البث المباشر

شرح فقرة: "وأسالك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون عيون الناظرين..." (۳)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:20 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 31

 

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي من علينا بمعرفة وموالاة معاقد العز من عرشه ومنتهى الرحمة من كتابه صفوته المنتجبين ورحمته العظمى للعالمين محمد وآله الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم اجمعين.


سلام من الله ذي الفضل والانعام عليكم مستمعينا الكرام، وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيه التامل في حقائق التوحيد الخالص التي يشتمل عليها دعاء الحجب او الاحتجاب الشريف الذي امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتوجه به الى ربنا الكريم للفوز بعطائه الجزيل.


ولازلنا مع المقطع الخامس من هذا الدعاء الشريف، فنقتدي بالحبيب الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الاطهار) وهو يدعو ربه قائلاً: (واسئلك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون عيون الناظرين، الذي به تدبير حكمتك وشواهد حجج انبيائك، يعرفونك بفطن القلوب وانت في غوامض مسرّات سريرات الغيوب، اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآله محمد).


اعزاءنا المستمعين، في هذا المقطع يعلمنا سيد الهادين (صلى الله عليه وآله الطيبين) ان نتوسل لنيل العطاء الالهي الجزيل، باخص اسمائه الحسنى التي تؤهل معرفتها الداعي لتلقي هذا العطاء. وقد ذكر خمساً من خصائص هذا الاسم العزيز اولها ان الله عزوجل فتح به رتق عظيم جفون الناظرين، والمراد بذلك - كما فصلنا الحديث عن ذلك في حلقات سابقة- هو: ان الله عزوجل بهذا الاسم العزيز يفتح عيون قلوب الناظرين لرؤية ملكوته فيكونوا من الموقنين كما تشير لذلك الآية الكريمة ۷٥ من سورة الانعام وهي تحكي قصة ابراهيم الخليل (عليه السلام) الذي فتح الله عيني قلبه واراه ملكوت السموات والارضيين.


وهذا يعني ان معرفة الله جل جلاله بهذا الاسم العزيز والتوسل اليه به يعين الداعي على فتح الله عزوجل لعين بصيرته القلبية فيصل الى مرتبة اليقين كما تصرح الآية المشار اليها، واليقين المراد فيها هو اليقين بقدرة الله وحكمته، وهذا اليقين هو أهم شروط تحقق الدعاء والفوز بحصول المقاصد الشريفة التي يطلبها الانسان من ربه الكريم.


كما ان تحقق اليقين امرٌ صعب لشدة ارتباط الانسان بمظاهر الحياة الدنيا وتاثره بها، ولذلك فقد صرحت الاحاديث الشريفة بان اليقين هو اقل نعمة قسمها الله بين عباده لكنها في المقابل اكدت ان اليقين افضل العبادة وبه تمامها وكمالها واعلى مراتب الايمان ومفتاح الفلاح والباعث لحسن التوكل على الله عزوجل ومنشأ قوة ايمان المؤمن واخلاصه لله عزوجل وراس خصال اولياء الله المقربين وهو نورهم الذي يسعى بين ايديهم اي النور الذي يرون به حقائق الاشياء، وهو ضياء اهل التسليم لله والرضا بقضائه والصابرين، ولذلك فهو افضل الدين واعظم النعم الالهية على الانسان.


ايها الاكارم، وبمعرفة عظمة الفضائل الكثيرة التي ذكرتها النصوص الشريفة لليقين من جهة ومن جهة بمعرفة ان تحققه يكون بهذا الاسم الالهي العزيز الذي يعلمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان نتوسل الى الله به في هذا المقطع، نقول بذلك يتضح ان صعوبة الحصول على اليقين لا ينبغي ان تبعث الياس من الحصول عليه في قلب المؤمن، بل ينبغي ان تدفعه لطلبه من الله عزوجل والثقة بعظيم كرمه واحسانه ليمن عليه بان يفتح عيني قلبه على مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.


نعم - ايها الاكارم- عندما نتدبر في نص الدعاء الشريف نجد في المقطع المتقدم اشارة الى صعوبة الحصول على اليقين ولكن في المقابل نجد فيه اشارة اخرى الى امكانية الحصول عليه.


فعبارة: (عظيم جفون عيون الناظرين) تشير اولاً الى صعوبة الامر بالتاكيد على ان حجاب جفون الاخلاد الى الارض وشدة التاثر بظاهر الحياة الدنيا هو حجاب عظيم، لكنها في الوقت ذاته تؤكد امكانية كشف هذا الحجاب من خلال استخدام فعل الماضي لبيان فتق هذا الحجاب العظيم اذ ان صيغة الفعل الماضي ابلغ صيغة في اثبات امكانية حصول هذا الامر وذلك من خلال الاخبار عن وقوعه عملياً.


اعزاءنا المستمعين، وفي هذه العبارة اشارة لطيفة يتضمنها استخدام تعبير (الناظرين) فيها مجرداً عن كل قيد وشرط، فهذا الاستخدام يفيد ان الله عزوجل يتفضل بهذه النعمة العظيمة - اي نعمة فتح عيني القلب- على من ينظر كناية عن الطلب اي من يطلب منه هذه النعمة ويتوجه اليه عزوجل من اجلها.


هذا اذا اخذنا معنى الناظر كاسم فاعل من (النظر) اما اذا كان من الانظار والنظرة بمعنى الانتظار، فيكون المعنى هو ان الله يتفضل بهذه النعمة على من يصبر وينتظر رجاءً ان يتفضل عليه الله تبارك وتعالى بارادة مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.


وعلى المعنى الاول يكون المطلوب من المؤمن ان يسأل ربه ويتوجه اليه جل جلاله في صدق الطلب ان يمن عليه بذلك، وعلى المعنى الثاني يكون المطلوب من المؤمن ان لا ييأس وينتظر الفرج ويصبر على مجاهدة العوامل التي تصده عن رؤية الملكوت حتى يتفضل الله جل جلاله بذلك.


وكلا هذين الامرين يمكن استفادتهما من النصوص الشريفة، اذ ان لهما بالغ الاثر في اخراج الانسان من حالة الغفلة والانشغال بظواهر الحياة الدنيا، والغفلة هي العامل الرئيس الذي يحجب الانسان عن ابصار عالم الملكوت وحقائق الاشياء، كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية ۲۲ من سورة (ق): «لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ».


اي قوي نافذ يرى حقائق الاشياء، وقال تبارك وتعالى في الآية السابعة من سورة الروم: «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ».


من هنا فان التحرر من حجاب الغفلة هذا هو الذي يفتح الطريق اما الانسان لكي يريه الله عزوجل حقائق الاشياء فيراها بعين القلب ويصبح بذلك من الموقنين، واراءة الله عزوجل له ذلك تكون بهذا الاسم العزيز الذي يعلمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان نتوسل به الى الله عزوجل في المقدم المتقدم من دعاء الحجب الشريف، وهذه احدى خصائص هذا الاسم وله خصائص وآثار اخرى يشير اليها الدعاء الشريف في الفقرات اللاحقة؛ وهذا ما سنتناوله بعون الله في حلقة مقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران شكراً لكم وفي امان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة