البث المباشر

ومضة .. من برق كربلاء

الأحد 29 سبتمبر 2019 - 08:15 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نور من كربلاء: الحلقة 10

سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
أزكى التحيات نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج.
أيها الأفاضل، عن أهم آثار القيام الحسيني المقدس بعث وتقوية روح النصرة والولاء لله الحق من خلال تقوية روح الولاء والنصرة لصفوته المنتجبين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وهذا الأثر من الأنوار التي تتوهج في قلوب الباكين على الحسين وعلى مظلوميته عليه السلام فتجعلهم يجتهدون في نصرة الحق الإلهي والدين الإلهي بكل وسيلة تتاح لهم...
وهذا هو موضوع حلقة اليوم وهو محور ما كتبه للبرنامج أستاذنا الأديب الحاج إبراهيم رفاعة حيث قال تحت عنوان (ومضة .. من برق كربلاء):
"رائية" دالة على وزن قائلها ووقار شخصيته، وعلى اقتداره الشعري بلغة جزلة متينة.. يعرف البصير بالشعر أنها من لغة القرن الرابع أو الخامس، وهي فعلاً كذلك؛ فقائلها المتوفى سنة ٤۳٦ بعد عمر ناهز الثمانين هو علي بن الحسين بن موسى الموسوي نقيب الطالبيين في العراق، الشهير بالشريف المرتضى، وأخو الشريف الرضي.
والمرتضى كان – وما يزال – من أكابر العلماء وأعاظم الشعراء، ومن تفرد – على نطاق واسع – للدفاع عن نهج أجداده أهل البيت عليهم السلام، فكانت مؤلفاته صوت نصرة لآل محمد صلوات الله عليهم في العلم بشتى ميادينه، كما كان شعره – وما يزال أيضاً – صوت انتصار.
لامست قلب الشريف المرتضى ومضة من برق كربلاء، فالتهب قلبه مشرقاً بنور متوثب حزين، ولومض كربلاء – دائماً – فعل أشبه ما يكون بفعل لمسة "الكهرباء" لكنها كهرباء حركة وطاقة تهب القلب حرارة غاضبة وتوقداً بالضياء.
آل محمد صلوات الله عليهم.. أهله وأحبابه، ومن لا يعدل بهم أحداً من الخلق، إنهم أحباء الله وأصفياؤه الذين جعلهم منبع النور في العالم ومصدر كل خير.
مر بديارهم وبدورهم حفيدهم علي بن الحسين المرتضى.. بعدما وقعت واقعة عاشوراء، فإذا كل شيء قد تبدل وكل شيء أمسى خلاف ما كان عليه من الحياة المتدفقة والخصوبة المحيية، وإذا شموسها وأقمارها المحمدية المتألهة غائبة، وإذا الليل هو الذي يغطي الأرض.
لابد أن يبكي الشريف المرتضى، والبكاء من أظهر علامات إنسانية الإنسان، ولابد أن يغضب وأن يهيمن عليه الخنق والغيظ، إن لم يغضب المرء لحرمات الله الكبيرة التي تستباح جهاراً.. فلمن يغضب إذن، ولمن يدخر مشاعر الغيظ والرفض والغليان؟!
يبدأ الشاعر وهو يستعرض ديار أهله الخالية بمشاعر مستطلعة داخلها أسىً حزين على هذا التغير في المشهد الذي تبصره عيناه، إنه يستنطق الديار ويكلمها؛ لأنه يعرفها ناطقة زاخرة بالحياة:

يا ديار الأحباب، كيف تحولـ

ت قفاراً، ولم تكوني قفاراً؟!

ومحت منك حادثات الليالي

- رغم أنفي – الشموس والأقمار؟!

ورأتك العيون ليلاً بهيماً

بعد أن كنت للعيون نهارا؟!


لم يكن المرتضى وحده من وقف على الديار واستنطق الآثار، إنما اتخذ له رفيقاً يرافقه في زيارته ديار الأحباب، وأحسب أن هذا الرفيق ليس رجلاً آخر منفصلاً عن شخصية الشاعر، بل إنه إنما يخاطب نفسه حين يخاطب هذا الرفيق الإفتراضي.
هذا الفقد وهذا الوجد لابد أن يمضي به إلى مركز الواقعة العظمى التي غيبت أعزاء قلبه وأحباء روحه المستشهدين، إنه يعرف أين يذهب، وأين هو موضع المقتلة الرهيبة إنه ذاهب إلى طفوف كربلاء:

يا خليلي، كن طائعاً لي ما دمـ

ـــــــــت خليلاً، وإن ركبت الخطارا

عج بأرض الطفوف عيسك واعقلـ

ـــــــــــهن فيها، ولا تجزهن دارا

وابك لي مسعداً لحزني وامنـحــــــ

ـــــــني دموعاً إن كن فيك غزارا

فلنا في الطفوف قتلى – ولا ذنـ

ـــــــــــب سوى البغي من عدىً – وأسارى


لماذا تتدفق موجات الحزن سراعاً الى فؤاده وتستقر في أعماقه فجأة بلا استئذان؟! إنها "كهرباء" الطفوف.. لا تستأذن ولا تستجيز أحداً في فعلها المباغت الفوري، أيستأذن البرق أحداً منا إذا ما انفتق فوقنا فجأة وأضاء؟!
إن المرتضى من أبناء آل محمد ومن شيعتهم أيضاً، وهم سلام الله عليهم القائلون: شيعتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، هكذا.. دونما تفكر ودونما اختيار.

إن يوم الطفوف رنحني حز

ناً عليكم، وما شربت عقارا!


إنه كمن أسكره هذا الحزن الغلاب ورنحه وهو يمشي.. حتى كاد يسقط على الأرض، ليس شراباً ما شربه الشاعر، وإن كان ظاهر حاله يشبه حال من أثمله الشراب، إنه الحزن الحسيني العميق.. يرنح حتى صخور الجبال.
تضيق به الأرض الفضاء لدى استحضاره صور عاشوراء، وتستبد به أحزان لا أول لها ولا آخر، فلا يغدو للأنس والتنعم عندها من معنى، لابد أن يحيد عن الراحة ويزور عن اللذات؛ فالمصيبة شاملة تهيمن على كل شيء، والمهوم تطغى على ما سواها من مشاعر الإنسان:

إن يوم الطفوف رنحني حز

ناً عليكم، وما شربت عقارا

وإذا ما ذكرت منه الذي ما

كنت أنساه.. ضيق الأقطارا

ورمى بي على الهموم، وألقى

حيداً عن تنعمي وازورارا


إن الشريف المرتضى لا يرضى مكتفياً بالهم والحزن والبكاء، ليس البكاء والتفجع والتلوع بكاف لالتئام الجروح، ولا لشفاء الصدور، إن هذا الرجال الممسوس بالوميض العاشورئي المكهرب إنما يريد "الفعل" يضيق عن همته العالية ما ينطق به من الشعر والقول، ويلتمس السبيل لينطلق إلى نصرة آل محمد المظلومين المقتولين انطلاقاً عملياً في ميدان القتل والقتال.. إسترداداً للحقوق التي عدواناً سلبت، وانتقاماً للدماء التي ظلماً سفكت.
إن قضية الثأر في صدر هذا الرجل سر مكتوم لطالما حدث به نفسه زماناً مديداً، وإنه فرط تفجعه وتوجعه كاد يهتك الستر ويكشف السر، فيخرج به من الكتمان إلى العلن:

كدت – لما رأيت إقدامهم فيـ

ــه عليكم – أن أهتك الأستارا

وأقول الذي كتمت زماناً

وتوراى عن الحشاما توارى

لست أرضى في نصركم – وقد احتجـــــ

تم الى النصر – مني الأشعارا

غير أني متى نصرتم بطعن

أو بضرب.. أسابق النصارا


يعلم الشريف المرتضى أن وقت القيام لثأر الحسين وثارات آل محمد لم يحن أوانه بعد، ممنوع عليه هذا الإقدام قبل أن يأذن الله به، فما هو صانع الآن وفجائع كربلاء تتأكل قلبه ولا تدعه يستريح ليس له الآن – سلاحاً – إلا سلاح الكلمة وإلا حسام الشعر، وما عليه إلا الصبر والإصطبار.. والله سبحانه المستعان:

والى أن يزول عن كفي المنـ

ـع خذوا اليوم من لساني انتصارا

وأمرنا بالصبر.. كي يأتي الأمـ

ـــر، وما كلنا يطيق اصطبارا!


مستمعينا الأكارم وهكذا يتضح أن تقوية الدائمة لروح النصرة الإيمانية لله عزوجل ولأوليائه الصادقين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين هي من أهم الآثار الوجدانية للقيام الحسيني المقدس، آثار دائمة التفجر والتوهج تتمظهر بمصاديق شتى لهذه النصرة دون أن تنقطع في سلوك الباكين على الحسين عليه السلام.
وبهذا نصل أيها الأعزاء الى ختام حلقة أخرى من برنامج نور من كربلاء قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
شكراً لكم وفي أمان الله...

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة