البث المباشر

شرح فقرة: "خرّت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:21 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 28

بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد وجميل الثناء الذي رزقنا موالاة صفوته النجباء وخلفائه الرحماء حبيبه محمد سيد الانبياء وآله الاصفياء صلواته عليهم آنَاء اللَّيْلِ وأَطْرَافَ النَّهَارِ.


السلام عليكم مستمعينا الاعزاء، اطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم بفضل الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتامل فيها معاً في فقرة اخرى من المقطع الرابع من دعاء الحجب الشريف الذي رواه السيد ابن طاووس في كتاب مهج الدعوات عن حبيبنا الهادي المختار (صلوات الله عليه وآله الاطهار). وفي المقطع الرابع منه نقتدي بالنبي الاكرم وهو يخاطب ربه الجليل قائلاً:

(واسالك بالاسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم، فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة، خرّت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك وخوفاً من سطوتك راهبة منك، فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ) .


ايها الاطائب، انتهى بنا الحديث الى فقرة: (خرّت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك) ، فما الذي نستفيده منها؟


هذه الفقرة - كما هو واضحٌ- تبين نتيجة تجلي الله عزوجل بشعاع نور الحجب من بهاء عظمته كما ورد ذلك في قصة طلب كليمه موسى (عليه السلام) ان ينظر اليه جل جلاله والتي حكاها في سورة الاعراف.


وتمثلت هذه النتيجة في ان الجبال قد خرت اي سقطت دفعة واحدة، وتدكدكت والدك هو اشد الشق كما ورد في كتب اللغة، اي تلاشت.


ونلاحظ هنا ان الدعاء الشريف استخدم تعبير الاندكاك بنسبته الى الجبال، وفي ذلك اشعار الى ادراكها لنور العظمة، وهذا الادراك هو الذي جعلها تندك، وهذا المعنى تؤكده العبارة اللاحقة حيث تنسب الى هذه الجبال مشاعر الخوف والرهبة الى الجبال.


وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم حيث قال جل وعلا في الآية الكريمة الحادية والعشرين عن سورة الحشر: «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» . فما الذي نستفيده من ذلك؟


ايها الاكارم، في الاجابة عن السؤال المتقدم، نقول: ان المفسرين ذكروا ان آية سورة الحشر المتقدمة جاءت على نحو التمثيل كما يشير لذلك ذيلها وليس على نحو الحقيقة والمراد في الآية هو ان الجبل الصلب لو ادرك -من باب فرض المحال- ما في القرآن الكريم من حقائق عظمة الله لخشع وتصدع من خشية الله عزوجل، لذلك فالانسان اولى اذن بان يخشع لله جل جلاله.


ولكن آية سورة الاعراف المصرحة باندكاك الجبل عندما تجلى الله له بشعاع من نور الحجب من بها العظمة، هذه الآية تنفي ذلك الاستبعاد، وتثبت ان لكل المخلوقات مرتبة من الادراك والشعور للعظمة الالهية عند تتنزل حقائقها الى مراتب المخلوقات.


وعلى اي حال فالذي نستفيده هنا هو ان انوار بهاء العظمة الالهية يمكن ان تتنزل وتصل الى كل مراتب الوجود، لذلك يمكن ان نطلب مشاهدتها الوجدانية من الله لكي تندك لها جبال النفوس فتملأ بروح الخشية من الله وسطوته والرهبة منه، وهذه هي حقيقة الورع والتقوى التي بها يتحصن الانسان من فعل ما يسخط الرب الجليل تبارك وتعالى.


اعزاءنا المستمعين؛ ونتابع معاً التامل في هذه الفقرة من دعاء الحجب الشريف لنجد ان اندكاك جبال النفوس وبالتالي وتولد حالة التقوى من الله جل جلاله هي نتيجة استشعار عظمة الله وجلاله وهيبته؛ فما هو الفرق بين هذه الامور الثلاثة؟


عندما نرجع الى كتب اللغة نجد ان العظمة تعني المرتبة العليا للعلو والكبرياء الالهي، اي ان النفس تستشعر انها في محضر العظيم الذي لا يعلوه شيء ولا يتعاظم امامه شيء فتعرف صغرها في قباله وتخضع وتخشع له.


اما الجلال فهو بمعنى العظمة ولكن بلحاظ السعة الشاملة بحيث لا يخرج عن سلطانه شيء، اي ان النفس تستشعر انها في محضر العظيم الذي لا يخرج عن سلطانه الواسع شيء، فتدرك انها لا ملجأ لها منه سوى اليه تبارك وتعالى.


والهيبة تعني حالة تجعل الطرف المقابل لصاحبها يستشعر الخوف منه مقروناً بالتعظيم والاجلال، اي انها حالة يقترن فيها الخوف من المهاب بالانجذاب اليه.


وبذلك يكتمل اندكاك النفس بافضل صورة، اذ تتوله فيها حالة التقوى من الله عزوجل مقرونة بتعظيمه واجلاله واللجوء اليه اضطراراً من جهة وانجذاباً اليه لهيبته من جهة ثانية لتدخل بذلك في رحاب توحيده الكامل.


مستمعينا الافاضل اما بالنسبة لعبارة: (وخوفاً من سطوتك راهبة منك) فهي تشير الى ظهور آثار اندكاك النفس وخضوعها لعظمة الله وجلاله وهيبته، باجتناب ما يؤدي الى سخطه وسطوته وظهور الخشية منه في الترهب والانقطاع اليه؛ لتشهد بأن من شاهدت آثار عظمته وجلاله وهيبته هو الذي لا اله الا هو، فتنطق بلسان حالها لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ) وحرف (الفاء) يشير الى ان هذه الشهادة هي نتيجة وثمرة لمشاهدة التجلي الالهي بشعاع نور الحجب من بهاء العظمة؛ اما تكرار هذه الشهادة ثلاث مرات فهو يشير اولاً الى توحيد الله في عظمته والخشية منه ثم في جلاله واللجوء اليه ثم في هيبته والانجذاب اليه عزوجل، وثانياً فان هذا التكرار يفيد ايضاً توحيده في الالوهية عقائدياً وعقليا ثم قلبياً ووجدانياً، ثم عملياً وسلوكياً وهذه هي اكمل مراتب التوحيد التي تملأ كل وجود الانسان وحركاته وسكناته، رزقنا الله واياكم ذلك ببركة الاستنارة بانوار هداية شعاع نور، بهاء العظمة الالهية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين. اللهم امين، وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمه) قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران شكراً لكم وفي امان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة