البث المباشر

الشاعر دعبل بن علي الخزاعي.. كل شيء يبكي الحسين

السبت 28 سبتمبر 2019 - 15:09 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نور من كربلاء: الحلقة 5

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.. معكم بتوفيق الله في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستنير فيها بنور آخر من الأنوار الإلهية التي تنبثق من القيام الحسيني.. إنه نور البراءة من أعداء الله ورسوله الظالمين وإدانة فعالهم وفي ذلك صيانة النفس من الوقوع في الظلم بمختلف مراتبة وهذا من أهم الثمار الزاكية للبكاء على المظلومية الحسينية.. ونجدها في عديد من نماذج الشعر الحسيني الصادق ومنها ما يحدثنا عنه أستاذنا الحاج الأديب إبراهيم رفاعة حيث كتب تحت عنوان (كل شيء يبكي الحسين) يقول:
غير القصيدة التائية المطولة.. لدعبل بن علي الخزاعي شعر آخر غي الإمام الحسين روحي فداه، منه قصيدة رائية، وأبيات عينيه وأخرى دالية، ثم أبيات تائية أيضاً. هذا غير ما ضاع من شعره أو أضيع عمداً من قبل مناوئيه، إذ كان دعبل قوياً في فنه الشعري إبان القرنين الثاني والثالث، قوياً في اعتقاده بأهل البيت سلام الله عليهم وفي محبته الطافحة لهم، فاتخذ شعره مرآة تجلي محبته.. وسلاحاً لمواجهة أعدائهم الذين يضمرون أو يظهرون لهم البغض والشنان.
أما تائيته التي لها حديث آخر مستقل.. فهي القصيدة الخالدة المتلألئة الفصيحة الإعلان عن حبه القدسي لآل محمد، والصريحة في بيان أشجانه وأحزانه على المصائب التي اجترحها بحقهم حكام المسلمين المتسلطين، وهي القصيدة التي أنشدها دعبل في مرو بخراسان في محضر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وبكى لدى ذكر مصائب أهل البيت المضطهدين المظلومين، حتى غشي عليه أكثر من مرة.
مباركة هي تائية دعبل في الشعر، ومفلح هو دعبل في الشعراء.
في شعره الآخر.. يبكي الحسين ويستبكي، ومن مزايا شعر دعبل أنه ينظر نظرة كلية الى ظلامات آل محمد.. تلك التي حفرت في ذاكرة الحياة أعمق حفر، وما يزال لها أبقى أثر، ثم يفرد ظلامة شهيد الله الذبيح أبي عبدالله الحسين بمناحة خاصة، آل محمد – في رؤية دعبل الخزاعي – كما هم في الواقع – وحدة واحدة لا تتجزأ، لكن منهم ألقه الخاص وظهوره المتميز، أما ألق الغريب المظلوم المستفرد فهو ألق أحمر مدمى.. كأنه في وسط صفاء سماء العالم شمس مشرقة حمراء.
كل شيء يبكي الحسين، هذا الشاعر هو أيضاً شيء من أشياء العالم.. منخرط في المناحة الشاملة، كأن من يمتنع عن البكاء أو يأنف.. ذرة تائهة داخلة في ظلمة العدم!

إن كنت محزوناً فما لك ترقد؟!

هلا بكيت لمن بكاه محمد؟!

هلا بكيت على الحسين وأهله؟!

إن البكاء لمثلهم قد يحمد

لتصنعضع الإسلام يوم مصابه

فالجود يبكي فقد والسؤدد

فلقد بكته في السماء ملائك

زهر كرام راكعون وسجد


ثم يستذكر أطرافاً من فاجعة كربلاء، وما تضج به من أسىً وثكل مريع:

لم يحفظوا حق النبي محمد

إذ جرعوه حرارة ما تبرد

قتلوا الحسين فأكثلوا بسبطه

فالثكل من بعد الحسين مبرد

كيف القرار؟! وفي السبايا زينب

تدعو بفرط حرارة: يا أحمد!

هذا حسين بالسيوف مبضع

متلطخ بدمائه مستشهد؟!

يا جد، من ثكلي وطول مصيبتي

ولما أعانيه أقوم وأقعد


أما أبيات جعبل العينية الخمسة.. فيبدو أنها وحدها الباقية من قصيدة له طويلة، أما سائرها فأهمله من رواها من مؤرخي الأدب المتعصبين على الحق، وما حفظ إلا هذه الخمسة، في هذه الأبيات التي أفلتت من التضييع والإبادة.. مشهد مأساوي من أشد المشاهد إيلاماً وتجريحاً للقلوب:

رأس ابن بنت محمد ووصيه

- يا للرجال – على قناة يرفع


دعبل يندب الرجال للإنتفاض والإنقضاض، لكن.. لا رجال! كلهم يرون بأعينهم القمر المحمدي المبضع المصبوغ بدم الشهادة محمولاً على رمح طويل.. يطاف به – تشهيراً وشماتة – في مدن المسلمين، وما يرف لأحد من الموتى جفن! ومع هذا كله.. يغلب على مشهد الرأس الأقدس بهاء الجمال، بهاء خارق وجمال من نوع فريد.. تود كل روضة غناء بالزهر والعطر أن تكون موضع قبره.. فائزة باحتضان جسد النور:

رأس ابن بنت محمد ووصيه

- يا للرجال – على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبسمع

لا جازع من ذا ولا متخشع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرىً

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم نعيك كل أذن تسمع

ما روضة إلا تمنت أنها

لك مضجع، ولخط قبرك موضع


وفي أبياته التائية الأخرى – غير مطولة المعروفة – يبكي دعبل حزناً ويسكب العبرات، هو ذا يخاطب نفسه ويحادثها من خلال الدموع:

أتسكب دمع العين بالعبرات

وبت تقاسي شدة الزفرات

وتبكي لآثار لآل محمد

فقد ضاق منك الصدر بالحسرات

ألا فابكهم حقاً، وبل عليهم

عيوناً لريب الدهر منسكبات

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم

وداهية من أعظم النكبات

سقى الله أجداثاً على أرض كربلا

مرابيع أمطار من المزنات

وصلى على روح الحسين حبيبه

قتيلاً لدى النهرين بالفلوات

أنا الظامئ العطشان في أرض غربة

قتيلاً ومظلوماً بغير ترات

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا

وساقوا نساء ولها خفرات


الحزن المجرح المرنح الذي يستبد بصميم قلبه سيفجر دعاء على من تولى كبر مذبحة عاشوراء وقذائف لعنات، عمر بن سعد ومن تبعه من شيعة آل أبي سفيان أثبتوا – بفعلتهم الشنيعة الفظيعة – أنهم "لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة" لا يصونون لله حرمة، ولا يحفظون عهداً من العهود، تجرأوا بفضاضة وفضاعة على أكرم أهل العالم خامس الخمسة الطيبين الأطهرين: تقتيلاً وذبحاً وتمثيلاً وشتماً ونهباً.. دون أن يبالوا بشيء، ثم – يا ويلهم – لما فرغوا من مذبحة الحسين وأهله وقفوا لصلاة المغرب يصلون! ما أخيب المرتكس على رأسه في الضلال وما أتعس المنكوس من "الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"!
دعبل لا يطيق خطاب ابن سعد، لكنه على رغمه سيخاطبه، تعبيراً عن غضبات قلبه التي تغلي باستمرار:

فقل لابن سعد، عذب الله روحه:

ستلقى عذاب النار باللعنات

سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا

وأقنت بالآصال والغدوات

على معشر ضلوا جميعاً، وضيعوا

مقال رسول الله بالشبهات


وبهذا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم نور من كربلاء إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
في امان الله. 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة