البث المباشر

شرح فقرة: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:27 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 19

 

بسم الله وله عظيم الحمد قديم الاحسان ذي الفضل والانعام له الاسماء الحسنى تبارك وتعالى رب العالمين، واكمل صلواته وتحياته وبركاته على كنوز رحمته الكبرى للعالمين حبيبه المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.


السلام عليكم اعزاءنا المستمعين، طبتم وطابت اوقاتكم بكل ما تحبون، واهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نسعى فيها لمعرفة الاسماء الالهية الحسنى التي امرنا الله عزوجل ان ندعوه بها وذلك من خلال التامل في الفقرات التالية من احد اهم ادعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) وهو الدعاء الموسوم بدعاء الحجب او الاحتجاب، ففي المقطع الثالث منه يعلمنا الهادي المختار ان نتوجه الى ربنا الكريم تبارك وتعالى بالعبارات التالية: (اسئلك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، وبكل اسم هو لك سميت به نفسك او استاثرت به في علم الغيب عندك، وبكل اسم هو لك انزلته في كتابك، او اثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك، فتراجعت القلوب الى الصدور عن البيان باخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية مقرة لك بالعبودية وانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، ...).


مستمعينا الافاضل، هذا المقطع يعرفنا ايها الاكارم بالوسائل التي ينبغي ان نتوسل بها الى الله جل جلاله وندعوه بها لكي تتحقق الاجابة المطلوبة لدعائنا، بمعنى ان بمعرفة هذه الوسائل وابتغائها نتاهل ونستعد للحصول على الفيض الالهي، ولتحقيق هذا الاستعداد امرنا الله تبارك وتعالى بابتغاء الوسيلة اليه كما ورد في الآية الكريمة ۳٥ من سورة المائدة حيث يقول عزوجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وكذلك في الآية الكريمة السابعة والخمسين من سورة الاسراء حيث يقول تبارك وتعالى: «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً».


واولى هذه الوسائل هم رحمة الله الكبرى للعالمين الذين يظهرون عز السلطنة الالهية من جهة ومن جهة ثانية ينشرون منتهى الرحمة الربانية، وقد دلتنا النصوص الشريفة انهم النبي الخاتم الذي ارسله الله رحمة للعالمين وآله الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم اجمعين).


اما الوسيلة الثانية فهي دعوة الله باسمائه الحسنى كما امرنا بذلك القرآن الكريم في قوله في الآية ۱۸۰ من سورة الاعراف وهي: «وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ».


اعزاءنا يعرفنا دعاء الحجب باقسام الاسماء الالهية الحسنى، فالقسم الاول هو ما يليق بالذات الالهية المقدسة الذي سمى الله به نفسه، وهي المرتبة الافضل والاعلى والاحسن من كل صفة من صفات الخير والكمال؛ وهذا القسم الرئيسي الاول، اما القسم الرئيسي الثاني فهو المشار اليه في قول هذا الدعاء الشريف: (او استاثرت به في علم الغيب عندك)، فما هو المراد بذلك؟


ايها الاخوة والاخوات، اهتم اهل المعرفة بالبحث بشان الاسم المستاثر او الاسماء الالهية المستاثرة، وكتبت بشانها كثيرٌ من الدراسات العقائدية، والذي يمكن قوله على نحو الاجمال هو ان المقصود بهذا التعبير حقيقة الصفات والاسماء الالهية الحسنى ومرتبتها التي لا يمكن للانسان تصورها او بيانها، بل ان محلها القلب والتفاعل الشهودي لاهل الايمان وهذا ما يشير اليه دعاء الحجب نفسه بقوله: (او اثبته في قلوب الصافين حول عرشك)، وتكون معرفة الاسماء الظاهرية والايمان بها والعمل بمقتضياتها والتوجه الى الله عزوجل بها هي وسيلة البلوغ القلبي لحقيقة الاسم او الاسماء المستاثرة في عالم الغيب الالهي، والى هذا المعنى يشير الحديث القدسي الشهير: (لا تسعني سمواتي وارضي ويسعني قلب عبدي المؤمن) والى هذا المعنى يشير مولانا الامام الصادق (صلوات الله عليه) في حديث جامع رواه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد وثقة الاسلام الكليني في كتاب الكافي، نقرا لكم نصه بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.


قال مولانا جعفر الصادق (عليه السلام): ان الله تبارك وتعالى اسماً بالحروف غير منعوت، وباللفظ غير منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الاقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس كل متوهم، مستتر غير مستور.


فجعله كلمة تامة على اربعة اجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر، فاظهر منها ثلاثة اشياء لفاقة الخلق اليها وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت.


فالظاهر هو الله، وتبارك وسبحان، لكل اسم من هذه اربعة اركان فذلك اثنا عشر ركناً، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً اليها، فهو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ، الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ، الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، الحكيم الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، المقتدر القادر السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحي المميت الباعث الوارث.


ثم قال امامنا الصادق (عليه السلام) في ختام حديثه: فهذه الاسماء وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسماً فهي نسبة لهذه الاسماء الثلاثة، وهذه الاسماء الثلاثة اركان وحجب للاسم الواحد الْمَكْنُونِ المخزون بهذه الاسماء الثلاثة وذلك قوله عزوجل: «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى».


اعزاءنا المستمعين، والاستفادة التربوية التي نستلهمها من هذه العبارة من دعاء الحجب هي ان الداعي ينبغي ان يكون راجياً بثقة لما هو فوق ما يحتسبه ويتوقعه من فضل الله وكرمه عزوجل لان الله اكبر من كل ما نعرفه من اسمائه الحسنى الظاهرة.


وبهذه الاستفادة نختم ايها الاحبة لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. الى لقاءنا المقبل باذن الله دمتم بالف خير وفي امان الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة