البث المباشر

من صرخات حاملات رسالة الشهداء

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 - 10:34 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- هدير الملاحم: الحلقة 25

قالت مولاتنا أم البنين-سلام الله عليها-

يا من رأى العباس كرّ على جماهير النقد

و وراه من أبناء حيدر كل ليثٍ ذي لبد

أنبئت أنّ ابني أصيب برأسه مقطوع يد

ويلي على شبلي أمال برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يديك لما دنا منكم أحد


بسم الله الرحمن الرّحيم
الحمد لله الذي هو الأوفى، وأزكى صلواته على حبيبه المصطفى وعلى آله أهل الخير والوفاء.
إخوتنا الأكارم... السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- مستمعينا مستمعاتنا! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إنّ من سنن التاريخ أنّ الوقائع تخلف وقائع، وأنّ الحوادث تخلّف حوادث، فيخطأ من يقلّل من أهمية القضايا التي وقعت في صدرالإسلام، ناظراً إليها على أنها مسائل تاريخيةُ لا علاقة لها بالدين. بينما وجدنا - أيها الإخوة الأعزّة - أن المجريات التي حدثت يومذاك لاتزال آثارها تنعكس على أفكارالناس وعقائدهم وقناعاتهم ومواقفهم.
وواقعة طفّ كربلاء أو حادثة يوم عاشوراء هي الأخرى كان لها تأثيراتها الكبرى على التاريخ وعلى الأجيال، بل أخذت تلك التأثيرات والانعكاسات تتفاقم جيلاً بعد آخر، فخلّفت ثوراتٍ وانتفاضاتٍ كبرى على مدى القرون والعصور، وتفاعل الناس معها حتّى تحوّلت إلى موالاةٍ عميقةٍ لأهل البيت، وإلى براءةٍ حادة من أعدائهم، وتحولت إلى ولاءٍ ومحبّةٍ للإمام الحسين -عليه السلام-، وبغضٍ ونفرةٍ من يزيد بن معاوية ومن جميع قتلة الإمام الحسين -عليه السلام-.
وكانت للواقعة العاشورية، أيها الإخوة الأفاضل، فضلاً عن الآثار العقائدية والولائية والأخلاقية آثارٌ أدبيةٌ وشعرية حيث انطلقت منذ ساعاتها الأولى إلى يومنا هذا وإلى ما يشاء الله -تبارك وتعالى- قصائد الرثاء والعزاء والبكاء، وقصائد الحماسة والثأر، وقصائد إجلال الشهداء، وبيان شرفهم ومواقفهم وحالاتهم، التي استشهدوا عليها -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.
إخوتنا الأعزة المؤمنين... لعلّ من أوائل الأراجيز التي انطلقت في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله- حين وصل خبر شهادة أبي عبد الله الحسين -عليه السلام-، هي أراجيز أم البنين، زوجة أمير المؤمنين وأم العبّاس وإخوته -رضوان الله عليهم أجمعين-. تلك المرأة الصالحة التي رفدت الركب الحسيني الشريف بأربعة أولادها، تشدّ على أعضادهم بيد النّصرة، نصرة إمامهم وسيدهم وأخيهم الحسين بن علي وابن فاطمة -سلام الله تعالى عليهم-.
وكان من وفاء هذه المرأة الطاهرة المخلصة، أن أحزنها مقتل الحسين أشدّ ممّا أحزنها مقتل أولادها الأربعة، ولكنّها الأمّ العطوف، وقد فجعت بمقتلهم جميعاً في ساعةٍ واحدة، فعادت ترثيهم وتفتخر بهم في الوقت ذاته، فكان لها هذه الأرجوزة الفاخرة:

يا من رأى العبّاس كرّ على جماهير النّقد

ووراه من أبناء حيدر كلّ ليثٍ ذي لبد

أنبئت أنّ ابني أصيب برأسه مقطوع يد

ويلي على شبلي أمال برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يديك لما دنا منكم أحد


وقد روى لنا التاريخ أنّ أمّ البنين فاطمة بنت حزامٍ الكلابية -رضوان الله عليها- كانت تخرج إلى البقيع، فترثي الحسين وأولادها الأربعة الذين استشهدوا بين يدي الحسين-عليه وعليهم السلام وعليها-. وقد صوّرت لنا هذه الأرجوزة، على قصرأبياتها، أمرين: شجاعة أبي الفضل العبّاس وبطولته -سلام الله عليه-، وعظم الفجيعة بشهادته -رضوان الله عليه-.
فيما كانت لامّ البنين أرجوزةٌ أخرى ترثي بها أولادها الأربعة، وذلك حين تخرج إلى البقيع يصحبها حفيدها عبيد الله بن العبّاس، فتقول فيها وكأنّها تخاطب إحدى صويحباتها:

لا تدعوني – ويك - أمّ البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعي بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الرّبى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم

فكلّهم أمسى صريعاً طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأنّ عبّاساً قطيع اليمين؟!


وقد احتوت هذه الأرجوزة، أعزائي المستمعين، على صورٍ عديدة: الأولى: حالة الأمّ الثكلى التي فقدت أولادها الأربعة مرّةً واحدة، حتّى أصبحت لاتطيق سماع أخبارهم. والصورة الثانية: حالة وصف الشجاعة مقرونةً بالافتخار بمن كان لهم إقدامٌ جسورٌ واصلوه حتّى قطع الرقاب. والصورة الثالثة: حالة الأعداء الذين كانوا ينضخون حقداً على الحسين وآل الحسين، فهجموا على المؤمنين بروحٍ منتقمةٍ ظهرت في المثلة بأجساد الشهداء وتمزيقها بالرماح، وتقطيع الرؤوس وفصلها عن الأبدان. ثمّ الصورة الرابعة والأخيرة: هي صورة التعجّب والتفجّع معاً، في تساؤلٍ مستغرب:

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأنّ عبّاساً قطيع اليمين؟!


ووراء ذلك قلقٌ كبير كان يهجم على قلب أمّ البنين، وذلك لأنّ العبّاس إذا قطعت يمينه وهو حامي الحسين وناصره وفاديه بمهجته، فإنّ ذلك يعني أنّ الحسين أصبح في خطرٍ وقد استفرد وتقدّمت إليه سيوف الحقد ورماح
الضغينة فنالت منه ما نالت!
ونبقى، إخوتنا الأحبّة، مع الأرجوزة النسائية فهي تمتاز بالرقّة والعاطفة والحنان، وبالتسلّي بلوعات المصاب بكاءً وعزاءً، وافتخاراً بتقديم فلذات الأكباد من الأزواج والأبناء والإخوان، ضحايا للعقيدة، شهداء ذوي مقامٍ منيع وشرفٍ رفيع.
وقد ذكرت لنا كتب المقاتل أنه كان لآل عقيل في كربلاء سبعة عشر شهيداً فجعت هذه الأسرة حتّى أنّ بيوتها خلت أو كادت أن تخلو من الرجال!
فكان لأسماء بنت عقيل، أخت مسلم هذه الأبيات:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

يوم الحساب وصدق القول مسموع

خذلتم عترتي، أو كنتم غيباً

والحقّ عند ولي الأمر مجموع؟!

أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما

منكم له اليوم عند الله مشفوع

ما كان عند غداة الطفّ إذ حضروا

تلك المنايا ولا عنهنّ مدفوع


هذا فيما كان لأختها أمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب هذه الأبيات:

عيني إبك بعبرةٍ وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

ستةٌ كلّهم لصلب علي

قد أصيبوا، وخمسةٌ لعقيل


وقيل تسعة لعقيل، هؤلاء من صلبه، وأمّا من أحفاده فيكون عددهم ما يقارب الضّعف، وقد روى البيتين لابنة عقيل: ابن عبد ربّه في(العقد الفريد)، وبقيت هذه الأبيات والأراجيز لوحاتٍ تعرض لنا صوراً تاريخية، تنطوي على مواقف عقائدية، وحالاتٍ أخلاقية... فيها الوفاء والتضحية والشجاعة، كما كان فيها البصيرة وحبّ لقاء الله تعالى في حالة الإخلاص والفداء والشهادة.
كانت هذه، مستمعينا الأفاضل، نماذج من صرخات مدوية في التأريخ الإسلامي أطلقتها ضمن هدير الملاحم الحسينية حاملات رسالة شهداء واقعة الطف الخالدة.

وبهذا، أعزائي المستمعين، تنتهي الحلقة الخامسة والعشرون من برنامج هديرالملاحم إستمعتم لها من إذاعة طهران، صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعاية الله وحفظه. نشكركم علي طيب المتابعة والاصغاء، الى اللقاء.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة