نشكر ضيفينا العزيزين سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس الإجتماعي من العراق على حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن المتابعة لبرنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، على أمل أن نلتقيكم في حلقات أخرى قادمة إن شاء الله دمتم في امان الله وحفظه.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة