البث المباشر

شرح فقرة: "وأسالك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون عيون الناظرين..." (۱)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:20 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 29

 

بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي تجلى لخلقه بانوار صفوته المنتجبين وكنوز رحمته للعالمين الحبيب الصادق الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.

السلام عليكم اخوتنا المستمعين اهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نسعى معاً فيه لاستلهام دروس التوحيد الخالص من المقطع الخامس من دعاء (الحجب) الشريف الذي هدانا نبينا الهادي المختار (صلوات ربي عليه وآله الاطهار) الى التوجه به لربنا الكريم طلباً لفيضه وعطائه؛ ودفع ما لا يرضاه لهم.


وفي هذا المقطع نقتدي برسول الله حيث يخاطب ربه الجليل قائلاً: (واسالك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون عيون الناظرين الذي به تدبير حكمتك وشواهد حجج انبيائك يعرفونك بفطن القلوب وانت في غوامض مسرّات سريرات الغيوب، اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد).


ايها الاكارم، هذا المقطع من الدعاء جاء بعد مقطعين يعلمنا فيهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان نسأل الله ونطلب ما نريد منه عزوجل متوسلين باسمائه الحسنى بحقائقها الملكوتية الوجودية وبجميع اقسامها الظاهرة والباطنة وباسماء الجمال والرحمة واسماء الجلال والعظمة والهيبة.


وبعد التوسل بجميع هذه الاسماء الحسنى، يتوسل الداعي الى ربه الكريم بسؤاله باسم خاص من هذه الاسماء، فما الذي نستفيده من ذلك؟


في الاجابة عن هذا السؤال نقول: ان التوسل والسؤال بهذا الاسم الخاص لابد ان له خصوصية اخص في تحقيق ما يرجوه الداعي من ربه الكريم تبارك وتعالى، وهذا ما يشير اليه المقطع اللاحق لهذا المقطع من الدعاء الشريف، ففيه يبدا الداعي بعرض ما يطلبه من الله جل جلاله.


وقد اثرنا في حلقات سابقة الى ان معرفة الداعي لله بهذه الاسماء من اهم العوامل التي تؤهل الداعي لتلقي الفيض والعطاء الرباني وتحقق ما يطلبه؛ وهذا الامر يصدق على هذا الاسم الخاص ايضاً فما هي خصوصياته؟!


مستمعينا الافاضل، الدعاء الشريف يذكر خمس خصوصيات لهذا الاسم الالهي الاعظم تاثيراً في استجابة الدعاء، الاولى:

انه الاسم الذي فتق الله به رتق عظيم جفون عيون الناظرين، والثانية انه الاسم الذي به تدبير حكمة الله لشؤون الخلق، والخصوصية الثالثة انه الاسم الذي به تكون شواهد حجج الانبياء (عليهم السلام)، والخصوصية الرابعة انه الاسم الذي يثمر معرفة الله بفطن القلوب وهو في غوامض مسرّات سريرات القلوب، اما الخصوصية الخامسة فهي انه اسم عزيز، فما هو المستفاد من هذه الخصوصيات؟


نبدأ بالخصوصية الاولى التي تتضمنها فقرة: (أسالك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون عيون الناظرين) ، فما الذين نستفيده من هذا التعبير الخاص؟ الاجابة تاتيكم بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.


ايها الاكارم، الصورة التي تشتمل عليها الفقرة المتقدمة من الدعاء مقتبسة من صورة قرآنية ورد ذكرها في الآية الثلاثين من سورة الانبياء، حيث يقول عزوجل: «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ».


ومعنى الرتق في اللغة هو الالتحام والالتئام والفتق ضده اي الفتح والشق، والآية الكريمة جاءت في سياق بيان توفير الله عزوجل لاسباب الحياة الطيبة للانسان، وقد روي في كتاب (الروضة من الكافي) ان شامياً سال الامام الباقر (عليه السلام) عن معنى هذه الاية فقال (عليه السلام): فلعلك تزعم انهما كَانَتَا - اي السموات والارض- رَتْقًا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت احداهما عن الأخرى؟


قال الشامي: نعم.


فقال الباقر (عليه السلام): (استغفر ربك، فان قول الله عزوجل «كَانَتَا رَتْقاً» يقول: كانت السماء رَتْقًا لا تنزل المطر وكانت الارض رَتْقًا لا تنبت الحب، فلما خلق الله تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كل دابة، فتق السماء بالمطر والارض بنبات الحبّ).


وبملاحظة اقتباس الدعاء الشريف لهذه الصورة القرآنية، ان فتق الله عزوجل لجفون عيون الناظرين العظيم وبهذا الاسم العزيز يعني توفير اسباب الحياة المعنوية الطيبة مثلما ان فتق رتق السموات والارض يعني توفير اسباب الحياة المادية وما يحتاجه فيها من طعام وشراب؛ ولكن ما علاقة توفير اسباب الحياة المعنوية الطيبة بفتق رتق العيون؟


مستمعينا الافاضل، الاجابة عن السؤال المتقدم نجده في الحديث المروي في كتاب الخصال للشيخ الصدوق مسنداً عن مولانا الامام زين العابدين (عليه السلام) انه قال: (الا ان للعبد اربع اعين: عينان يبصر بهما امر دينه ودنياه، وعينان يبصر بهما امر آخرته، فاذا اراد بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه فابصر بهما الغيب في امر آخرته واذا اراد به غير ذلك ترك القلب بما فيه).


وقال السيد عبدالله الجزائري في كتاب التحفة السنية: (في الحديث النبوي: ليس العلم بكثرة التعلم وانما هو نورٌ يقذفه الله في قلب من يريد ان يهديه، وفيه - اي الحديث النبوي-: ما من عبد الا ولقلبه عينان وهما غيبٌ يدرك به الغيب، فاذا اراد الله بعبد خيراً فتح عيني قلبه فيرى ما هو غائبٌ عن بصره).


وعلى ضوء هذه الاحاديث الشريفة نفهم ان الاسم الخاص الذي نسال الله به ما نطلبه منه عزوجل في دعاء الحجب، هو الاسم الذي يفتح الله به عيني قلب من يريد به خيراً من عباده فيبصر بهما غيب الآخرة اي عالم الملكوت والغيب مقابل عالم الدنيا وهو عالم الملك والشهادة، فيرى حينئذ حقائق الاشياء وتنفتح له آفاق الحياة المعنوية الطيبة وتنبت في قلبه شجرتها، وهذا ما آتاه الله خليله ابراهيم (عليه السلام) كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية ۷٥ من سورة الانعام:

«وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ».


نشكر لكم ايها الاطائب طيب الاصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران دمتم باطيب الاوقات وفي امان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة