البث المباشر

فاطمة في آية الايثار ـ ۱

الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 - 11:12 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 56

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي خلق فهدى، والصّلاةُ والسّلام على أعلامِ الهدى، النبيّ المصطفى المقتدى، وعلى آله أهل الصّلاحِ والخير والندى. إخوتنا الأحبّة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله وأطاب أوقاتكم، وأهلاً بكم في رحاب آيةٍ أخرى من آيات كتاب الله العزيز، تلك التي عرفت باسم (آية الإيثار)، وهي قوله تبارك وتعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" صدق الله العليُّ العظيم، وهي أيّها الإخوة الأعزّة الآية التاسعة من سورة الحشر الشريفة.
وتبياناً لبعض مداليلها قال الشيخ الطَّبرسيّ رحمه الله في تفسيره (مجمع البيان) حول العبارة السابقة: "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ "يعني المدينة، وهي دار الهجرة تبوّأها الأنصار قبل المهاجرين. (والإيمان) أي أثروا الإيمان (من قبلهم)، قيل: قبل قدوم المهاجرين عليهم، وقيل: قبل إيمان المهاجرين وهم الأنصار الذين جاؤوا إلى الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم فبايعوه ليلة العقبة.
والآن إخوتنا الأفاضل نأتي على العبارة التالية من آية الإيثار، وهي قوله عزّوجلّ: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"، فنتساءل: ما معنى الإيثار، ومن كان مصداقه الأعلى، وكيف يتحقّق ومتى؟! عرّف الإيثار أيّها الإخوةُ الأكارم بأنّه التقديم، كما جاء في محكم التنزيل على لسان إخوة يوسف عليه السلام: "تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا"، (الآية:۹۱). والإيثار خلقٌ فاضلٌ يعبّر عن الشعور بالغيريّة، من خلال تقديم الآخرين على النفس، رحمةً بهم، أو إكراماً لهم، أو تواضعاً أمامهم. وإذا كان قد تجلّى هذا الخُلُق الرفيع في أحدٍ فقد تجلّى في محمّدٍ وآله صلواتُ الله عليه وعليهم. جاء في بعض الروايات، "أنّ موسى عليه السلام ناجى ربّه: يا ربّ، أرني درجات محمّدٍ وأمّته، قال: يا موسى، إنّك لن تطيق ذلك، ولكن أريك منزلةً من منازله جليلةً عظيمة، فضّلته بها عليك وعلى جميع خلقي. فكشف اللهُ عزّوجلّ لموسى عن ملكوت السماوات، فنظر موسى عليه السلام إلى منزلةٍ كادت تتلفُ نفسهُ من أنوارها وقربها من الله عزّوجلّ، فقال موسى: ياربّ، بماذا بلغته إلى هذه الكرامة؟ قال: بخُلُقٍ اختصصته به من بينهم، وهو (الإيثار). يا موسى، لا يأتيني أحدٌ منهم (أي من الخلق) قد عمل به (أي بالإيثار) وقتاً من عمره، إلاّ استحييتُ من محاسبته، وبوّأتُه من جنّتي حيث يشاء".
وهذه أيّها الإخوة الأعزّة صفةٌ عرف بها البيتُ النبويّ الطاهر، فقد روى أصحابُ السّير والتاريخ أنّه لمّا بات الإمام عليٌّ عليه السلام على فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله ليلة الهجرة، أوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل وميكائيل: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب! آخيتُ بينه وبين محمّد، فبات على فراشه يفديه بنفسه، فيؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه. فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخٍ بخٍ! من مثلُك يا ابنَ أبي طالب؟! يباهي اللهُ بك الملائكة، فأنزلَ الله عزّوجلّ قوله فيه: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" (البقرة:۲۰۷)
ويكفينا أيِّها الإخوةُ المؤمنون بعد هذا في مدح الإيثار كلامُ الله جلّ وعلا، وهو أحسنُ الحديث وأبلغه، حيث جاءت فيه هذه الآية المباركة: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"، أي يقدّمون إخوانهم على أنفسهم بأموالهم وغيرها ولو كانوا على حالٍ من الفقر والحاجة، فعند العوزَ والضيق يكون الإيثارُ أعظم أجراً لهم وأكثر ثواباً عند الله جلّ وعلا وهذه الخصلة أبلغُ في مدح المؤثرين.
وقد مدح الإمام الصادق عليه السلام يوماً البرَّ بالإخوان في العسر واليسر، ثمّ قال: "أما إنّ صاحب الكثير يهونُ عليه ذلك (أي العطاء)، وقد مدحَ اللهُ عزّوجلّ في ذلك صاحب القليل فقال في كتابه: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"".
وفي خصوص هذه الآية المباركة أيّها الإخوة كان للمفسّرين آراءٌ في تطبيقاتها، وقد ذهب جملةٌ منهم إلى أنّها عنت جماعةً خاصّة هُم مصداقها الأكمل فروى الشيخُ المفيد في (أماليه)، وابنُ شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب)، وأبو يوسف في تفسيره، والمجلسيُّ في (بحار الأنوار) وغيرُهم، عن ابنِ عبّاس وأبي هريرة أنّهما قالا: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فشكا إليه الجوع، فبعث النبيّ إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء! فقال صلّى الله عليه وآله: من لهذا الرجلُ؟ فقال عليٌّ عليه السلام: أنا له يا رسول الله. فأتى عليه السلام إلى فاطمة الزهراء عليها السلام وسألها: ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلاّ قوتُ الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به. فقال لها: يا بنت محمّد، نوّمي الصبيّة وأطفيء المصباح. وجعل عليٌّ وفاطمة عليهما السلام يمضغان من غير طعام والضيف يأكل مقبلاً عن جوع، فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة بالسراج. ولمّا كان الفجر صلّى عليٌّ عليه السلام خلف النبيّ صلّى الله عليه وآله، فلمّا أتمّ النبيُّ صلاته نظر إلى عليٍّ فبكى وقال له: "لقد عجب الربُّ من فعلكمُ البارحة، إقرأ:"وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة