البث المباشر

شرح فقرة: "والأعراض والأمراض..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 38

 

بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي اسمه دواء وذكر شفاء تبارك وتعالى رب الارض والسماء وازكى صلواته وتحياته وبركاته على صفوته الرحماء سيد الانبياء محمد وآله النجباء.

السلام عليكم اخوتنا واخواتنا ورحمة الله وبركاته اطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم مع ادعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) حيث نقضي دقائق في استلهام دروس الحياة الطيبة من دعاء الحجب الشريف المروي في كتاب مهج الدعوات عن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)، ونقتدي به وهو يدعو ربه في المقطع الاخير من هذا الدعاء قائلاً:

(اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).


مستمعينا الاكارم، انتهينا في الحلقة السابقة الى فقرة: (والأعراض والامراض)، اي ان نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) يعلمنا فيها ان نطلب من الله عزوجل ان يصرف عنا الاعراض والامراض، فما هو المقصود بهما؟


عندما نرجع الى كتب اللغة نستفيد منها ان مفردة الاعراض تطلق على الامر الطارئ الظاهر الذي لاثبات له في مقابل الجوهر الثابت؛ ويطلق ايضاً على ما يظهر من الشيء للمرأى بصورة عامة.


وبملاحظة ان الدعاء يقرن بين الأعراض والامراض نفهم ان المراد هنا هو ما يظهر على الانسان من علامات المرض الدالة على اصابته به، وكذلك ما يطرأ على الانسان من امور مكروهة تضره. فالداعي يطلب هنا من الله عزوجل صرف هذه الامور المضرة الطارئة وكذلك تخليصه من اعراض المرض المؤذية.


اما الامراض، فهي كما معلوم جمع مرض، و المرض تعني كل حالة تخرج بالانسان عن حالة الصحة والسلامة، سواءً كانت بدنية او روحية، قال الراغب في معجم مفردات القرآن: (المرض هو الخروج عن الاعتدال الخاص بالانسان، وذلك ضربان الاول مرض جسمي وهو المذكور في قوله تعالى: «وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ»، والثاني عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل الخلقية نحو قوله تعالى: «أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا»، ويشبه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض اما لكونها مانعة عن ادراك الفضائل كالمرض المانع للبدن من التصرف الكامل، واما لكونها مانعة من تحصيل الحياة الاخروية المذكورة في قوله تعالى: «وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»، واما لميل النفس بها الى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض الى الاشياء المضرة).


وقال العلامة الطريحي في مجمع البحرين: (قوله تعالى: «فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ»، اي شك ونفاق، ويقال المرض في القلب: الفتور عن الحق، وفي الابدان: فتور في الاعضاء يعني عن العمل).


وقال العلامة المصطفوي في موسوعة (التحقيق في كلمات القرآن) ما ملخصه: (ان الاصل الواحد في هذه المادة [اي المرض] هو اختلالٌ في اعتدال المزاج او النفس في قبال سلامتهما وصحتهما ... وسلامة الروح ان يبقى الانسان على روحانيته وصفائه ويسير على مسير التوجه الى عالم النور والتكميل وتقوية ذاته، ... وتوضيح ذلك ان لنفس الانسان اما تعلق الى مادونه من الماديات من لذائذ الدنيا وشهوتها، واما تعلق الى مافوقه من عالم الملكوت والنور والتجرد، واما تعلق الى نفسه وحفظ ما له وما هو فيه من العنوان والتشخص والمقام فيما بين الناس.


ففي الوجه الاول: تظهر آثاره من حب المال والتوجه الى اللذات الدنيوية وشهواتها فيتولد من ذلك الحرص والطمع والغضب والتنازع والحسد والبخل وسوء النية فان حب الدنيا رأس كل خطيئة.


وفي الوجه الثاني: يتجلى من الانسان التكبر والتجبر والتحقير والرياء وحب النفس والعنوان والمدح؛ فان آخر ما يخرج من قلب المؤمن حب النفس.


وفي الوجه الثالث: يبقى على مسيره الصحيح ويسير الى كماله وسعادته ويجتهد في تحصيل خيره وصلاحه ... ويجاهد في الله ... ففي هذا يتحقق له الصفاء والسلامة والنورانية والطهارة الروحانية ويهذب نفسه ويزكيها عن الصفات الرذيلة).


ايها الاخوة والاخوات، على ضوء التوضيحات المتقدمة يتبين لنا ان ما يعلمنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) في هذه الفقرة من الدعاء الشريف هو ان نطلب من الله عزوجل ان يصرف عنا وعمن يهمنا امره وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كل طارئ وعارض سوء او عوارض والامراض واصل الامراض بشتى اقسامها البدنية والقلبية والنفسية لانها جميعاً تنغص على الانسان الحياة الطيبة الكريمة، فالبدنية تثقل الانسان عن صالحات الاعمال والقلبية والنفسية تصده عنها، وهي زاد مسيره للكمال.


ولذلك نلاحظ ان نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) عندما سئل عما يدعو به المؤمن في ليلة القدر المباركة فامر بان تطلب العافية من الله عزوجل كما هو المروي في كتاب الاقبال وغيره. وقد تكرر طلب العافية بجميع اقسامها في الادعية الشريفة ومنها دعاء الامام زين العابدين في طلب العافية وشكرها وهو الدعاء الثالث والعشرين من ادعية الصحيفة السجادية، يقول صلوات الله عليه في بعض فقراته: (اللهم صل على محمد وآله وألبسني عافيتك وجللني عافيتك وحصني بعافيتك واكرمني بعافيتك، واغنني بعافيتك وتصدق علي بعافيتك وهب لي عافيتك وافرشني عافيتك واصلح لي عافيتك ولا تفرق بيني وبين عافيتك في الدنيا والآخرة اللهم صل على محمد وآله وعافني عافية كافية شافية عالية نامية تولد في بدني العافية عافية الدنيا والآخرة وامنن علي بالصحة والامن والسلامة في ديني وبدني والبصيرة في قلبي والنفاد في اموري والخشية لك والخوف منك والقوة على ما امرتني به من طاعتك والاجتناب لما نهيتني عنه من معصيتك يا ارحم الراحمين).


وختاماً لكم منا مستمعينا الاطائب جزيل الشكر على طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. دمتم بالف خير وفي امان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة