البث المباشر

شرح فقرة: "والكفر والشقاق..." (۱)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:13 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 42

 

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم وله الحمد حمد الشاكرين له على جميل صنعه وحسن تدبير وقديم احسانه تبارك وتعالى رب العالمين، وأزكى صلواته وتحياته على حبيبه المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم اعزاءنا المستمعين، أطيب تحية مفعمة بالرحمة من الله والبركات نهديها لكم ونحن نلتقيكم بتوفيقه عزوجل في وقفة جديدة عند كوثر الرحمة الالهية الذي تزخر به ادعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) ومنها دعاء الحجب او الاحتجاب الذي امرتا بالتوجه به الى ربنا الكريم سيدنا الهادي المختار صلى الله عليه وآله الاطهار.

ومازلنا نستلهم دروس الهداية من مقطعه الختامي الذي جاء فيه: (اللهم اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآله محمد، وان تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

ايها الاخوة والاخوات، في هذا المقطع يعلمنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) أن نطلب من الله عزوجل العون للتخلص من كل العوامل التي تنغص على الإنسان الحياة الطيبة والكريمة، وقد فصلتا الحديث في الحلقات السابقة عن قسم من هذه العوامل وانتهينا الى عاملي الكفر والشقاق، فما هو المراد منهما؟

نبدا بالتعرف الى معنى الكفر ومراتبه، فقد ذكرت كتب اللغة ان اصله هو (الستر) ويقال للفلاح (كافر) لانه يستر البذر في الارض، وكفرت الشيء يعني غطيته.

وقد استعير هذا المعنى اللغوي في المصطلح للديني لما هو ضد الايمان وكان الكافر يغطي على الحقيقة العقائدية فلا يؤمن بها، ومنه يتفرع كفران النعمة وجحودها، فالكافر كأنه يغطي النعمة فلا يراها: كما ان الكافر يغطي فطرته السليمة التي تدعوه الى الايمان والعمل الصالح فلا يصغي لندائها ويعمل خلاف ما تدعوه اليه.

وللكفر مراتب كلها تنغص الحياة الطيبة، فأشدها الكفر الصريح بالله عزوجل وهو يوقع الانسان في الحيرة والضلالة والتشتت والاضطراب الروحي والنفسي والتجرأ على المعاصي التي تدمر روحه وجسده وتوقعه في الظلمات بشتى اشكالها، كما صرحت بذلك كثيرٌ من الآيات الكريمة، نتبرك بذكر بعضها بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.

قال الله تبارك وتعالى في الآية ٥٥ من سورة الانفال: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ».

وقال عز من قائل في الآية ۱۳٦ من سورة النساء: «وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً».

ونقرأ في الآيات ۱۰۳ الى ۱۰٦ من سورة الكهف قول الله تبارك وتعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً، ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً».

ونتدبر معاً في الآية ۲٥۷ من سورة البقرة حيث يقول الله ارحم الراحمين: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

مستمعينا الافاضل، الآيات الكريمة المتقدمة ونظائرها تبين بوضوح آثار الكفر السيئة على الانسان ليس في الحياة الاخروية وحسب بل وفي الحياة الدنيا ايضاً.

فالكفر يجعل الانسان الذي كرمه الله عزوجل على كثير مما خلق، يجعله شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ، أَضَلُّ سَبِيلاً من الانعام، اي انه يقتل فيه الحالة الانسانية ويوقعه في مستنقعات الحياة البهيمية وظلماتها وحيرتها.

كما ان الكفر يحبط اعمال الانسان فيضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب انه يحسن صنعاً بمعنى ان اعمال الكافر تكون في حقيقتها عديمة الفائدة لا تتحقق له الحياة الطيبة في الدنيا فضلاً عن الآخرة حيث تتضح حقائق الاشياء فيرى الكافر ان كفره قد اوقعه في الْعَذَابِ الأَلِيمِ وجره الى الخلود في جهنم ليكون من الأخسرين اعمالاً اعاذنا الله واياكم منهم ومن اعمالهم.

ايها الاخوة والاخوات، وتدينا النصوص الشريفة المتقدمة ونظائرها الى ان هذه الآثار السيئة للكفر تصدق على جميع مراتبه، بمعنى ان انكار الانسان عملياً لاي حقيقة من حقائق الايمان يؤدي الى اصابته بهذه الآثار السيئة وان كان مؤمناً بها نظرياً؛ وهذا ما يطلق عليه بالكفر العملي؛ فهو يستتبع تلك الآثار السيئة بالدرجة التي تناسب مرتبته.

فمثلاً قد يؤمن الانسان نظرياً بان الله عزوجل هو الرزاق ذوالقوة المتين ولكنه عملياً ينظر الى الاسباب التي يجري عبرها الرزاق غافلاً عن الله الذي بيده اسباب الرزق، فاذا لم ير في الاسباب رزقاً اصابه الياس وسقط في ظلمة القنوط، او لجا الى الكسب الحرام وغير ذلك مما يسلبه السكينة والطمأنينة اللتين هما من النور الذي لا يجتمع مع ظلمة الكسب الحرام او الياس والقنوط والجزع ونظائر ذلك؛ فيكون بذلك كافراً في مرتبة من مراتب الكفر العملي وان كان مؤمناً نظرياً بان الرزق بيدالله وانه تبارك وتعالى قد ضمن وصوله الى خلقه بالحلال.

ايها الاكارم، اما عامل الشقاق فهو ايضاً من العوامل التي تنغص على الانسان الحياة الطيبة الكريمة كما سنرى ذلك بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) لكم دوماً من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران جزيل الشكر على كرم المتابعه ودمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة